عمو بابا، ابو سامي، شيخ المدربين، تاريخ الكرة العراقية، مكتشف
النجوم، ومروض المغرورين، ومدرب كل المدربين. انه أبن العراق البار
الذي يستحق كل هذه الالقاب الرياضية دون اغفال الالقاب الانسانية
الرائعة التي يتمتع بها هذا البطل الانسان العراقي الحقيقي ابن بغداد
واشور وبابل دون منازع او منافس او ادنى مزايدة.
في شبابه تاريخ طويل من المستوى الفني الرائع وفي اعتزاله اللعب
واستلامه تدريب الاندية ومنتخبات العراق الكروية كان رمز من رموز الخلق
والوطنية والغيرة العراقية الاصيلة، ليس هناك من كاس او مدالية في
خزائن اتحاد كرة القدم الاوكانت بصمته فيها واضحة مثل وضوح الشمس
المشرقة. وليس هناك من لاعب موهوب او بارز في العراق الا وكان لابو
سامي له الفضل الكبير في ابراز هذه الموهبة وتقديمها الى الجمهور
وتوجيهها في خدمة ورفعة العراق، كانت دول الخليج تاتي بارقى المدربين
ومن احسن المدارس الكروية العالمية المعروفة وتصرف عليهم ملايين
الدولارات، مثل ايفرستو وكاروس البرتو وامثالهم الكثيرين لالشيء سوى
لتحقيق أمنية جماهير هذه الدول في هزيمة منتخب العراق.
لكن ابو سامي كان يذهب بدماثة اخلاقة وبثقته العالية بنفسه
وامكانياته ويخوض البطولات في عقر دارهم ويهزمهم ولايرجع الى بغداد الا
وكأس البطولة بيده، ويضيف بعد ذلك بطولة كاس فلسطين وثم بطولة العرب
وبطولة مرديكا وكأس اسيا
ويترشح الى الاولمبياد، وهكذا عمو اينما حل جاء معه الفوز والظفر.
وفي تدريبه للاندية العراقية كان بنفس المستوى الرائع الذي يقلب كل
توقعات ومعادلات الدوري العراقي لكرة القدم. ومن المفارقات المشهودة
انه كان ياتي صباح كل يوم الى ملعب النادي ليراقب أرضية الملعب ويرتبها
نحو الاحسن وايضآ يقوم بسقيها بالماء بيده، رغم الطريقة البدائية
البسيطة للسقي التي كانت في العراق ذلك الوقت والتي تستنزف الجهد
والوقت لكنه كان يصر على ذلك بكل تواضع وأدب وحرص وغيرة قل نظيرها بل
لا اكشف سرآ اذا قلت انه كان يلاحظ كل نواقص الملعب وبشكل يثير الاعجاب
والدهشة عند الذين لايعرفون ابو سامي عن قرب. رغم ان كل هذه الاعمال
ليس من اختصاصه. وستكون الدهشة اكثر عندما يكتشف العراقيين ان أغلب
انجازات الكابتن عمو بابا مع المنتخب وبعض الاندية كانت مجانية دون أجر
مادي او راتب شهري !! ويضيف الى ذلك مدرسة لتعليم الصغار الموهبين
اصول الكرة وقواعدها الصحيحة وايضآ مجانآ. وكان جزاءه امام خدماته هذه
دائمآ ينتظره في المطار مع اي اخفاق كروي متوقع يقف جلاوزة النظام
البرابرة حماية المجرم المقبور عدي بن صدام عند سلم الطائرة ليسحبوه من
" ياخة " قميصه مع الضرب والشتائم القذرة التي تليق بهم وبمحيطهم
النتن. وكل ذلك كان يجري امام أعين المسافرين لكن مع حبهم الكبير له
وأزدراهم العتيد من هذه النماذج الدخيلة على العراق واخلاق العراقيين.
وعندما كان البعض يتمتع بفلوس وسيارات عدي، ويتكلم ويامر باسم عدي
ويرفع المسدسات وسط الملاعب ويرمي الاطلاقات على الجمهور وهو مجرد لاعب
او مدرب لااكثر ، كما حدث في ملعب الميناء في البصرة وفي ملعب الرمادي
وملعب سامراء وملعب الكشافة، في ذلك الوقت العصيب من تاريخ العراق كان
ابو سامي يتحدى الطاغوت ابن الطاغوت ويرفض امام ستين الف متفرج في ملعب
الشعب وسط بغداد ان يصعد الى المنصة لاستلام مدالية الفوز من يد عدي بن
صدام. اهل المسدسات والذين كان يطلق عليهم في الوسط الرياضي " مدللي
عدي " الان هم في الواجهة الرياضية واحدهم تسلل الى البرلمان العراقي
الجديد، ومرشح ان يكون وزيرآ للرياضة في حكومة السيد المالكي وفي
العراق الجديد.
اما ابن العراق الحقيقي عمو بابا فانه يرقد في مستشفى متواضع في
عمان لتبتر اصابعه بسبب مرض السكر ي وهو يتسول مبلغ علاجه كما صرح
بنفسه الى صحيفة الشرق الاوسط، اما في أحسن مناطق عمان وارقى فنادقها
فيسكن بها السادة والسيدات اقرباء وابناء بعض الوزراء والمسؤولين الجدد
في العراق اضافة الى السادة عوائل قادة النظام الساقط، ولايجمع الفئتين
في سكنهم في عمان حبهم للقرب من العراق، ولكن يجمع الفئتين سلبهم
وسرقهم للعراق انها بالضبط عصابات ومافيا السرقة والنهب ماقبل تسعة
نيسان 2003 ومابعد تسعة نيسان 2003. هولاء الذين امتلئت كروشهم النشاز
باموال العراقيين وخيراتهم، حتى كأن الناظر الى بطونهم كانها براميل
متحركة من دماء ابناء الشعب العراق ومأسيه التي لاتنتهي، ولن تنتهي
الابنهاية هذه عصابات النهب والسرق الموجودة في بغداد والتي تسمي نفسها
حكومة !!وحتى لانكون من اصحاب تعميم السؤ، سنقول باستثناء عدد ضئيل جدآ
لا يصل الى اصابع اليد الواحدة. فهنيئآ للعراقيين بهذه الشفافية وهذه
النزاهة.
وهذه المفوضيات التي لها بداية وليس لها نهاية الا في بنوك و شوارع
ومدن أوربا التي اصبحت شاهد لايقبل التاويل والشك على كفر هولاء "
المسؤولين " الجدد في العراق الذين اشتروا البيوت الكبيرة والعمارات
العالية والسيارات الفارهة وسط احسن الاحياء الاوربية في الوقت التي
تشير فيه الاحصائيات الى ان حوالي سبعة ملايين عراقي يعيش تحت خط
الفقر. الا لعنة اللة على الكافرين حتى لو كانوا " متوضئين الايدي "
كما ادعى احدهم في احدى البرامج التلفزيونية !! لان هذا الوضوء حسب
عقيدتي كان بدماء والآلآم الابرياء وبصرخات ووجع المساكين العراقيين
وبحسرات أمهات وابناء الشهداء وعوائلهم وابناء المقابر الجماعية. فيما
يتعاون الارهابين والحرامية على زيادة اوجاع هذا الشعب الأبي الكريم
كلآ على طريقته الخاصة. عمو بابا ليس الانموذج بسيط من مأسي العراق
المستمرة منذ اكثر من ثمانية عقود كان ذروتها مع نظام الصنم، وزادت
الطين بلة مع الحرامية الجدد !!
اذكر في احدى الايام قبل سنيين طويلة وفي ملعب الكشافة, جائني شخص
يلقب " كلوي " وهو اداري معروف لاحد الاندية الرياضية في ذلك الوقت
واخبرني ان عمو بابا يطلبني وهو يجلس على مصطبة الاحتياط. ذهبت الى ابو
سامي وكان احد ايام الصيف والساعة حوالي الخامسة عصرآ والشمس مازالت
حارة وقوية.
عندما رأني من بعيد ابتسم وكان يرتدي نظارة شمسية وطلب مني الجلوس
بجانبه قبل ان تبدأ المباراة. قال لي هل ترى منطقة الجزاء من جهة
اليسار التي امامنا، قلت نعم لكن ماذا بها، اجابني فيها نقص بالمساحة
حوالي من قدمين الى ثلاثة اقدام مقارنة بالمقايس الدولية وايضآ مقارنة
بمنطقة الجزاء في الجهة اليمنى من الملعب، سألته كيف تعرف ذلك ضحك ونهض
وسحبني معه وطلب من الحكم ان نحسب ذلك سويآ قبل ان يصفر معلنآ بداية
المباراة، وفعلآ بعد اجراء القياسات اللازمة اثبتت صحة كلامه بوجود نقص
حوالي ثلاث اقدام، مع اصرار ادارة ملعب الكشافة على تمشية الامور مثل
ماهي وعدم تغيرها. وحقيقة انا كنت مندهش ومشغول بالتفكير بامكانية
وموهبة هذا الرجل على معرفة خلل دقيق بالقياس من بعد عشرات الامتار،
وعندما رجعنا الى مصطبة الاحتياط وقبل ان اغادرها انا الى مدرجات
الجمهور طلبت من المصور في الملعب ان يأخذ لنا صورة انا وعمو بابا
كذكرى لهذه الحادثة الفريدة، واثناء ذلك اثار انتباهي ابو سامي وهو يهز
راسه بتذمر من قرار ادراة ملعب الكشافة عدم تصليح الخطاء رغم التاكد
منه وهو يردد بالقرب من أذني " هكذا هو العراق ماكو عدالة " وبعد سقوط
الصنم وذهابي الى بلدي واهلي كنت حريص على استرجاع بعض مقتنياتي التي
اخفيتها بعيدآ عن دار الاهل خوفآ عليهم من بطش النظام، فعلآ وجدت هذه
الصورة الذكرى الرائعة مازالت محفوظة مع بعض اشيائي في ذلك المكان
وفرحت بها جدآ ورجعت بها معي الى اوربا.
واليوم وانا انظر لها وحالة ابو سامي المأسوية المحزنة في عمان
اتذكر كلمات الاستاذ والكابتن والمعلم الكبير شيخ المدربين عمو بابا
وهو يردد " هكذا هو العراق ماكو عدالة " كان صدام يوزع نفط العراقيين
مجانآ على الأحبة " القومجية " واليوم السيد الرئيس الطلباني يستجيب
لصرخات شاعر من تونس ويتبرع له من فلوس العراقيين عشرات الالوف من
الدولارات فيما الف شاعر وكاتب ومثقف وعراق ورمز مثل عمو بابا يموت
المآ ولااحد يستجيب له او حتى ينتبه اليه. انه الظلم العراقي المستمر
والمستبد.
al-wadi@hotmail.com |