التطبيع وإنعاش الإقتصاد بين الأحلام والأوهام!!

المهندس علاء فيصل

ثلاث نماذج : مصر وليبيا والهند

بعد أن أعلنت الولايات المتحدة فتح سفارتها في طرابلس وإستئناف علاقاتها الدبلوماسية الطبيعية مع ليبيا و شطب إسمها من قائمة الدول الداعمة للإرهاب تباينت ردود الأفعال تجاه ذلك.

هناك من رأى أنها مكافئة لنظام العقيد لتخليه عن برنامجه للحصول على أسلحة الدمار الشامل ومن رأى فيها خطوة لتحفيز الدول التي تعاني نفس المشكلات في علاقتها مع الولايات المتحدة للمضي في نفس الإتجاه.

ما يبعث على  الإستغراب هو تفاؤل و إستبشار الكثير من المحللين الإقتصاديين وحتى السياسيين خلال اليومين الماضيين بمستقبل الإقتصاد الليبي وتوقعات بشأن إنفراج الأزمة الإقتصادية الليبية المزمنة بل و ذهب البعض إلى أبعد من ذلك و تنبأ  بإزدهار للإقتصاد الليبي.

برأيي أن تسويق مثل هذه التحليلات الإقتصادية هي التي أوصلتنا إلى الوضع الإقتصادي المزري الذي نعيشه اليوم.

لا أريد  البحث بالحالة الليبية فقط بل ما أقصده هو الفهم او التفهيم المقلوب والمشوه للحقائق الذي يرتكبه  البعض الإقتصاديين العرب والذي يسوق مغالطة مفادها أن مجرد العلاقات السياسية الحسنة مع أكبر قوة إقتصادية في العالم هي ولوحدها ستضمن  النهوض الإقتصادي والإزدهار لبلد ما.

الأمثلة التي يمكن الإستشهاد بها على خلاف ذلك كثيرة ،هناك دول في العالم و ليس بعيدة عنا بكثير تعارضت مصالحها مع الولايات المتحدة في فترة زمنية لكن في نفس الوقت حافظت على علاقاتها الإقتصادية المميزة مع الولايات المتحدة و بنهوضها الإقتصادي جعلت العالم والولايات المتحدة أمام الأمر الواقع فاعترفت الأخيرة بها كدولة في النادي النووي ليس هذا فحسب بل و عرضت عليها التعاون في هذا المجال.

وهناك دول في منطقتنا العربية وهي من أكبر حلفاء الولايات المتحدة منذ زمن طويل (أكثر من 20 عاماً) و رئيسها عربي حتى النخاع طبعاً!! ولكن تعاني من أزمات إقتصادية مزمنة و فساد إقتصادي مستشري و حسب ما أوردتة إحصائيات الأمم المتحدة 30 بالمئة من مواطنيها تحت مؤشر الفقر العالمي و دخل الفرد السنوي لا يتجاوز 1400 دولاراً!!

لا أقصد المقارنة بين التطبيع والقطيعة كما لا أقصد من المثالين تقييم ما فعلته ليبيا او مصر اوما ستفعله أي دولة اخرى على هذا الطريق بمقاييس الصحيح والخطأ المطلقة اوالنسبية  بل اريد التأكيد على انه من الخطأ أن نتصور او نصور للرأي العام بأن مجرد تطبيع العلاقات مع هذه الدولة أو تلك سيحقق المستقبل الإقتصادي المشرق والمزدهر ... نعم العلاقات الدولية المستقرة يمكن أن يجند لصالح النمو الإقتصادي ولا سيما مع العولمة المتنامية.

إذا عدنا الى المثال الليبي كنموذج فسنجد بأن تحسن العلاقات الإقتصادية الليبية الأمريكية قد بدأ قبل أكثر من ثلاثة سنوات.

فهل حدث شيئ ما من تغيير او إنعاش في الإقتصاد الليبي؟!

أين المستقبل الموعود إذن ؟!

طبعا الفترة الزمنية قصيرة لكن هي ليست كذلك بالنسبة الى النموذج المصري ... نعم كل ما نبحث و نتعمق أكثر و أكثر في مشاكلنا المزمنة القديمة الجديدة نجد لها جذورا  في الداخل. و إذا تابعنا المشكلة بعمق أكثر فنعود إلى المربع الأول وأعني ضرورة الإصلاح الشامل السياسي والإقتصادي والإداري والتعليمي و... في بلداننا.

إن من يعتقد بأن إعادة العلاقات مع هذه الدولة أو تلك ستفتح باب الإستثمارات الأجنبية وذلك سينعش الإقتصاد فهو على حق لو كان في الإمكان فصل الأقتصاد عن السياسة بشكل تام!!.

فكيف تصبح النتائج إذن إذا لم يكن ذلك الفصل متاحا بل ضربا من الخيال والوهم ؟

وكان تسييس كل شيء هو الملجأ والمهرب !!

أجل التطبيع يساعد على جلب الإستثمارات لكن السؤال هو:" مع غياب الديموقراطية و بتبعها الشفافية و المحاسبة من الذي سيقوم بعقد الصفقات لتلك الإستثمارات وكيف ؟!"

"إلى من ستذهب عقود النفط في بلد غني بالنفط مثل ليبيا أو غيرها من الدول التي لديها موارد طبيعية هائلة؟!"

إلى من ستذهب الأموال الطائلة من بيع الموارد الطبيعية للدولة؟!

و ما يزيد الطين بلة انها ستستخدم تلك الأموال الطائلة لتحكيم قبضتها على الشعوب بدلاً من الإزدهار و النمو الإقتصادي المتوقع.

إن التطبيع اوالعلاقات المتميزة الإقتصادية مع أي دولة لن تضمن النمو و الإزدهار الإقتصادي إلا إذا تزامنت مع إصلاحات سياسية داخلية تمكن الشعب من محاسبة أنظمتها و مراقبتها على الطريقة التي تقوم بصرف تلك الموارد كي لا تفتح الشعوب عيونها ذات يوم و تحن للماضي التي كانت فيه مقطوعة عن العالم و مافيه!!

معهد الإمام الشيرازي الدولي للدراسات – واشنطن

http://www.siironline.org

شبكة النبأ المعلوماتية-الجمعه  18/ايار/2006 -19/ربيع الثاني/1427