من أهم المشاكل التي تعاني منها الدول النامية اليوم في ظل
المعادلات الدولية الراهنة هي عدم القدرة على إتخاذ الستراتيجيات
القومية المناسبة لها على جميع المستويات بشكل عام وعلى المستوى الدولي
بشكل خاص و بالتالي عدم القدرة على التعامل مع المعطيات الدولية
ومواجهة التحديات التي تهدد مستقبلها وأمنها القومي.
إن إنعدام السياسات المستقرة المتوازية المنسجمة المرنة والثابتة
نسبياً تسبب في إفراز نتائج سلبية تدفع للـتأرجح فالترنح بين السياسات
الإفراطية والسياسيات التفريطية كفعل ورد فعل، فعل يتسم بالإفراط
نتيجته الفشل فنتبعه برد فعل غارق في التفريط بقصد معالجة الفشل السابق
فلا نحصد الا الفشل مرة اخرى،هذا هو حال الإفراط والتفريط دائما فهما
وجهان لعملة واحدة أسمها الفشل والإنسداد والعجز.
هل هناك من تفسير اخر للعجز المشهود في مجالات التنمية الإجتماعية
والسياسية والإقتصادية ؟
لنتكلم عن الستراتيجية السياسية:
حتى نهايات القرن الثامن عشر كانت الستراتيجية عبارة عن مجموعة من
الخدع الحربية التي كان يستخدمها جنرالات الحرب كوسيلة لخداع العدو في
ميادين الحرب. لكن اليوم:" الستراتيجية عبارة عن فن تنظيم الموارد
والإمكانات والوسائل لإستعمالها بفاعلية في تحقيق الأهداف.
ما هو الهدف في الستراتيجية السياسية ؟
البعض يلخص الهدف في:
"تسيير المصالح الحيوية وحفظها في مواجهة المنافسين والأعداء
الحاليين والمحتملين الذين لديهم القدرة الذاتية كي يصبحوا منافسين
اوأعداءأ مستقبليين."
طبعاً المعاييرالمتقدمة تنتقد و تناقش في إطار السياسية الدولية
الراهنة من زوايا مختلفة لكنا لسنا بصدد ذلك حاليا.
وفقا للتعريف المذكور يمكن تفسير مصطلح الستراتيجية القومية والتي
عبارة عن الإستعمال الفاعل المدروس للوسائل والإمكانات و الموارد
السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية والعسكرية للدولة لتأمين
أعلى درجة من الحماية للسياسات القومية.
يقول أندرة بوفلر كاتب كتاب "مقدمة على الستراتيجية":
" إن الستراتيجية هي الطريقة الوحيدة التي يمكن الإعتماد عليها في
إتخاذ قرارات تتعلق بالمصلحة القومية.
كثيراً ما يطلق البعض الستراتيجية السياسية للتعبير عن الإتجاه الذي
تتخذه الدولة كمؤسسة أو بالأحرى النظام السياسي بالنسبة للمحيط الخارجي
و طرقه للتعامل مع الضغوط والتهديدات الخارجية.
المحلل الإستراتيجي هاست يقترح أربع إتجاهات أساسية للستراتيجية
السياسية:
1- الإتجاه الإنعزالي
2- الإتجاه المحايد
3- الإتجاه إلى عدم الإنحياز
4- الإئتلاف أوالتحالف
لكن هناك عاملان يؤثران على الستراتيجية والإتجاه الذي سيختاره كل
نظام سياسي:
أولاً: أهداف النظام.
وثانياً: المعطيات الخارجية والتي تتعلق بالمحيط الدولي.
لكن مع العولمة ودورالشركات العملاقة المتعددة الجنسيات والعابرة
للقارات والتطورات التي طرأت مؤخراً على الساحة السياسية الدولية أصبح
التأثر بالبعد الخارجي يحتل مساحة اكبر وبالتالي محاولة التأثير فيه
تستحوذ على إهتمام اكثر ولاسيما مع تنامي تداخل وتشابك وتعدد وتعارض
المصالح... لقد تعقدت العملية وتغيرت قوانين اللعبة، وهذا ما يجهله او
يتجاهله البعض متشبثا بما أصبح في خبر كان منكرا وجود مساحات رحبة لكن
صعبة ومعقدة لخلق المصالح المتبادلة مرددا حتمية الإنتقال الى عصر
إستيلاء الكبار على الصغار.
انه تصوير خطير يبعث اما على الإستسلام المخجل لكابوس لايحقق إلا
حلم الكباراويدفع الى الإنجرارنحو مواجهة خاسرة، وكيف لا يُهزم منْ
يغلق ابواب بيته على نفسه ليغرق في الكوابيس اوالأحلام بالنصر وهو
يفتقد ستراتيجية في الإطار المتقدم ويختزل القوة والإقتدار في القوة
العسكرية فقط وفقط ؟!
لنناقش القضية بشكل منطقي وبطرح السؤال التالي:
ماهي الستراتيجية السياسية المناسبة التي يمكن أن يتخذها النظام
السياسي ؟
و طبعاً الحل في المسائل المنطقية يبنى على أساس مفروضات تتقسم إلى
قسمين:
1- الفرضيات الداخلية
2- الفرضيات الخارجية(الدولية)
فلنبدأ من الفرضيات الدولية أوالخارجية.
يجب أن نقبل بأنه قد انتهى ذلك العصرالذي كانت توضع الستراتيجيات
على أساس الرهان على الدول الأخرى أوالقطب الأخر فالمصالح المتبادلة قد
أدت إلى تغيير جذري في مجال العلاقات السياسية بين الدول. وان الثنائية
القطبية هي ايضا غير موجودة حاليا وان حقبة الحرب الباردة قد انتهت
اوتغيرت قواعدها جذريا، هذه هي الفرضية الأولى التي لا مناص من قبولها
عند رسم الستراتيجية السياسية.
اما الفرضية الثانية فتتعلق بالسياسة الداخلية وقدراتها في الدفاع
عن الستراتيجية السياسية واعني ما يتعلق بها من رؤية وتقييم وقراءة
وإستشراف في بناء الستراتيجية السياسية. لأن أهم ركائز وضع الستراتيجية
السياسية هي القدرات الداخلية والتي يمكن ان تحدد القدرة على المناورة
في الساحة الدولية.
فلابد من الإحاطة بالأوضاع الداخلية والقدرات الداخلية بالمطالعة
الواقعية المعمقة والشاملة للأوضاع الداخلية.
الدراسات حول الأوضاع الداخلية ومعالجتها لتقييم القوة الداخلية
وتطويرها كثيرة لكن غير مجدية في بلداننا !!... لماذا ؟
لذلك اسباب منها :
1- عند قراءة ودراسة الداخل نقع فريسة الإنتقائية اوالإسقاطية في
رؤية الإمورعلى الأرض فلا نرى إلا مانحب ان نراه، ولا نرى ما نكره ان
نراه على الأرض، إضافة الى النظر للأمور من نافذة المثاليات و الفرضيات
المسبقة أو كما يعبر عنه هاست:
" أن الأفراد يتعرضون إلى قذف معلوماتي من المحيط بشكل دائم لكن في
كثير من الأوقات يرى هؤلاء ذلك القسم من المعلومات التي تنطبق على
تصوراتهم المسبقة والمثالية".
و ثم يستنتج أن العوامل المادية والنفسية والإطارالضيق لمعالجة
الأمور و القضايا هو الذي قد يؤدي إلى تحريف المعلومات أوروؤيتها كما
يحلو لنا.
لكن ومع الأسف أن بعض صناع القرار وواضعي الستراتيجيات والمحلليين
الستراتيجيين يعانون من ذلك.
2- الوقوع في التعريف الأحادي الذي يختزل القوة في القوة العسكرية
متجاهلا القوة السياسية والإقتصادية والإعلامية والثقافية والتكنولوجية
والنفسية والإجتماعية والدينية والفكرية.
3- الإنغماس في الخطط الستاتيكية الأحادية الثابتة الجامدة عند
محاولة معالجة الأوضاع الداخلية لجعلها اكثر قوة وإقتدارا على الأقل
لتدعيم الإقتدار على المناورة والدفاع عن المصالح القومية في
الستراتيجية السياسية للدخول الى الساحة الدولية.
وبإختصارأصبحت القدرة على اللعب في الساحة الدولية تتطلب دينامكية
كافية مستندة الى قوة داخلية متنامية بإستمرار وبالمفهوم الشامل للقوة
الذي لايختزل القوة في القوة العسكرية فقط.
معهد الإمام الشيرازي الدولي
للدراسات – واشنطن
http://www.siironline.org |