شاعت عن سوق الأوراق المالية والبورصة في العالم سمعة طيبة وسيئة في
آن واحد وتكاد الأخبار السيئة عندنا تطغى على الطيبة الى حد كبير مع
الهبوط الشديد لمؤشرات الأسهم في معظم أسواق المال الخليجية والعربية
مؤخراً من جهة والغليان والتذمر والذعر اوساط المستثمرين في تلك
الأسواق من جهة أخرى ولاسيما اوساط صغار المتعاملين الذي خسروا كثيراً
وأكثرمن غيرهم لإسباب كثيرة منها عدم تحوط اولئك المتعاملين و المضاربة
باموال كثيرة على أسهم محدودة مع عدم التنبه والتنبيه الى الفارق
الكبير والخطير بين القيمة الواقعية للأسهم والقيمة السوقية لتلك
الأسهم ...
يدخل السهم السوق بسعر أولي يمكن أن يكون مساوياً القيمة الواقعية
والسعرالأولي يمكن أن يرتفع ويقفز تبعاً لأسباب وعوامل كثيرة ومختلفة
واحياناً تكون القفزات جنونية كبيرة متواصلة لفترة طويلة نسبياً ليقفز
السعرالأولي احياناً مرتفعاً الى أضعاف أضعاف السعرالأولي للسهم في
السوق فيمتلك ذلك السهم قيمة سوقية تعادل مثلاً عشرة أضعاف السعر
الأولي ويكون الإرتفاع المذكور في قيمة السهم السوقية وهمياً أو واقعياً
مستنداً الى إرتفاع في القيمة الواقعية للسهم كوقوع قفزة نوعية في أداء
و إنتاجية وأرباح الشركة التي باعت السهم مقابل ذلك السعرالأولي
للمستثمر في سوق المال والبورصة لتستثمر ثمن السهم في مشروعها
ومشاريعها الإقتصادية ولما كانت إحتمالات وفرص تحقيق الأرباح الكبيرة
جداً وبشكل متواصل للشركات محدوداً فلابد من الحذر من الإرتفاع الجنوني
الكبير المتواصل للسهم لاسيما إذا إستمر الإرتفاع طويلاً والتحذر
والتحوط يشمل المستثمرفي سوق المال كفرد أولاً ، وممثلي المستثمرين
كمجموعة ثانياً ، وهيئة سوق المال ثالثاً ، والشركات المسجلة العاملة
في البورصة رابعاً ، والدولة كراع ومُنظِّم لسوق المال والبورصة خامسا.
لنفترض وللتقريب والتوضيح فقط انه تم عرض (100) مليارد سهم في سوق
من أسواق المال والبورصة بداية عام 2003 م وبسعر اولي مطابق للقيمة
الواقعية قدره ( 3 ) دولارات لكل سهم فأشترى المتعاملون والمستثمرون في
السوق المذكورة كل ذلك وأخذت الشركات العاملة المسجلة في البورصة مبلغ
الـ ( 300 ) مليارد دولار وأستثمرته في مشاريعها المختلفة فربحت ( 30 )
في المائة كمعدل سنوياً نهائي خالص وخاص بالسهام المذكورة ، وذلك يعني
أن قيمة تلك السهام أصبح في نهاية عام 2005 م (480 ) مليارد دولار
لكن اذا ارتفعت بصورة نجومية أسعار السهام المذكورة لسبب اولأخر خلال
العامين المذكورين لتبلغ قيمة سوقية قدرها (890) مليارد دولار مع نهاية
العام 2005 . م بدلاً من الـ (480 ) مليارد ، و هذا يعني إرتفاع غير
واقعي في القيمة السوقية للسهام وقدره (400) مليارد دولار .
فإذا حدث في حالة إفتراضية كهذه أن تراجعت البورصة وهبطت أسعار
الأسهم خلال الشهرين الأولين من عام 2006 م لتهبط نفس الأسهم في
المثال الى (590) مليار دولار، أي بخسارة (300) مليار دولار خلال شهرين
، وعندها يمكن القول بأن البورصة فقدت (300) مليار دولار من قيمتها
السوقية غير الواقعية خلال شهرين وأن جميع الأموال التي خسرت هي أموال
غير حقيقية ، بمعنى أنها قيم زائدة نتيجة المغالاة السابقة في أسعار
الأسهم ، وأن ذلك التراجع هو تراجع تصحيحي ضروري لإستقرار الأسواق بعد
تضاعف أسعارالأسهم عدة مرات خلال العامين المنصرمين .
هكذا يُفسر بعض المراقبين التراجعات الكبيرة التي شهدتها مؤخراً
البورصات الخليجية ومن ثم العربية حيث تشير بعض التقديرات الى ان
البورصات الخليجية فقدت ما يقارب (300) مليار دولار من قيمتها السوقية
في الأونة الأخيرة نصفها في السعودية التي بها أكبر بورصات المنطقة .
وسواء اكان ذلك التفسير صائباً اوبعيداً عن الصواب هناك حقيقية وهي
ان الذين خسروا الـ (300) مليار دولار خلال الشهرين الأخيرين هم غير
الذين ربحوا المبلغ نفسه خلال العامين السابقين للشهرين الأخيرين .
منْ هم الذين ظفروا بالـ (300) مليار دولار خلال عامين؟
أي بمعدل (12.5) مليار دولار في الشهر الواحد لمدة عامين؟
وكم يبلغ عددهم؟
وفي المقابل :
منْ هم الذين خسروا الـ (300) مليار دولار خلال شهرين ؟
أي بمعدل (150) مليار دولار في الشهر الواحد لمدة شهرين؟
وكم يبلغ عدد هؤلاء الخاسرين؟
وكيف يتوزع الرابحون والخاسرون بين فئات ذوي الدخل المتوسط و دون
المتوسط و فوق المتوسط بقليل وكثير؟
وكيف يتوزع الرابحون والخاسرون بين فئات وأقطاب ومراكز القوى
والشرائح المتنامية وتلك المقابلة أو المعارضة إقتصادياً أو إجتماعياً
أو سياسياً ؟
مَنْ هو المسؤول؟
وما هي الأسباب وراء كل ذلك الربح الموزع على (24) شهراوالخسارة
المفاجئة الموزعة على شهرين فقط ؟
هل الأسباب إدارية أم إقتصادية أم سياسية أم إجتماعية أم متداخلة
مترابطة ؟
إذا قبلنا التفسير المتقدم الذي يقول بأن التراجع والخسائرالأخيرة
تعود الى المغالاة والإرتفاع في أسعار الأسهم خلال العامين السابقين
أسئلة كبيرة أخرى تفرض نفسها ومنها :
اينْ كان هؤلاء المراقبين والمحذرين وقتئذٍ ؟
واينْ كانت هيئة سوق المال من الإرتفاع الجنوني وغير المبررلأسعار
الأسهم الذي استمر لعامين ؟
والسؤال نفسه يتكرر فيما يرتبط بممثلي المستثمرين والشركات المسجلة
العاملة في سوق المال والبورصة بل:
أينْ كانت الدولة كراع ٍومنظم للسوق؟
سير صعودي كبير وخطير وغير مبرر يتواصل لعامين والجميع يتفرج ؟
طبعاً عدم التفرج لا يعني بالضرورة إتخاذ السلطات لإجراءات تتعارض
مع القواعد السليمة المنظِمة لسوق المال ، وعليه فحفلة التفرج
الطويلة تلك غيرمفهومة وبعيدة عن الحكمة والصواب .
ولا يمكن تبريرها ويؤكد ذلك إضطرار السلطات مؤخراً للتدخل بعد كل
تلك الخسائر الكبيرة وذلك بعد أن أخذت الأصوات تتعالى مطالبة السلطات
بالتدخل ،ومع الأسف يتم تحجيم تلك الأصوات بتنسيبها الى صغار
المستثمرين فقط مع وصفهم بالذين سيطر عليهم الإحساس ! بالخسارة الشديدة
والغريب ان بعض المفسرين يصور ويفسر المشهد وكأن السبب الرئيسي الأكبر
هو سلوك المستثمرين الجمعي الذي يهرع الى البيع مع اول إشارة أو إشاعة
بانخفاض الأسعار والعكس بالعكس وتبعيته للإشاعات وللسماسرة البعدين
عن الحرفية والمهنية اللاهثين وراء العمولة فقط وعدم أخذه بالبيانات
الجديدية التي تنشرها البورصة للإفصاح عن بيانات الشركات وأداءها
ونتائجها وأوضاعها وأحوالها إضافة إلى تركيز صغار المستثمرين على نسبة
العائد للقيمة السوقية للسهم دون أخذ العوامل الموضوعية للسهم والتي
يمكن أن تساعد على إدراك مدى جوهرية الزيادة والتأكد من إعتمادها على
الإعتبارات المرتبطة بجودة الأوراق االمالية ذاتها وعدم إعتماد الزيادة
المذكورة على المضاربة والإشاعة والتسريـبات المقصودة غير الحقيقية
والتوقعات المبنية على قراءة ميزانية غير صادقة أو قراءة خاطئة
لميزانية صادقة .
لا شك ان لكل من العوامل المذكورة دوره في الأزمة والخسائر المقدرة
مبدئيا بـ 300 مليار دولار من القيمة السوقية في اسواق المال والبورصة
الخليجية مؤخرا لكن السؤال الأهم هو :
مـا هـو السبب الملك ؟
مـا هـو السبب الرئيسي الأهم بين كل تلك الأسباب ؟
معهد الإمام الشيرازي الدولي
للدراسات – واشنطن
http://www.siironline.org |