شارع الرشيد شاهد على تاريخ العراق

شهد أبو جمعة تاريخ العراق يمر أمام عينيه في الشارع خارج متجره: فهو يذكر رواد المسارح في الثلاثينات ومحاولة اغتيال خرقاء دفعت المارة في الشارع للبحث عن مأوى ووصول القوات الامريكية.

وبدا أبو جمعة (81 عاما) حزينا وهو يصف كيف تحول شارع الرشيد الذي كان الشريان الرئيسي في البلدة القديمة في بغداد الى مكان للعنف واليأس.

وقال ملوحا بيده وكأنه يودع الى الابد الزمن الجميل "الشارع اصبح تاريخا الان فقد تحول الى كم مهمل من الهجمات القاتلة والخوف."

وشاهد أبو جمعة مواكب العديد من الزعماء تقطع شارع الرشيد واستمع لوعودهم بحياة أفضل ورأى الامل الذي يبثونه في النفوس وهو يتلاشى.

والان في الوقت الذي يضع فيه رئيس الوزراء المكلف نوري المالكي اللمسات الاخيرة على تشكيل حكومة تهدف الى توحيد الجماعات الطائفية والعرقية المختلفة تعب أبو جمعة من تصديق أن تغييرا في قمة الهرم سيحقق الرخاء والسلام.

وقال "عندما شاهدت المركبات العسكرية الامريكية تجوب الشارع تذكرت تاريخ هذا المكان."

وأضاف "أدركت انني قد أموت قبل أن أرى المزيد من مواكب زعماءالحكومة العراقيين تجوب الشارع."

ويشهد تاريخ شارع الرشيد على الاضطرابات التي شهدها العراق.

ففي ايام مجده في الثلاثينات من القرن الماضي كان أبناء الطبقة الراقية يأتونه لمشاهدة العروض المسرحية الاستعراضية في النوادي الليلية بقاعات الفنادق الفاخرة وربما كانوا يأتون بحافلات ذات طابقين مستوردة من بريطانيا.

واليوم تقسم جدران خرسانية سميكة حارات الشارع الذي كان ذات يوم الشريان الرئيسي بالمدينة على الضفة الشرقية لنهر دجلة.

وفي هذه الايام فان مجرد التجول في بغداد التي كانت تعرف قديما بمدينة السلام أصبح ينطوي على مخاطرة اذ يجوب المفجرون الانتحاريون وفرق الاعدام المدينة التي يقطنها سبعة ملايين نسمة بحثا عن الطرائد.

والشارع المسمى على اسم الخليفة هارون الرشيد الذي حكم امبراطورية اسلامية شاسعة من بغداد في القرن الثامن شق في عام 1916 لتسهيل حركة نقل القوات اثناء الحرب العالمية الاولى.

وعندما حكمت بريطانيا العراق بمقتضى انتداب من عصبة الامم قبل ان يحصل على استقلاله رسميا عام 1932 استخدم المهندسون البريطانيون السجناء العراقيين كعمال لشق الشارع وتمهيده.

وكان شارع الرشيد في ذلك الوقت يضم كذلك عددا من مقار الصحف التي نشرت انباء مثل ان الملك فيصل أول ملوك العراق كان أول شخص يقود سيارة في الشارع.

والشارع الذي يمتد اربعة كيلومترات وبه اربعة جسور واربعة جوامع تاريخية واربع دور للعرض السينمائي حتى ان الحافلة العامة التي تمر به هي رقم اربعة ارتبط بهذا الرقم في اذهان السكان.

ومازال الشارع يضم بعض الاسواق منها معرض للكتب لكنها تغلق مبكرا. وتمنع السيارات الخاصة من دخوله واقيمت نقاط تفتيش يشغلها رجال شرطة مدججون بالسلاح عند التقاطعات.

ويذكر أبو جمعة يوما شاهد فيه لحظة مصيرية في تاريخ العراق من متجره.. كان صدام حسين الشاب وزمرة من المتآمرين معه يحاولون قتل رئيس الوزراء والحاكم العسكري عبد الكريم قاسم.

وحدث ذلك عام 1959 بعد عام من اطاحة قاسم بالملكية المدعومة من بريطانيا واعدام الملك.

وفشلت محاولة الاغتيال وفر صدام الى الخارج مصابا بجروح ليعود بعد أربع سنوات اثر انقلاب أطاح بقاسم الذي كان تمثاله قد نصب ذات يوم أمام متجر أبو جمعة.

وقال أبو جمعة "كنت هنا في الشارع عندما أطلق البعثيون النار على قاسم ورأيت احد رفاق صدام يقتل."

وأضاف "الناس هرعوا للاختباء عندما انهمر الرصاص على سيارة رئيس الوزراء."

وفي عام 1968 تولى حزب البعث الذي ينتمي له صدام السلطة في انقلاب اخر ليبدأ حكما دام أكثر من ثلاثة عقود واتسم بوحشية متزايدة وانتهى بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة على العراق عام 2003.

لكن الاقتناع بأن الاطاحة بصدام حسين ستحسن الاوضاع سرعان ما تبدد مع سقوط العراق في نير العنف العرقي والطائفي.

وهذا هو ما يشهده أبو جمعة الان من متجره.

ويقول "قبل أربع سنوات كنت أبقي متجري مفتوحا حتى العاشرة مساء لكني الان أغلقه في الثانية عصرا وأسرع الى منزلي."

شبكة النبأ المعلوماتية-الخميس  17/ايار/2006 -18/ربيع الثاني/1427