كنت أخجل حين أحاول إخبار صديقي أنني قضيت ساعتين على الحاجز
الإسرائيلي، وذلك لأنه حين يخبرني أن بيته هدمته الجرافات الاسرائيلية،
فإن ساعتين على الحاجز تصبحان بلا قيمة على مستوى المعاناة.
التغطية الإعلامية للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي تركز على مشاهد
الموت والعنف والدمار، وتعطي بشكل بالغ المحدودية تفسيراً لما يحدث.
وتلعب التغطية التلفزيونية دورا حيويا في صناعة الرأي العام وتشكيله
والتأثير الهائل في فهمنا لما يدور حولنا، وإمكانية أن ينحرف هذا الدور
إلى حد التضليل وتشويش فهمنا لقضية ما، بعيداً عن الرصد الشامل المليء
بالمقاربات المختلفة المبتكرة من أجل تحسين نوعية الأخبار والتعامل مع
عدد من القضايا التي تبدو شائكة وتظهر تميز الصحافيين في الميدان،
وأساليب المحررين في نقل حقيقة ما يجري على الأرض.
تحاول العديد من الفضائيات التي لا يوجد لديها إلمام ومعرفة بأبعاد
وأسباب الصراع وجذوره إلى قلب الحقائق، والانحياز الإسرائيلي، وغالباً
ما يتم قلب المعتدي إلى ضحية والضحية إلى معتدي.
وعملية الاغتيال لأسرة أمن في غزة ما هي إلا ضحية البحث عن أخبار
الإثارة والعنف، وعدم التعاطي بمهنية أكثر مع هذا الحادث، حيث قدمت
كافة محطات التلفزة عملية الاغتيال لقائد حركة الجهاد الإسلامي، في حين
جاء خبر العائلة وكأنه لون السيارة التي كان يركبها الشهيد الدحدوح أو
ماركتها.
وتميزت بين تلك المحطات الفضائية المعروفة التي شاهدتها، وهي تنقل
الخبر فضائية المنار، والتي حاولت أن تكشف عن وجه آخر لممارسة الاحتلال
وإظهاره بالشكل الذي يستحق، وافتتحت نشرتها بغارة جوية على غزة أسفرت
عن استشهاد 4 مواطنين بينهم عائلة واحدة تتكون من الجدة والأم وطفلتها،
ونقلت عن الإذاعة الإسرائيلية بأن الغارة كانت تستهدف محمد الدحدوح أحد
قادة الجهاد الإسلامي الميدانيين.
من ينكر على الشهيد أهميته ومكانته؟ لكن جريمة اغتيال الأسرة كان من
الأهم أن تأخذ حقها وتقدم للرأي العام العالمي، على اعتبار أن عمليات
الاغتيال خارج نطاق القانون التي تمارسها سلطات الاحتلال تجرف معها
أبرياء كثيرين، كما في حادثة صلاح شحادة التي راح ضحيتها 17 مواطناً
غالبيتهم من النساء والأطفال.
أعتقد (إذا لم أكن مخطئا) أن عائلة أمن كانت من لحم ودم، ولم يتنامى
إلى علمي انهم كانوا تماثيل خالية من الحياة، بل أكاد ارى أحلامهم وهي
تتبعثر تحت قسوة الصاروخ الإسرائيلي الذي لم تردعه نظرات الأم والطفل
قبل ثانية واحدة من انفجاره، رغم أنه ادعى بغرور تعودناه، أنهم لم
يكونوا هم المستهدفين..
لا أدري ما الفارق الذي يصنعه هذا الادعاء مع العائلة المنكوبة؟ |