اظهر تقرير قدمه ستيوارت بوين المفتش الخاص بعمليات إعادة الإعمار
الامريكية في العراق التباين الكبير بين الوعود ة الإنجازات التي تحققت
في العراق مؤكدا على ان الفساد في العراق يعرقل إنجاز العديد من
المشاريع ويكلف البلد مليارات الدولارات سنوياً داعياُ واشنطن وبغداد
الى بذل مزيد من الجهود السريعة لوقفه وطالب بعقد قمة امريكية عراقية
لمكافحة موروث هذه الظاهرة مؤكدا على ان تكوين هيكل فعال لمكافحة
الفساد داخل الحكومة في العراق حيوي لنجاح الديمقراطية العراقية
الوليدة على المدى الطويل وأضاف ستيوارت بوين حققت الولايات المتحدة
تقدماً بصفة عامة بحملتها المخصصة لها 30 مليار دولار لإعادة تعمير
العراق والتي وصفت بانها اكبر عملية اميركية للمساعدات الخارجية منذ
إعادة تعمير اوروبا اعقاب الحرب العالمية الثانية.
التقرير طويل جدير بالتحليل والتقييم نشرته الواشنطن بوست في الأول
من ايار الجاري.
أسئلة كثيرة تتبادر الى الذهن: هلْ بعض الأميركيين يسرقون العراقيين
أم أن بعض العراقيين يسرقون الأميركيين؟
وهلْ السراق من المسندين الكبارام من الصغار؟ واين تذهب كل
المليارات؟ وهل تصب في الجيوب اللامتناهية لبعض كبار المسؤولين
المتورطين بالفساد المالي؟
ومنْ يقف وراءهم من أفراد أو هيئات او أحزاب او مؤسسات ومجموعات
تشمل المجموعات الإرهابية او المجموعات المسلحة؟ ما هي نسبة الأموال
والأرباح التي تجنيها من الفساد الشركات المتعاقدة والمتعاقدون في
الشركات الخاصة المحلية والقادمة؟ وهل الدوافع والأسباب مالية إقتصادية
بحتة ام سياسية كذلك ام...؟
والأسئلة كثيرة ومحرجة ومخجلة ومؤلمة مقلقة للغاية. كنت ومازلت
اعتقد بأن خطر الفساد كبير وأكبر من خطر الإرهاب بكثير، وكتبت اكثر من
مقال عن هذا الخطر لأن صفقات الفساد الكبيرة خفية لا يتلمسها المواطن
كما يتلمس إنعدام الأمن والخدمات الأساسية، ولأن الدماء التي يريقها
الفساد ويُغرق البلاد والعباد فيها غيرمرئية خلافاً لسيل الدماء
الحمراء التي يريقها الإرهاب ويراها المواطن يومياً في كل مكان فتثيره
وتثوره وتحفزه على المطالبة والعمل والسير والصمود في طريق مواجهة
الإرهاب، ولأن الفساد المالي سبب رئيسي ومحوري لإنتشار وإستفحال جميع
المفاسد وانواع الفساد الأخرى ومنه الأخلاقي فهو يزيد بهدوء وتحت جنح
الظلام الظلم وينشر الفقر والتخلف ويقلب العادات والمواقف والإتجاهات
في المجتمع كما ينمي ويجذر التباين الطبقي فيبعد الناس اكثر فأكثر
وبسرعة كبيرة من المساواة في الأحوال الإجتماعية لأن عادات الناس تتهذب
وجهود التعديل والتهذيب يمكن ان تتفعل وتنجح كلما تساوت أحوالهم
الإجتماعية ورافقت جهود التعديل والتهذيب جهود مثمرة مرافقة على طريق
المساواة المذكورة وبالمفهوم غير العددي الصحيح الذي تمليه العدالة.
والى جانب كل ذلك فان الفسادالمالي في العراق وغيره بات مورداً هاماً
لتمويل الارهاب يقتل الأبرياء وينتهك الأعراض وينهب الأموال ويعرقل
الإعمار والبناء ويقوض الأمن المفقود الذي يبتعلع صرفاً يشكل اغلب
الميزانية والمساعدات المخصصة لبناء العراق وإعادة إعمارة... حقاً ان
الفساد المالي بات بات نوعاً من انواع اسلحة الدمار الشامل الواسعة
الإنتشاروالتي تستخدم بشكل مفرط مستهدفة شجرة الديمقراطية المباركة
التي يحرص ويعمل البعض لتحويلها الى شجرة يابسة تنتظر الموت او القطع
او القلع... اتصور لو كتب الفشل لجميع انواع الأسلحة الحديثة والقديمة
والمكشوفة وغير المكشوفة ذبح الديمقراطية العراقية الفتيه فان الفساد
المالي الكبير الرهيب المتفشي يمكن له ان ينجح... فالحذر كل الحذر من
الفساد المالي فانه شجرة خبيثة ملعونة تقلب كل شيء رأساً على عقب،
وهوالذي أسس لبداية تقهقر أمتنا وتمزقها وتخلفها وبدأت الرحلة الى
العذاب والتخلف بتجاوز القيم والمباديء الإقتصادية المحمدية المفعمة
بالعدالة والمساواة من جهة وإقامة إقتصاد احادي يعتمد على الفتوحات
وريعها الهائل السريع المفاجئ مهملا التجارة والزراعة والصناعة... ذلك
الريع إستقطب شرائح إجتماعية كثيرة نحو العسكرة والإنخراط في تلك
الفتوحات فلم يساعد على الإستقرار المدني في المجتمع، ومنح جنرالاتها
المزيد من القوة الكبيرة والمتمثلة بالمال الوفير الكبير فتحولت الى
طبقة شكلت ذراعا للطبقة السياسية التي فعلتها وبلورتها تلك الفتوحات
وتشكلت مع نشرالتمييز وتكريس وممارسة الفساد المالي بانواعه وعلى أعلى
المستويات الحكومية من جهة اخرى فتهيئت كلّ السُبل لمعاوية بن ابي
سفيان لإعلان الملكية الوراثية الفردية الشمولية وتنصيب ابنه يزيد
لإستكمال مصادرة السلطة وإحتكارها بإقامة نظام يفتقد الشرعية ولا يستند
الى اية مشروعية...
فلماذا نلوذ بالصمت عندما يجب أن نتكلم؟ ولماذا لا نتكلم بالأهم
منهمكين بالمهم وغير المهم؟ ولماذا جلد الأخر بدلا من جلد الذات بنقدها
واصلاحها طبعاً؟
معهد الإمام الشيرازي الدولي
للدراسات – واشنطن
http://www.siironline.org |