مشاكسات الرقم الفردي

علي حسين عبيد

  حدثني أحد أصدقائي وهو معروف في المدينة –لأنه أحد أعضاء المنتخب الكروي للمحافظة- عن حكاية حدثت له آلمتني وأضحكت آخرين لأنها تقع فعلا في خانة المضحك المبكي وقبل أن أسردها لكم بودي أن أتحدث قليلا عن الرقم (3) وما يشكله من أهمية في حياتنا من حيث ترميزه وأسطرته للغيبيات التي يؤمن بها الإنسان منذ أن تلقفته أحضان الأرض واحتوته بصدرها الحنون تعبيرا عن عجزه التام في تفسير الكون وموجوداته الملغزة.

 فنحن نسمع مثلا ومنذ أمد بعيد بالثلاثي المقدس الذي لايجوز لنا او لغيرنا أن يتطاول على حدوده، كما اننا سمعنا من أهلنا وربما جربنا بأنفسنا بأن(قِدر المطبخ) لايستقر إلاّ على ثلاثة، ويتفق الانسان على ان سر كينونته يقوم على ثلاثة هي ( الروح والعقل والجسد) وثمة ايضا بقايا ثلاثي أضواء المسرح!!! وهم يتوسدون الذاكرة الشعبية منذ سبعينيات القرن الماضي وحتى الآن ولسنا بحاجة الى سرد ماورد في الأساطير الإغريقية والفرعونية والبابلية وغيرها عن هذا الرقم الذي ينطوي على حظوة كبيرة كما يبدو في الواقع او الأساطير على حد سواء.

   وإليكم حكاية صديقي الذي كان ولا يزال وربما سيبقى يتطير من الرقم (3)، يقول هذا الصديق انه يملك سيارة صغيرة تحمل لوحاتها رقما فرديا يبدأ بالرقم الذي لايستسيغه أبدا كما يردد دائما وقد فُرضت هذه السيارة فرضا عليه من لدن أهله لاسيما انه لم يدفع من ثمنها الخرافي (نقداً) دينارا واحدا حيث حمّلوها اهله ثمنا اضافيا فوق ثمنها الأصلي على ان يعيده اليهم بالتقسيط المزعج جدا بعد ان كبلوه بكمبيالات لاترحم ولاتسمح له بالتنصل ومع انه وافق على كل الشروط إلاّ انه تعرض منذ اللحظة الأولى لأمتلاكها لكثير من المتاعب.

 وفي اول يوم جلس فيه خلف مقودها بدأت محنته مع البنزين وبدأ يكيل المدح لمن هم أولى به حيث أصبحت هذه المادة حلما من احلام الناس وخاصة اصحاب سيارات الأجرة وتضاعف سعر اللتر الواحد عشرات المرات وأخيرا إنقطع الوقود تماما لأيام متتالية، ولأنه احد سائقي سيارات الأجرة وعليه تسديد الكمبيالات الشهرية في وقتها المحدد فقد استقتل من اجل الحصول على البنزين بكل الطرق والوسائل المشروعة منها وغير المشروعة وقد سرني قائلا بأنه ارسل خطابا الى كبير القوم يشرح فيه الأسباب التي تحتم حصوله على البنزين وناشده فيها على ان ينظر اليه كحالة طارئة لاتنطبق عليها القوانين السارية او شريعة الغاب التي تعصف بخلق الله غير ان الجميع أعطوه (الأذن الطرشة) كما قال إلاّ انه عاد وعزى سبب معاناته هذه الى الرقم (3)الذي يبغضه حد الكره الشديد، وأضاف يقول:

 ما ان علمت بوصول البنزين حتى هرعت الى المحطة وانتظمت في الطابور الذي نجهل بدايته ونهايته وأمضيت ساعات النهار والليل بطوله في الطابور وفي صباح اليوم الجديد رفضوا تزويدي بالبنزين لأن الرقم الذي تحمله لوحة سيارتي فرديا واليوم مخصص لأرقام الزوجي فقط وعندما حاججتهم بأنني أمكث في الطابور منذ امس الذي كان مخصصا للفردي رفضوا حجتي وعاونهم في ذلك عامة الناس ومضى اليوم الأول هباءً وعدت الى نهاية الطابور اللاّمرئية ووصلت المحطة في صباح اليوم التالي ولم احصل على حصتي أيضا وهذه المرة ليس بسبب الرقم بل لأن البنزين قد نفذ كما قال القائمون على توزيعه وعدت في اليوم (الثالث) الى الطابور بعزيمة اقوى ونشاط عجيب برغم انني امقت هذا الرقم وخمنت مسبقا بأنني سوف أحصل على ضالتي لكن في اول الليل أقفلت المحطة أبوابها كالعادة بحجة أمن الناس والحفاظ على حياتهم الثمينة!! ومع ذلك بدت لي محطة الأحلام قريبة فليس امامي سوى عشرين سيارة وما هي إلاّ ساعات ليلة واحدة سأقضيها تحت سماء صافية وقمر ساطع وأصل الى فوهة خرطوم التعبئة وأشرب منه حتى أرتوي،رافقتني السجائر ونادمتُ النجوم طويلا ثم نمت في سيارتي مستأنسا بحلم اللقاء مع البنزين،هذا اللقاء الذي لم يتحقق بسبب الرقم(3) حسبما أعتقد،حيث تبين لي مرة أخرى بأن الدور لأرقام الزوجي، الى هنا انتهت الحكاية.

الآن نتساءل ببراءة الأطفال من الذي حول هذا الرقم الى عدو لدود لشاب في مقتبل العمر لايبغي سوى الحصول على حفنة بنزين في بلد يطفو بل يغرق في بحر من النفط ، انه تساؤل ليس إلاّ…؟!!

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 11/ايار/2006 -12/ربيع الثاني/1427