في الذكرى 58 للنكبة الفلسطينية.. حقائق ومعطيات

تطل علينا الذكرى الثامنة والخمسون للنكبة الفلسطينية التي تصادف الخامس عشر من أيار 2006، ويستذكر فيها كل الفلسطينيين في الداخل والخارج، المآسي والمفاجع التي حلت بهم نتيجة الترحيل القسري الذي أفقدهم أرضهم ووطنهم وولدهم، في العام 1948. ولم تبق ذكرى النكبة مجرد محطة من محطات مخزون القضية الفلسطينية، بل تشكل في أبعادها حلماً وأملاً طالما سعى كل فلسطيني لتحقيقه على أرض الواقع، في وقت حرم فيه أكثر من ثلثي الشعب الفلسطيني من ممارسة حقوقه وحرياته، وانتزع من أرضه عنوةً عنه، بهدف تثبيت المشروع الإسرائيلي التوطيني بإحلال الشعب اليهودي محل الشعب الفلسطيني، وإقامة الدولة العبرية التي جاء الإعلان عنها بمباركة من بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية وعدد كبير من دول العالم في آيار 1948.

ويؤكد تقرير صادر عن مركز المعلومات الوطني في الهيئة العامة للاستعلامات، تحت عنوان: "في الذكرى 58 للنكبة.. حقائق ومعطيات"، يؤكد أن الذكرى الثامنة والخمسون للنكبة والقضية الفلسطينية تحتل مركزاً هاماً بين القضايا العالمية، بل هي أم القضايا، خصوصاً في إطار ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من هجمة هي الأشرس في تاريخها، حيث المصادرات والنهب المتسارع للأراضي، والقتل والتدمير الهائل للبشر والشجر والحجر، وتدمير بيئي جائر، وواقع سياسي ضبابي يلقي بظلاله على مختلف النواحي الاجتماعية والاقتصادية للشعب الفلسطيني. ومن المناسب إلقاء الضوء على بعض الحقائق والمعطيات التي صاحبت سنوات النكبة، حول الأرض والسكان والحالة السياسية الفلسطينية.

ويذكر التقرير أنه في الخامس عشر من آيار (مايو) 1948، أعلن عن قيام دولة إسرائيل على 78% من مساحة فلسطين التاريخية البالغة 27 ألف كيلومتر مربع ، فيما بقي 22% من هذه المساحة ليخضع تحت الإدارة العربية. الضفة الغربية ومساحتها 5661 كيلومتر مربع خضعت للإدارة الأردنية، وقطاع غزة ومساحته 365 كيلومتر مربع وخضع للإدارة المصرية. إزاء ذلك، يشير التقرير إلى قيام إسرائيل وعلى الفور بتغيير معالم الأراضي الفلسطينية وخلق واقع جديد، حيث قامت بتدمير 421 قرية فلسطينية تدميراً تاماً، وإزالتها عن الوجود، بالإضافة إلى تغيير معالم المدن الفلسطينية القائمة مثل حيفا ويافا وعكا وغيرها. وقامت إسرائيل ببناء 362 مستعمرة على أنقاض القرى الفلسطينية المدمرة في الفترة من 1949 وحتى 1969م. وينوه التقرير إلى أنه في الخامس من يونيو (حزيران) 1967، شنت إسرائيل حرباً على 3 دول عربية، مصر، الأردن، سوريا، احتلت على إثرها الضفة الغربية وقطاع غزة، وبذلك تكون إسرائيل قد أكملت سيطرتها على كامل مساحة فلسطين التاريخية، بالإضافة إلى شبه جزيرة سيناء وهضبة الجولان السورية. وفي الفترة من عام 1967 وحتى نهاية عام 2003، قامت إسرائيل ببناء 342 موقعاً استعمارياً في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، منها 316 موقعاً في الضفة الغربية، و26 موقعاً في قطاع غزة، وحيث ضمت هذه المواقع 172 مستعمرة إسرائيلية رسمية، منها 155 مستعمرة في الضفة الغربية، و17 مستعمرة في قطاع غزة (تم إخلائها والمواقع الاستعمارية الأخرى يوم 12/9/2005، تطبيقاً للخطة الإسرائيلية أحادية الجانب لإخلاء المستعمرات الإسرائيلية في قطاع غزة). ويعتبر التقرير أنه منذ اللحظة الأولى لإعلان قيام دولة إسرائيل على أرض فلسطين، سارعت إسرائيل إلى تغيير الواقع الديمغرافي، حيث أجبرت نحو 900 ألف فلسطيني على مغادرة مدنهم وقراهم ليعيشوا لاجئين في البلاد العربية المجاورة، بعد ارتكاب العديد من المجازر والمذابح، بالإضافة إلى السيطرة بالقوة المسلحة على المنازل والمزارع والممتلكات. وفي نهاية آذار (مارس) عام 2005، بلغ عدد اللاجئين المسجلين لدى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) 4255120 لاجيء، وهذا يعني بأن عدد اللاجئين المسجلين قد تضاعف أكثر من 4 مرات ونصف خلال الثماني والخمسين عاماً التي تلت النكبة. ويتطرق التقرير إلى توزع جزء كبير من اللاجئين الفلسطينيين المسجلين على 59 مخيماً منتشر في كل من:

الأردن 10 مخيمات، أكبرها عدداً للسكان مخيم البقعة 68386 لاجيء، لبنان 12 مخيماً، أكبرها مخيم عين الحلوة 45004 لاجيء، سوريا 10 مخيمات أكبرها مخيم فبر الست 19475 لاجيء، الضفة الغربية 19 مخيماً أكبرها مخيم بلاطه 21903 لاجيء، قطاع غزة 8 مخيمات وأكبرها مخيم جباليا 106691 لاجيء، أما باقي اللاجئين فيعيشون خارج المخيمات. كما يوضح بأن عدد الفلسطينيين الذين لم يهاجروا من أرض فلسطين وخضعوا للحكم العسكري الإسرائيلي، بلغ حوالي 1200000 نسمة عام 2006، في حين كانوا نحو 15000 نسمة عام 1948، في حين كان عدد اليهود في فلسطين يوم إعلان قيام دولة إسرائيل في 15/5/1948 806 ألف يهودي، وازداد ليصل إلى 5639000 حتى يوم 2/5/2006، وهذا يعني أن عدد اليهود في فلسطين قد تضاعف 7 مرات عما كان عليه عام 1948.

هذا ويتطرق التقرير إلى جملة الاعتداءات المتكررة والمتصاعدة التي واصلتها قوات الاحتلال الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، سواء أكان في داخل الأراضي الفلسطينية أو في المنافي، عن طريق الاجتياحات كما حدث في لبنان أعوام 1978 و1982، أو بملاحقة المناضلين والقادة واغتيالهم، واستهداف كل مظاهر الحياة الفلسطينية من قتل للفلسطينيين أو اعتقالهم وتدمير للمنشآت أو تدمير وتجريف ومصادرة الأراضي أو نهب الموارد أو الإغلاق والحصار. كما يشير التقرير بالإضافة إلى عمليات التوغل وقتل الفلسطينيين وسلب أراضيهم وقراهم، يشير إلى عمليات الاعتقال التي مارستها قوات الاحتلال، حيث اعتقلت نحو 650 ألف فلسطيني من مختلف الأعمار، ومن الجنسين في الفترة الممتدة من العام 1967 وحتى نهاية أبريل/ نيسان عام 2006، منهم 9400 أسيراً ما زالوا يرزحون في سجون ومعتقلات الاحتلال. وبالنسبة للمنازل المدمرة، يتطرق التقرير إلى قيام قوات الاحتلال بتدمير عشرات الآلاف من منازل المواطنين الفلسطينيين، بلغ عددها خلال الفترة من 1987 وحتى 31/12/2005، (74120) منزلاً بين تدمير كلي وجزئي. وفيما يتصل بتجريف الأراضي الزراعية، قامت قوات الاحتلال الإسرائيلي بتجريف 76867 دونماً من أخصب الأراضي الزراعية في الضفة الغربية وقطاع غزة، في حين اقتلعت 1355290 شجرة، ودمرت 403 بئراً للمياه، خلال الفترة من 29/9/2000 وحتى 31/12/2005. وما ثبتته إسرائيل في خارطتها الجيوسياسية، هو قيامها ببناء جدار الفصل العنصري، الذي كثر الحديث عن اعتباره الحدود الدائمة والمستقبلية للدولة العبرية. ففي أعقاب عملية السور الواقي التي نفذتها الحكومة الإسرائيلية في الضفة الغربية يوم 28/3/2002، أعلنت إسرائيل عن عزمها لإنشاء مناطق عازلة بين الضفة الغربية وإسرائيل، وبالفعل أعدت الخطط ثم بدأت بتنفيذه في حزيران 2002، وما زالت هذه الخطط قيد التنفيذ حتى الآن، حيث شرعت بإنشاء منطقة عزل غربية، وذلك ببناء جدارا بطول 683 كيلومتر على طول حدود الضفة الغربية مع إسرائيل، ويتكون هذا الجدار من مجموعة من العوائق كالجدران الإسمنتية، والخنادق العميقة، والأسلاك الالكترونية المكهربة، وتبلغ مساحة هذه المنطقة 828 كيلومتر بنسبة 14.4% من مساحة الضفة الغربية، كما أنها تضم 98 مستعمرة إسرائيلية، و55 تجمعاً سكانياً فلسطينياً. وفيما يلي مراحل إنشاء جدار الفصل العنصري حتى ديسمبر 2005:

" مقاطع مبنية، بطول 244 كيلومتر، وتشكل 36% من طول الجدار.

" مقاطع مخطط بناؤها، بطول 323 كيلومتر، وتشكل 47% من طول الجدار.

" مقاطع في طور البناء، بطول 116 كيلومتر، وتشكل 17% من طول الجدار.

وحسب التقرير، ستشرع إسرائيل بإقامة منطقة عزل شرقية، تضم مساحة قدرها 1664 كيلومتر من مساحة الضفة الغربية، تضم 43 مستعمرة إسرائيلية، 42 تجمعاً سكانياً فلسطينياً.

ويوضح التقرير الموسع حول النكبة الثامنة والخمسون، أنه منذ الخامس عشر من آيار 1948، بدأت قضية فلسطين تأخذ مكانها بين القضايا الأهم في العالم، حيث تناولتها المنظمات الدولية والإقليمية ووضعتها على جداول أعمالها، وذلك تحت وطأة معاناة مئات الآلاف من اللاجئين الذين أجبروا على مغادرة أرضهم. فعلى صعيد هيئة الأمم المتحدة، أصدرت طوال الفترة الماضية 846 قراراً يتعلق بالفلسطينيين وقضيتهم، أهمها وأبرزها قرار رقم 181 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 29/11/1947، والخاص بالتقسيم، والقرار رقم 194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 21/12/1948 والخاص بحق العودة للاجئين، والقرار رقم 242 الصادر عن مجلس الأمن الدولي بتاريخ 22/11/1967 والخاص بانسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي العربية التي احتلتها في حرب عام 1967، والقرار رقم 338 الصادر عن مجلس الأمن الدولي بتاريخ 22/10/1973 والخاص بأوضاع الشرق الأوسط بعد حرب أكتوبر عام 1973.

وعلى صعيد المنظمات الإقليمية مثل الجامعة العربية، دول عدم الانحياز، أشار التقرير أن تلك المنظمات تناولت مؤتمراتها القضية الفلسطينية، في حين أصدرت بشأنها قرارات عديدة، حيث كانت جميعها تؤكد على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، ودعوة إسرائيل إلى الكف عن اعتداءاتها على الشعب الفلسطيني، والمطالبة بانسحاب قوات الاحتلال من الأراضي العربية التي احتلتها، كما دعت إلى الدعم المادي والسياسي للشعب الفلسطيني، وأكدت على حق العودة اللاجئين الفلسطينيين لأرضهم، وإدانة جميع الممارسات الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني وأرضه. ويستعرض التقرير عدداً كبيراً من الأحداث التي حصلت خلال الثمان والخمسين عاماً الماضية من عمر النكبة، حيث شهدت النكبة الفلسطينية إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية التي أصبحت الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وقد أنشئت عام 1964، وتولت قيادة العمل السياسي الفلسطيني، بالإضافة إلى المقاومة المسلحة للاحتلال الإسرائيلي على أرض فلسطين. وفي المقابل، يوضح التقرير أن إسرائيل شنت خلال تلك الفترة، العديد من الحروب، منها حرب عام 1956 على مصر وقطاع غزة، سقط فيها مئات الشهداء من أبناء مصر وفلسطين، وكان من نتائجها احتلال إسرائيل لقطاع غزة وسيناء، وما لبثت أن أجبرت إسرائيل على الانسحاب نتيجة أعمال المقاومة والضغوط الدولية والإقليمية عليها. وحرب عام 1967، والتي كان من نتائجها استكمال إسرائيل لاحتلالها كامل فلسطين التاريخية بعد أن احتلت قطاع غزة والضفة الغربية، كما أنها احتلت شبه جزيرة سيناء وهضبة الجولان السورية. أضف إلى ذلك حرب أكتوبر عام 1973، حيث شاركت فيها مصر وسوريا بالإضافة إلى قوات جيش التحرير الفلسطيني جنباً إلى جنب مع الجيش المصري والجيش السوري، والتي أسفرت عن انسحاب إسرائيل من شبه جزيرة سيناء، بعد توقيع اتفاقية السلام المصرية- الإسرائيلية في كامب ديفيد عام 1978. ناهيك عن الاجتياحات المتكررة للجنوب اللبناني في أعوام 1978، 1982، واحتلال إسرائيل للجنوب لمدة 20 عاماً. وكان من أبرز تداعيات هذه الاجتياحات مجزرة صبرا وشاتيلا، وخروج المقاومة الفلسطينية من لبنان.

وعلى صعيد مبادرات ومشاريع التسوية خلال أعوام النكبة، يتطرق التقرير إلى العديد منها، والتي كان أهمها مبادرة الأمير فهد بن عبد العزيز التي تحولت إلى مشروع عربي في قمة فاس، ثم مؤتمر مدريد للسلام 1990، والمبادرة العربية في قمة بيروت عام 2002 ، وأخيراً خطة "خارطة الطريق" عام 2003. كما شهدت هذه الفترة نشوء السلطة الوطنية الفلسطينية كنتيجة لتوقيع اتفاقيات السلام الإسرائيلية- الفلسطينية عام 1993، وما أعقبها من اتفاقيات وبروتوكولات. وشهدت هذه الفترة أيضاً انطلاقة الثورة الفلسطينية في الأول من يناير عام 1965 بقيادة القائد الشهيد الراحل ياسر عرفات، كما شهدت انطلاقة انتفاضتين فلسطينيتين جعلتا القضية الفلسطينية على رأس القضايا السياسية في العالم وهما:

" الانتفاضة الأولى ما بين 1987 حتى 1994.

" انتفاضة الأقصى التي اندلعت يوم 29/9/2000 وما زالت قائمة إلى يومنا هذا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 13/ايار/2006 -14/ربيع الثاني/1427