لايمكن ان يشذ مجتمع عن آخر من ناحية البناء والتكامل والتساند،
الا ان الاختلاف يكمن في مدى ما يتعرض له ذلك المجتمع من صدمات وظروف
تجعله غير قادر على آداء دوره بالشكل الامثل وبالصورة التي تستحق ان
يطلق عليه ( مجتمع ).
ان الافراد ينشأوا في المجتمع الذي يحيط بهم ويضمهم ويمارسون
ادوارهم بصورة تكاملية، الامر الذي يؤدي الى استمرار البناء المجتمعي
الى امام دون تمزق او توتر، الا ان حدوث شروخٍ قوية ومؤثرة تعيق حياة
الافراد داخل ذلك المجتمع، كأن تكون تصدعات خلقها المجتمع وانقلبت
وبالاً على افراده، او بفعل مؤثرات خارجية، فأن النتيجة هي ارتباكٍ
واضح وعدم اتمام لمسيرة الحياة وتعثر لاغبار عليه.
من الممكن القول ان بقاء المجتمع كفيل ببقاء واداء الافراد
لادوارهم بصورة صحيحة، كما ان الامر لا يختلف كذلك من ان ديمومة حياة
الافراد رهن بدوام او توازن المجتمع واستقراريته.
الا ان هناك فجوات ما تلبث ان تتوسع وتزداد تبايناً بين الفرد
ومجتمعه، عندما تتحطم اواصر الاستقرار والاستمرارية والتعامل المتعارف
عليه فيما بينهم.
فمتى تتقطع علاقات الفرد بمجتمعه وتصبح غير ذات فائدة، ومتى ينسحب
المجتمع من افراده ولا يعد يمثل لهم أي مرجع يذكر ؟
ان حالة الفرد العراقي اليوم شبيه بما سبق، فما التوترات
والتصدعات التي يمر بها المجتمع العراقي وحالة التخبط والضياع والدوران
المفرغ، الا دليل على ذلك، فهناك فجوة كبيرة توسعت كثيراً بين العراقي
ومجتمعه، اذ لم يعد الفرد العراقي يمارس دوره كفرد عليه واجبات وله
حقوق، والسبب ضبابية الموقف والمعطى العراقي وتسطح الحياة العراقية.
وكما نعرف ان الانسان قابلية وطاقة، فقد ذابت كل قابليات العراقي
وطاقاته امام هذا الكم الهائل من الصدمات الكبيرة، والتي بالتالي قد
عملت على تلاشي كل الحدود وضيعت بشكلٍ كبير كل ركنٍ للاستقرار وبدأ
الانطلاق.
ان كان المجتمع يعمل كسقفٍ يغطي كل الافراد، فالفرد العراقي
حالياً لايشعر بوجود ذلك السقف، لعدم شعوره بتأدية واجبه ازاء ذلك
المجتمع لادامته، وبالعكس لا يمكن ان يستمر ذلك المجتمع وتظهر له
ملامح، وهو لم يؤدِ دوره بالشكل المطلوب والذي يتمثل بمنح الافراد ما
يستوجب على المجتمع ان يمنحه.
ان الانسلاخ والانسحاب من المجتمع قد بات حالة طبيعية في المجتمع
العراقي، فالارتباك واضح ويعم كل مفاصل حياة المواطن العراقي، ونحن
نخشى ان تتجذر هذه الصفات وتشكل مرجعية في نفوس المواطنين ولا يستطيعوا
التخلص منها ولو بزمنٍ طويل.
فالخوف من كل شيء بات وارداً ومحتوماً وسببه تجليات وملابسات
الوضع العراقي الذي حتم على الشخصية العراقية ان تتخندق بمكانٍ مغلق
يحاول الدفاع عن كل ما يأتيه من هجمات فقط ليس الا.
وقد تُرجم وضع الفرد العراقي بفردانية واضحة غير متصلة قد عملت
على تفتيت كل صفة جمعية ممكن ان يحققها شكل المجتمع.
ان ما ينبغي لنهضة مجتمعٍ كالمجتمع العراقي، هو ان يحدد معالم
وجوده ومن ثم يصف ما له وما عليه من حقوق المواطنين وواجباتهم، ثم
تقوية الصلة بينه وبين ذلك الفرد من خلال ازالة كل العقبات التي من
الممكن ان تقف حائلاً بينه وبين اتمام ادوارهم بالشكل الذي يرتجى.
كما ان الامر ليس منوطاً بالمجتمع بل بالفرد نفسه الذي يجب عليه
ان يحصن نفسه ضد كل فردانية تحيل وضعه ومجتمعه الى جزر متقطعة ومنفصلة
عن بعضها، فلا تنهض الامم ولا تقوم الا بتظافر الجهود والقابليات، فلا
يُذكر امة قد نهضت بمعزل عن افرادها، وانما يتمازج العمل والمضي الى
التكامل في الادوار والوظائف. |