تكاد تكون الفضائية العراقية الحالية صورة محسنة عن قناة العراق
الفضائية السابقة في عهد الصنم الساقط واقصد هنا من الناحية العملية في
الطرح وفي التعامل مع الاحداث المحلية والعالمية مع فارق نسبي ان قناة
العراق الفضائية السابقة كانت تمجد وتصفق وتهلل للصنم الساقط بكل
سلبياته، اما الفضائية العراقية الحالية فهي لاتمجد شخص معين لكنها
لاتنتقد على الاطلاق بعض الاشخاص والسلبيات الصارخة في عراق اليوم مما
يضعها في خانة القنوات الرتيبة والمملة تلك التي تسمى اعلام الدولة.
وهذا اهم واخطر خطا وقعت فيه العراقية لانه يجعل منها قناة اسيرة
لتوجه الدولة ولاتنطق بالحق كله بل بنصفه او ربعه وكان الامثل ان تكون
عراقية صرفة تمثل راي المواطن العراقي ليس بالارهاب فحسب لان مثل ذلك
لايحتاج الى سبق ودهاء صحفي بل راي المواطن الصريح بالحكومة واشخاصها
واجهزتها المعنية دون انتقاء حالات معينة وغض الطرف عن حالات اكثر
اهمية لان اساس تكوين هذه القناة هي من اموال العراقيين وليس من جيوب
المسؤولين الجدد في العراق.
في احدى المؤتمرات في اوربا كان دوري لالقاء بحث حول دور الاعلام
العراقي في المرحلة الحالية وقد اشرت الى كثير من السلبيات التي يعاني
منها الاعلام العراقي الحالي وبالتركيز على قناة العراقية الفضائية
اعطيت مجموعة من الامثلة منها في محاكمة الصنم لو شاهدت قنوات مثل
الجزيرة والعربية تفرغ نفسها تماما ليوم جلسات المحكمة وتستضيف
المختصين والسياسيين من كل دول الدنيا لتاخذ اراهم حول المحكمة والنظام
الساقط وبشكل يجعل المشاهد مشدود بقوة الى تلك القنوات اذا كان دورها
سلبيا او ايجابيا لكنها تتعامل مع الحدث وتعطيه حقه الاعلامي حتى وان
كان بلؤم وطائفيه وحقد عرفت قناة الجزيرة بها اتجاه الشعب العراقي.
لكن لو في نفس الوقت ذهبت الى قناة العراقية ستجدها تبث بين فواصل
المحكمة اغنية " وين تروح من الله ياظالم "
ونفس الشيء ينطبق مع الاعمال الارهابية والتفجيرية بحق اهل العراق
الكرام تتلقفها الجزيرة والعربية وبشكل فوري ومباشر لكن ستجد على
العراقية وفي نفس هذا الوقت اما برنامج اغاني الريف المميز او افلام
كارتون للاطفال او برنامج قراءة الابراج وكان الامر يجري في مقاديشو او
في دارفور وليس في وسط بغداد لاتبعد سوى امتار عن مقر الفضائية
العراقية!! والضحايا والدم المستباح من ابناء العراق. مع العلم ان
ثلاثة ارباع اسباب هذا الارهاب ودماء العراقيين التي تصبغ ارصفة
الشوارع باللون الاحمر بدلا عن الاصفر هو بسبب هذه القنوات العربية
التي تحرض وتجعل الضحية مجرم والارهاب مقاومة اما العراقية فانها تعيش
في عالم اخر لايمس الواقع بشيء سوى كاداة لنقل الخبر ليس الا... اما
طريقة التعامل مع الخبر والحدث فهي بسيطة وبدائية ومتخلفة اعلاميا في
احيان كثيرة.
بعد نهاية تلك الجلسة عاتبني الوزير العراقي الذي كان يحضر المؤتمر
على نقدي هذا لقناة العراقية , وقد اجبته بشكل مختصر " السيد الوزير
لقد اثبت لي بعتابك هذا لي ان العراقية فعلا تتخبط وانكم تنظرون لها
على انها جزء من الحكومة وهذا مركز الخطورة في الموضوع".
اخر الابتكارات " المميزة " للعراقية.. انها قبل ايام دفعت الاف
الدولارات استضافت وبشكل مباشر شخص ليس له عمل او هم سوى شتم العراقيين
والعراق بكل فئاته الخيرة ومراجعه الدينية والسياسية والاجتماعية
والعلمية على حد سواء بل انه من على قناة الجزيرة وصف حبر الانتخابات
البنفسجي " بان اختيار هذا الاصبع له معاني اخلاقية تخص الشعب العراقي
" والحر تكفيه الاشارة !! طبعا ايضا حقده المريض لم يسلم منه لاسماء
ولاارض ولاماء ولا مقدسات العراق ومع ذلك تربع وسط شاشة العراقية وبدا
ينفث سمومه لكن حكمة السماء ورافتها باعصاب وكرامة العراقيين سببت خلل
فني اختفى الصوت والصورة معها ولااعرف بعدها ماذا حدث بالضبط !! لكني
اقول للاشخاص الذين استدعوا هذا الشخص " اذا كنتم تدرون فتلك مصيبة
وان كنتم لاتدرون فالمصيبة اعظم ".
اما الابتكارت المميزة والمستمرة للعراقية.. فهي استضافة احد "
امناء " مجلس القناة للتحليل السياسي وهذه سابقة اعلامية لم تفعلها اي
قناة اخرى لان اعضاء ادارة القناة المفروض انهم محايدين وليس " محلل
سياسي " بل واكثر من ذلك كان نفس الشخص بدا يحلل اوضاع المنتخب العراقي
وطريقة اداه اثناء بطولة غربي اسيا !!
مع العلم انا اجزم انه لم يمس الكرة يوما واحدا في حياته بل ولم
يجلس في ملعب لكرة القدم. ولا اعرف ماذا بقي لعمو بابا ورفاقه بعد ذلك
!! واخر الميزات جرت في الاسبوع الاخير حيث تم استضافة مذيع من نفس
القناة في برنامج طويل ليعطي رايه بالاعلام الحديث والعراقية الفضائية
بالذات! والمحاور الاخر له كانت اثنين من الزميلات معه بنفس القناة !!
اما شخص اخر من مجلس " الامناء " فانه يجلس من لندن في قناة المستقلة
وفي قناة " اي ان بي " لينتقد اداء الفضائية العراقية وكان الامر يخص
قناة اخرى في جمهورية جزر الموز , وليس في قناة هو شخصيا احد اسباب
تاخرها وهدر اموال العراقيين فيها بلا طائل او سبب يستحق.
انه عطش وجوع للخروج على الشاشة لايشبهه الا عطش وجوع من نوع اخر
للمظلومين والمحرومين في العراق من خيراتهم وثرواتهم. مع الاشارة الاان
مجلس " الامناء " هذا لايعرف احد من الذي قام بتعينه وايضا لايعرفون
العراقيين المدير العام للفضائية من اين جاءته كل هذه القوة الخفية
التي تساعده على رفض وعدم تنفيذ قرار رئيس حكومة العراق السابق الجعفري
باعفائه من منصبه ويستمر في عمله ليومنا هذا !! وكم كانت الكاميرا في
الفضائية العراقية متميزة وكريمة عندما نقلت لنا من رسائل حجاج بيت
الله الحرام اثناء موسم الحج السابق. كيف يصعد الطائرة المدير ومعه
المذيعين وكيف ينزلون وكيف يطفون ببيت الله الحرام بل وكيف ياكلون
وماهي درجة حرارة الاكل الذي امامهم ونوعيته طبعا ولم يفوتهم ينقلون
لنا كيف ينامون ايضا !! انها صورة مثالية لاعلام يتعثر ويتحول الى صورة
مصغرة من الديكتاتوريات الجماعية الجديدة في عراق اليوم. انه بالفعل
نوع من " الحب القسري " الذي يمارسه البعض في عراق اليوم مع العراقيين
دون النظر الى مشاكلهم او هموهم الجوهرية التي يعيشوها كل لحظة. بذات
الوقت الذي تجد فيه فضائيات عراقية اخرى وعربية تنهش وتعبث بلحم ودماء
العراقيين.كنا نحن نراقب " دشاديش وسراويل " الموظفين والمدير
والموذيعين في القناة وهم يتجولون في مكة واسواقها !! والمفارقة الاخرى
ان بعض اعضاء " مجلس الامناء " رشحوا انفسهم في الانتخابات البرلمانية
الاخيرة في العراق وفشلوا, لم يحصلوا على مقعد في البرلمان العراقي
المنتخب , ماذا يعني ذلك !! الا يعني انكم غير مرغوب فيكم من قبل الناس
اذن فككوا هذا المغناطيس الاصطناعي الذي وضعتموه تحت كراسيكم واحترموا
مشاعر العراقيين وتنحوا جانبا من المسؤولية هذه في قناتهم التي تحمل
اسم بلدهم والتي بنيت من فلوسهم وثرواتهم. ومفارقة اخرى في فترة من
الفترات انتقلت بعض مذيعات الفضائية العراقية الى القاهرة لعمل "
لقاءات طال انتظارها من قبل الشعب العراقي حتى كاد يفقد صبره ولم يعد
يهمه الكهرباء والماء ولاالحصة التمونية ولاحتى الانفجارات اليومية "
وان مشاكل العراقيين هذه كلها انتهت مرة واحدة ولم يبقى لهم الا ان
يعرفوا الممثل المصري الفلاني ماذا ياكل وماذا يلبس ومتى يتزوج !! لكن
المفارقة لم تنتهي هنا بل عندما تحولت مذيعة الفضائية العراقية ولعدة
حلقات الى مواطن مصري يتكلم اللغة المصرية المحلية وليس العراقية او
حتى اللغة العربية !! ومذيع اخر كان يقدم برنامج على الهواء ينتقد فيه
الطائفية المقيته والتعصب الاعمى وماشابه ذلك , واثناء حديثه هذا " رن"
جرس هاتفه النقال في جيبه وبصوت عالي مسموع كانت النغمة " لطمية " !!
ولااعرف بعد ذلك كيف ماذا كان يتوقع راي المشاهد العراقي بمثل هكذا
حاله مميزة فعلا!!.
لن اطيل بتعداد الحالات السلبية في الفضائية العراقية وهي كثيرة
وعديدة. لكني حريص على القول ان فيها كوادر فنية وادارية وحتى بعض
مقدمي البرامج ممكن وصفهم بالناجحين والمتميزين فعلا لكن هذا النجاح
وهذا الامتياز يمتصه ذلك التخبط والتعثر الواضح في ادارة وتوجيه هذه
المحطة التي من المفروض انها جديدة ومتطورة في كل شيء وليس فقط
بالاشخاص الذين اتخذوها لهم مطية تصل بهم الى حصتهم " الغير شرعية "
في العراق الجديد والذي بدا البعض يتعامل مع ثروات ومؤسسات البلد
وكانه بقية ارث شخصي وحزبي لابد من الهيمنه عليه. لذلك اليوم الحكومة
العراقية الجديدة برئاسة السيد المالكي مطالبة بوقفة قوية وجدية تعيد
الامور الى نصابها الحقيقي , حيث يوجد الالاف من العراقيين الاكاديمين
والمختصين في الاعلام الحديث موزعين في بقاع الارض والغربة او معزولين
داخل بلدهم او في جانب اخر يعملون في مؤسسات اعلامية عربية واجنبية
ومبدعين فيها في الوقت التي عيونهم تراقب حسرة والم على تلك السنين
وهذه الامكانيات التي يعطوها لغير بلدهم , هذا البلد الذي ضحوا له بكل
غالي ونفيس.
والنقطة الاهم التي يجب ان يعرفها الجميع ان هذه الفضائية ليس ملك
للحكومة او لحزب معين , لذلك يجب ان تكون كل دوائرها وبما يسمى " مجلس
الامناء " وغيره من التسميات والشخصيات مطروحة للنقاش الشفاف اولا امام
المواطن وفي شاشة العراقية نفسها وثم امام البرلمان العراقي الجديد ,
الذي يجب ان ياخذ دوره في وضع الامور في نصابها الصحيح في هذه المؤسسة
العراقية المهمة.
al-wadi@hotmail.com |