الفساد في قطاع النفط والصحة يدمر عملية اعمار العراق.. الشركات الامريكية المتهم الاكبر

قال تقرير حكومي امريكي ان الفساد في قطاع النفط والغاز العراقي مستمر دون توقف وقد تكون له "أثار مدمرة" على الجهود الرامية الى اشاعة الاستقرار في البلاد.

وقال التقرير ان انتاج النفط العراقي مازال أقل من مستوياته قبل الحرب.

واضاف تقرير المفتش الامريكي الخاص لعمليات اعادة البناء العراقية والذي من المقرر نشره يوم الاثنين ان انتاج النفط العراقي بلغ في المتوسط 2.18 مليون برميل يوميا في مارس اذار وهو أقل من مستوى الانتاج قبل الغزو الذي قادته امريكا للعراق في مارس اذار عام 2003 والذي كان يبلغ 2.58 مليون برميل يوميا وأقل من المستوى الذي تستهدفه وزارة البترول العراقية وهو 2.3 مليون برميل.

وقال تقرير المفتش الخاص الجنرال ستيورات باون ان"الفساد في قطاع النفط والغاز مشكلة مستمرة قد يكون لها اثار مدمرة على كل من تقدم عملية اعادة البناء وعلى الوضع العام لجهود اعادة البناء وبناء الديمقراطية في العراق."

وقال باون الذي يصدر تقييما ربع سنوي لجهود اعادة البناء في العراق والتي تمولها امريكا ان الوضع في قطاع النفط والغاز بالعراق لم يتغير بشكل يذكر منذ يناير كانون الثاني .

ومن بين 18.439 مليار دولار وافق عليها الكونجرس الامريكي لجهود اعادة بناء العراق يحصل قطاع النفط والغاز على نحو 1.74 مليار دولار.

وقال التقرير ان منشات مهمة للنفط والغاز شارفت على الاكتمال ويأمل مسؤولو اعادة البناء الامريكيون ان ينتهي البناء في هذا القطاع بحلول نهاية العام.

ولكن التقرير قال ان تدهور البنية الاساسية وهجمات المسلحين والقدرة المحدودة على الاحتفاظ بنظام الانتاج مازالت تبطيء الانتاج.

وقال ان"تحديات الامن والبنية الاساسية المهمة لم تتحسن بشكل كبير منذ الربع الماضي كما تشكل اتهامات الفساد في وزارة النفط تحديا لاعادة البناء."

واضاف ان انتاج النفط الخام عاد الى الارتفاع الى مليوني برميل يوميا في اول مارس اذار بالمقارنة مع المستويات الاقل في يناير كانون الثاني وفبراير شباط والناجمة عن التخزين ومشكلات الطقس في الخليج.

وزاد الانتاج بشكل مطرد خلال مارس اذار ووصل الى 2.18 مليون برميل يوميا الاسبوع الاخير من الشهر.

وانخفضت صادرات النفط الخام التي تسهم بنحو 94 في المئة من الدخل القومي العراقي من متوسط شهري بلغ 1.37 مليون برميل يوميا في فبراير شباط الى 1.34 مليون برميل في مارس .

وقالت صحيفة الجارديان إن فريق تدقيق تابع للكونجرس الامريكي تشكل لمراقبة عمليات إعادة تعمير العراق يصدر تقريرا يحتوي انتقادا لاذعا لاخفاقات المقاولين، وغالبيتهم من الامريكيين، في تنفيذ مشروعات بقيمة مئات الملايين من الدولارات.

وجاء في التقرير أنه في أحد الحالات وبعد مرور ثلاث سنوات على الغزو لم يتم إنجاز سوى ثلاثة مراكز صحية من أصل 150 مركزا تم التعاقد على إنشائها مع مقاول أمريكي رغم حصوله على 75 بالمئة من مبلغ الـ 186 مليون دولار المخصصة لهذا الغرض.

وأشارت الجارديان إلى أن الولايات المتحدة خصصت 21 مليار دولار لاعادة تعمير العراق، انفق منها 67 بالمئة.

وفي هذا السياق اعتبر التقرير التقييمي أن شركة الهندسة الأميركية "بارسونز" التي فازت بحصة كبيرة من عقود إعادة إعمار العراق بعد الحرب قد عجزت عن تحقيق الأهداف المرجوة منها، حيث أشارت الوثائق إلى الأداء الهزيل للشركة، فضلاً عن تقصير الحكومة الأميركية إخضاع عمل الشركة للمراقبة الحثيثة.

فقد كان متوقعاً من الشركة أن تتولى إعادة بناء البنية التحتية العراقية في مجالي الصحة والأمن، غير أنه من بين 150 عيادة طبية كان مقرراً بناؤها أفاد التقرير التقييمي أن الشركة لم تنجز سوى 20 منها، كما أن المعدات الطبية المخصصة للعيادات التي تبلغ قيمتها 70 مليون دولار ظلت مركونة دون استعمال. ويضاف إلى ذلك أن الشركة لم تتمكن من إعادة تأهيل سوى 12من بين 20 مستشفى كان مقرراً أن تتولى ترميمها. أما القلاع الحدودية التي عُهد إلى الشركة ببنائها على امتداد الحدود العراقية- الإيرانية فقد تبين أنها تفتقد إلى الجدران. وأشار التقرير التقييمي أيضاً إلى أن محطات إطفاء الحرائق تفتقر إلى معايير السلامة.

ويظهر عجز الحكومة الأميركية في تتبع أعمال الشركة ومراقبتها من خلال فشل وحدة المهندسين التابعة للجيش الأميركي في التعاطي مع الشركة، حيث تلكأت الوحدة في التحقق من مدى تقيد الشركة بالتزاماتها. وقد جاء التهاون الرسمي في التعامل مع "بارسونز" في الوقت الذي كانت فيه الشركة تنفق 186 مليون دولار لبناء العيادات الطبية في العراق. وحسب ما ورد في نسخة من التقييم حصلت عليها صحيفة "لوس أنجلوس تايمز"، فإن 60 مليوناً من ذلك المبلغ أنفقتها الشركة في مجالي الإدارة والتسيير بعيداً عن الأهداف المرصودة مسبقاً. والتقرير، بالإضافة إلى الحوارات التي تضمنها، سلط الضوء أيضاً على الفشل الذريع في أحد أهم مجالين مرتبطين بإعادة إعمار العراق وهما الصحة والسلامة اللذان من المفترض أن يساهما في كسب تعاطف العراقيين، والتقليص بالتالي من الخطر المحدق بالقوات الأميركية. ومن ناحيتهم رفض المسؤولون في شركة "بارسونز" الرد على ما جاء في التقرير الذي أشرف على إعداده المفتش العام الأميركي المكلف بمراقبة جهود إعادة الإعمار في العراق.

"جينجر كروز"، نائب المفتش العام المكلف بالمراقبة قال: "هناك العديد من الجهات تستحق اللوم". ففي السابق ورغم تحجج شركة "بارسونز" بصعوبة الوضع الأمني في العراق وعرقلته لجهودها، فإنها استطاعت على الأقل استكمال بناء مبنيين تابعين للحكومة العراقية، فضلاً عن إقامة العديد من قاعات المحاكم، ومشاريع أخرى تهم البنية التحتية النفطية. وفي محاولة للتملص من تهمة التقصير وجهت وحدة المهندسين في الجيش الأميركي في معرض ردها على ما ورد في التقرير رسالة وقعها الجنرال "ويليام ماكوي" يقول فيها "منذ البدء في مشروع بناء عيادات طبية كشفت شركة بارسونز عن عجزها، حيث لم تستطع الالتزام بالشروط التعاقدية بسبب مجموعة من الأخطاء الجوهرية في الإدارة والمسائل التقنية". وكتب "ماكوي" مضيفاً "لقد تجاهلوا، أو عجزوا عن الرد بشكل مناسب على خطابات الحكومة المتعددة التي عبرت عن انزعاج المسؤولين من مثل تلك القضايا. وفي بعض الأحيان رفضت الشركة تزويد الحكومة بالمعلومات الأساسية التي كان من شأنها تمكين المسؤولين من اتخاذ القرار الصائب ومساعدة بارسونز على إعادة السيطرة على الوضع والتقليل من التكاليف".

يذكر أنه في سنة 2004 منحت شركة "بارسونز" وشركاؤها بشكل تنافسي عقوداً تزيد قيمتها على ملياري دولار قصد إعادة تأهيل البنى التحتية العراقية في مجالات الصحة والعدل. وبين عشية وضحاها قفزت "بارسونز" لتصبح ثاني أكبر شركة أميركية بعد "هاليبرتون" تفوز بعقود إعادة إعمار العراق. بيد أن العقود التي كانت تشمل عدة مجالات تم إلغاء العديد منها لتنحصر في إعادة تأهيل المستشفيات والمرافق التابعة لنظام العدالة مثل السجون وقاعات المحاكم، وذلك حسب توصيات التقرير التقييمي الذي سيصدر بشكل رسمي خلال الأيام القليلة المقبلة. وقد جاءت مشاريع إعادة إعمار العراق التي أعلنت عنها الإدارة الأميركية لتشكل فرصة ثمينة للشركة من أجل توسيع نطاق أعمالها إلى الخارج، وهو مجال لم تكن "بارسونز" معروفة فيه من قبل. لكن ما أن حطت الشركة رحالها في العراق حتى بدأت تواجه صعوبات كثيرة مرتبطة أساساً بموجة العنف التي اندلعت في ربيع 2004 حيث كانت القوات الأميركية تخوض معارك شرسة مع الميليشيات المسلحة في النجف والفلوجة، ما دفع الشركات الأميركية العاملة في مجال إعادة الإعمار إلى سحب موظفيها والتقليص من عملياتها.

وتفاقمت مشاكل الشركة عندما عجزت عن إرسال مهندسيها إلى مواقع الإنشاءات بسبب الوضع الأمني المتدهور واعتمادها بشكل كلي على المواطنين العراقيين والمتعاقدين. كما واجهت الشركة صعوبات في الحصول على عمالة ماهرة، واقتناء مواد البناء ذات الجودة العالية. والنتيجة أن ارتفعت التكاليف وتأخر استكمال المشروعات، حيث لجأت الشركة حسب وحدة المهندسين إلى خداع المسؤولين وإيهامهم بأن المشروعات تتقدم إلى الأمام. لكن اللوم يقع أيضاً على المسؤولين الحكوميين المكلفين بمتابعة سير بناء المنشآت الجديدة الذين كانوا يرسلون تعليمات ملتبسة وغير واضحة إلى الشركة. ففي إحدى المناسبات تلقت "بارسونز" توجيهات ببناء عيادة طبية في موقع أحد المساجد، فرفضت الشركة، ثم في مناسبة أخرى وجه للشركة بإقامة مصحة فوق بركة وكان عليها شفط المياه وردم الفجوة في الأرض قبل البدء في البناء. يضاف إلى ذلك اتخاذ الحكومات لقرارات منفردة، خصوصاً عندما شعرت بضيق الوقت فقررت دون استشارة الشركة تقليص فترة إكمال المشروعات من سنتين كما كان مقرراً إلى سنة واحدة. ونظراً للخسائر المالية المرتفعة التي تتكبدها الإدارة الأميركية بفعل تأخر جهود الإعمار قرر المسؤولون الحكوميون إلغاء بناء بعض العيادات لادخار المال. وقد وبلغت الصعوبات حداً جعل السفير الأميركي زلماي خليل زاد يتدخل شخصياً للوقوف بنفسه على المشاكل التي تعيق جهود إعادة الإعمار في العراق.

شبكة النبأ المعلوماتية-الثلاثاء 2/ايار/2006 -3/ربيع الثاني/1427