الديكتاتور العراقي.. والعراقي الديكتاتور

محمد الوادي

لايختلف الكثيرين على منح الصنم الساقط لقب " الديكتتاتور العراقي " وقد اصبح معرف من خلال هذا العنوان بحيث لايحتاج المتحدث او الكاتب بعد ذلك الى الاستعانة بالاسم فيكتفي فقط بهذا اللقب المعيب والذي يحمل ويتحمل بين طياته الكثير من معاني وتفسيرات السوء السياسي والاجتماعي والانساني على حد سواء.

لكن النظرة الى  الديكتاتورية كظاهرة جديدة او غير مسبوقة في المجتمع او التاريخ السياسي العراقي والعربي سيكون فيها نوع من عدم الانصاف التاريخي وايضآ نوعآ من الهزيمة التي لايريد البعض دفع استحقاقاتها، وهذا بحد ذاته كارثة اضافية ستحمل الشعب العراقي تكاليف اضافية في اقرب فرصة سانحة، وايضآ سيكون مثل هذا التجنب للتاشير على اسباب صناعة الديكتاتورية، أرض خصبة ومناسبة أن تنشأ ديكتاتوريات جديدة في العراق وحتى اذا لم تكن بنفس القوة والدرجة التي كان يمارسها الصنم الساقط. وذلك لاسباب كثيرة وواضحة في مقدمتها الوضع الجديد في العراق الذي لايسمح لشخص واحد ان يكون صنم جديد، لكنه بكل تاكيد يسمح ويساعد على صناعة اصنام جديدة كلآ يمارس سطوته الديكتاتورية حسب المجال المتاح امامه والذي يقدر على الحركة فيه. وبالضبط هذا مايحدث في عراق اليوم على الرغم من وجود أليات ديمقراطية معتمدة في البلد لكن ذلك لايعني اطلاقآ ان الممارسة والنتيجة بالضرورة على نفس الخط من الديمقراطية الحقيقية. واذا كان لابد من التعمق في هذا الجانب فيجب الاشارة هنا الى أن صدام لم يولد وهو يحمل صفات الديكتاتورية السيئة بل قد تكون تربيته وتكوينه الاجتماعي احد الاسباب لكن ليس أهمها، بل أن الاهم في هذه الصناعة العراقية البائسة هو المجتمع العراقي الذي بقدر مايحمل بين جنباته من عوامل وصفات خير وكرم وأصول واحترام بذات يحمل ايضآ كل صفات الصناعة الديكتتاتورية وبجدارة ووضوح لايمكن المزايدة او الالتفاف عليها على الاقل عند الناس المنصفين والواعين الذين يعملون جاهدين لتغير وردم اسباب هذه الصناعة التي أمدت بعمر حكم الديكتاتور الى اكثر من ثلاث عقود متتالية وكان الحل المباشر في النهاية على يد القوات الاجنبية وليس على يد ابناء الشعب العراقي الكريم الذين انحصرت مساهمتهم فقط بالتشفي والتفرج على سقوط النظام ورموزه التي لاتقل سوءا وخسة عنه.

 الذي اريد ان الوصول اليه أن المجتمع العراقي كان دومآ ارض صالحة لبذرة الديكتاتورية وهو يتحمل الجزء الاساسي والجوهري في هذا الموضوع ومن يرى عكس ذلك عليه فقط التجرد من الافكار و الاصطفافات المسبقة ومراقبة حال العراق اليوم وبالذات الاحزاب والكتل السياسية وستكون المفارقة الاكبر عندما يكتشف المراقب أن منظمات العمل المدني والكثير من وسائل الاعلام وجمعيات الثقافة واخرى من جمعيات الصداقة وماشابه من التسميات الاخرى في العراق الجديد تشترك جمعيها بصفة الديكتاتورية حيث الصعود لرئاسة الاحزاب والجمعيات ياتي بدون جدارة وبدون ممارسة ديمقراطية حقيقية لا بل احيان كثيرة تأتي بالالتفاف حول اساليب الديمقراطية او بالابتزاز الصارخ وقد تصل الامور بدفع الرشوة او بالتحالفات السيئة والمعيبة على حساب الكفاءة والاستحقاق الفعلي وذلك لضمان مركز الصدارة في مجالات العمل هذه كلها دون استثناء،و طالما كان هولاء هم عراقيين اذن هم جزء اساسي من هذا المجتمع وهذا يقودنا الى البحث عن الاسباب الجوهرية لتكون هذه الصناعة العراقية المميزة.

وقد يحتاج الامر في حالة العلاج الى " علماء اجتماع وايضا الى اطباء نفسيين " مخلصين لعملهم واوكد على جانب الاخلاص لاني وبحكم عملي و الممارسة والاحتكاك اليومي وجدت ان هذه الامراض قد وصلت للفئتين اعلاه وبشكل يدق ناقوس الخطر لمجتمع عانى الويلات والموت الجماعي والان بدأ يعاني من امراض اخرى جديدة ومن ديكتاتوريات جماعية وليس فردية، لكن في النهاية يكون الفرد المعني هو اساسها وجوهرها.

قد يحتاج بعض العراقيين الى مزيد من الوقت حتى يكتشف هذه الاصنام الجماعية الجديدة، لكن بالتأكيد يجب ان لاتكون المعالجة المناسبة تنتظر انجاز الامور او وصولها الى مرحلة اللا نهاية حتى تتحرك.

 وهنا يبرز دور المثقف العراقي الحقيقي وبطبيعة الحال هذا الوصف لايشمل اشباه المثقفين او منظمة مثقفي السلطة التي بدأ البناء فيها بشكل علني ومعيب من خلال دفع " الرشاوي " التي تسمى رواتب المثقفين في العراقي وهذا بالضبط ماكان يفعله الصنم الساقط في محاولة منه لشراء الذمم والضمائر والاقلام الشريفة والنزيهة لهذه الفئة الطليعة في المجتمع العراقي. المثقف والاعلامي جزء من المجتمع العراق ومثل هذه الاستثناء في دفع الاموال اليه يجعله رهن اشارة الدافع لمبالغ الرشوة هذه وهذا معناه نوع من الاستثناء قد يشمل فيه غدآ مثل ضباط الجيش والشرطة بدفع حوافز مادية لهم لاينص عليها القانون وقد يصنع لها قانون خاص !! وبالتالي هذا يقودنا الى تمايزات داخل الشعب العراقي وهذا ايضا بالضبط ما كان الصنم يتفنن به ولكنه لم يشفع له يوم  دخلت الدبابات الامريكية لانه لم يكن يربطه مع هذه الفئات التزام أدبي او اخلاقي او وطني، بل كانت عصابة تقتسم خيرات العراقيين بينما اهل هذا الخير الحقيقيين محرومين منه ونسائهم تفترش الساحة الهاشمية في عمان ورصيف السيدة زينب في سوريا لتبيع السكائر !! وفئة اخرى من هذه النساء تبيع القيمر والشاي في كراج علاوي الحلة وكراج النهضة !! لهولاء كل الاحترام والتقدير اما للصنم ومن يقلده الان في اسلوبه الرخيص لااحترام ولا تقدير. ومع العلم لا ذاك الصنم ولاهذه الاصنام تدفع من جيوبها الخاصة ولا من ورث أهلهم وعوائلهم. هذه خيرات العراقيين ومن يريد أن يكون كريمآ فليوزعها بالانصاف والصدق وبدون استثناءات ومن يستحق هذا الاستثناء فعلآ هم اولاد وامهات وزوجات وعوائل ابناء المقابر الجماعية والشهداء الذين قارعوا النظام حتى اخر نفس.

 اما غير ذلك فستتحول بغداد وكما كان ينادي الدكتور علي الوردي " الى عاصمة الجلاوزة " وهذا الوصف للسياسين على وجوه الخصوص ويستثنى من ذلك فقط الخيرين الوطنيين الذين هم يعرفون أنفسهم واعمالهم اكثر من غيرهم بعد الله سبحانه وتعالى. لقد وقفنا مع العملية السياسية الجديدة ودعمناها ودفعنآ  لذلك الكثير من الاثمان التي ليس هنا المكان لجردها. لكن لايظن احد اننا قد نجامل فيما يخص العراقيين ومصالحهم وحياتهم التي أصبحت ارخص الاشياء في عراق اليوم وما اشبهه بعراق الامس. نحن لست من وعاظ السلاطين ولامن الذين ينتظرون فتات الولائم ولا فضلات قصعهم. نحن معكم في الحق وعليكم في الباطل. اقتلوا روح ونفس الديكتاتورية الجماعية التي تحيط بكم. احدهم سياسي عراقي وهو أخ احترمه اتصل امس من بغداد لينقل لي العتب من آخرين بنفس المركب معه على مقالتي الاخيرة بخصوص شيخ المدربين عمو بابا وكان جل تركيزه لأكثر من نصف ساعة لكوني اشرت الى اقرباء البعض الذين يسكنون في عمان فقط، لكنه لم يذكر لي شيئآ عن موضوع المقالة عمو بابا واحواله الصحية والاجتماعية السيئة لامن بعيد ولامن قريب، رغم قربه من مركز القرار. وهذه هي الكارثة الحقيقة في العراق، لذلك انا اليوم اضيف هذه المقالة  الى تلك المقالة واني لااطلب لنفسي شيئآ ولاانتظر وظيفة او منصب  ولااحمل حقدآ شخصيآ على احد أنا اتكلم بوحي عراقيتي لااكثر ومن يزعله ذلك مني فليدخل في منظمة العراقي الديكتاتور خاصة مع شوارع بغداد التي تزرع كل يوم بعشرات الجثث المرمية في الطرق على ايدي الارهابين الذين يعثيون بالعاصمة نهارآ وليلآ. وستبقى عيون وافئدة وصرخات الثكالى والارامل واليتامى وابناء المقابر الجماعية مثل ام القزويني  واولادها الثلاثة التي لاتعرف مصيرهم حتى هذه اللحظة ومن سنيين طويلة  صديق وحبيب الدكتور العكايشي  وحدود الورد تلك التي لاتنتهي وتستوطن الضمير لتلاحقهم في حياتهم ومماتهم... وهنيئا لهم منظمة العراقي الديكتاتوري. وليدة الديكتاتور العراقي. 

al-wadi@hotmail.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد  7/ايار/2006 -8/ربيع الثاني/1427