
أصدرت وزارة الخارجية الأميركية التقرير السنوي عن الإرهاب في دول
العالم الذي يتم إعداده في كل عام بناء على طلب من الكونغرس الأميركي.
ويقدم الفصل الثاني من التقرير تقييما استراتيجيا لأوضاع الإرهاب في
العالم، تعرّض فيها للاتجاهات العامة للإرهاب، والعناصر الأساسية للحكم
على أوضاعه، والتغير والتجديد في تنظيم القاعدة، والعلاقة بين العراق
والحرب الأوسع نطاقا على الإرهاب في العالم.
في ما يلي نص ذلك الفصل:
الفصل الثاني - تقييم استراتيجي
* المقدمة
إن التقرير السنوي عن الإرهاب يجري إعداده استجابة لطلب من الكونغرس
يقضي بإعداد تقرير سنوي كامل وشامل عن الإرهاب حول الدول والجماعات
التي تنطبق عليها المواصفات الواردة في الفصل 22 من ... للولايات
المتحدة 2656 (الفقرة (إف).
ولكن عندما يكون بلدنا يخوض حربا عالمية على الإرهاب، فإن تقارير
الإرهاب في كل دولة تخدم أيضا هدفا أوسع نطاقا – وهو تلخيص أهم
التطورات في الحملة العالمية ضد الإرهاب. والفصل الخاص بالتقارير عن كل
دولة يقدم هذا الملخص، ويعتبر مكملا للملاحظات التفصيلية التي تحتويها
الفصول الأخرى من الوثيقة.
* الاتجاهات العامة للإرهاب:
هذا الفصل ينصب بصفة أساسية على تنظيم القاعدة والشبكات المرتبطة به.
وهو ما يعتبر ملائما على أساس أن تلك الشبكات تمثل أكبر التهديدات
الماثلة حاليا أمام الولايات المتحدة وشركائها الدوليين. غير أن هناك
اتجاهات عامة لا تقتصر على القاعدة وشركاءها وحدهم – ومن الملائم أخذها
في الاعتبار عند دراسة الظواهر الأوسع نطاقا للإرهاب. وهذه تتضمن:
- اللاعبون الصغار: تجتذب التكنولوجيا المتقدمة والأدوات الخاصة
بالعولمة مثل الإنترنت والاتصالات عبر الأقمار الصناعية والتجارة على
الإنترنت – بدرجة متزايدة الخلايا الصغيرة المستقلة والأفراد. وإذا
اقترن ذلك بوجود الدافع لارتكاب عمل إرهابي فإن تلك الأساليب التقنية
تعزز قوى الجماعات الصغيرة التي تمثل ما يسمى بـ"اللاعبين الصغار"
والذين يصعب إلى حد كبير تعقبهم أو مواجهتهم.
- استخدام الوسائل التكنولوجية المتطورة: اتجه العديد من الإرهابيين
في جميع أنحاء العالم نحو تطوير مقدرتهم على استكشاف واستخدام كيفية
تبادل المعلومات والأفكار والأموال على المستوى العالمي. كما أنهم
طوروا قدراتهم التكنولوجية في مجالات عديدة مثل التخطيط للعمليات،
والاتصالات، والاستهداف، والدعاية.
- التداخل والتشابك مع شبكات الجريمة المنظمة في العالم: في بعض
الأحيان يستخدم الإرهابيون الشبكات والنظم التي تستخدمها جماعات
الجريمة المنظمة التي تنفذ عمليات في دول متعددة، مستغلين ما يوجد من
تداخل وتشابك بين تلك الشبكات لتعزيز قدرتهم على الحركة وحشد التأييد
لبرامجهم الإرهابية، وتجنب تعقبهم.
* أحكام أساسية:
خلال العام 2005 بدأت تظهر الدلائل على أنه أمام ما تحقق من نجاحات
في مجال مكافحة الإرهاب، فإن القادة المركزيين للقاعدة كانوا يسعون
للحصول على وسائل جديدة للتعامل والاتصال بالشبكات التي لهم علاقة بها.
وبحلول نهاية العام كان يبدو أن القيادة الرئيسية للقاعدة كانت في أغلب
الأحيان تحفز على ارتكاب أعمال إرهابية لكن لم تعد لديها القدرة على
توجيهها توجيها كاملا مثلما كان يحدث من قبل. وعلى الرغم من أن
الإجراءات التي اتخذها المجتمع الدولي قللت قدرة المجموعة القيادية
الرئيسية للقاعدة – أسامة بن لادن ومساعدوه المباشرون- على شن أعمال
إرهابية في العالم، فإنه لم يتم القضاء تماما على القاعدة والإرادة
السياسية للمتحالفين معها. فالإرهابيون يواصلون محاولة التكيف مع
الأساليب المتقدمة المستخدمة في مكافحتهم، وتطوير أساليب جديدة لمواجهة
المناخ السائد الذي أصبح أقل انفتاحا بحيث لا يسمح بتنفيذ عملياتهم.
وفي العام 2005 رأينا دلائل على ما
يلي:
- تركيز متزايد من القاعدة على العمليات الخاصة بالأيديولوجية
والدعاية للمساهمة في الترويج لقضيتهم. وأدى هذا إلى وجود تعاون بين
القاعدة في العراق، التي يتزعمها أبو مصعب الزرقاوي، وبين كل الجماعات
التي لها علاقة واتصالات بالقاعدة في جميع أنحاء العالم، بالإضافة إلى
جيل جديد من السنة المتطرفين.
- انتشار شبكات أصغر وأكثر تفككا من الإرهابيين، لكنهم أيضا ممن
يصعب التكهن بتصرفاتهم.
تزايد القدرة على ارتكاب أعمال إرهابية على يد الإرهابيين المحليين
الذين لهم علاقات خارجية. (وهذا ما ظهر في حادث التفجير بلندن يوم 7
تموز/يوليو).
- تزايد عمليات التفجير الانتحارية. فقد كان تفجير لندن يوم 7 تموز/يوليو
أول هجوم من نوعه في أوروبا (كان ثلاثة من الإرهابيين الأربعة من الجيل
الثاني لمواطنين يحملون الجنسية البريطانية من أبناء مهاجرين من دول في
جنوب آسيا). كما لوحظ تزايد التفجيرات الانتحارية في افغانستان.
- تنامي الشبكات المهمة من الناحية الاستراتيجية التي تدعم تدفق
الإرهابيين الأجانب إلى العراق.
* القيادة الأساسية للقاعدة: التحول
والتجديد
قبل الحادي عشر من أيلول/سبتمبر كانت القيادات الرئيسية في تنظيم
القاعدة تميل إلى توجيه العمليات وإصدار التعليمات المتعلقة بها،
بالإضافة إلى توفير الأموال، والتدريب والخبرة التقنية للشبكات
المتحالفة معها. وعلى وجه التحديد فإن القيادة الأساسية كانت تقوم
بالدور الرئيسي في الهجمات "المذهلة" غير المألوفة مثل تلك التي حدثت
في 11 أيلول/سبتمبر 2001، التي تتطلب تخطيطا وتنسيقا على المستوى
الدولي. وأدى القبض على، ومقتل اثنين من كبار مخططي العمليات خلال فترة
لم تتجاوز نصف العام في 2005 إلى اضطرار القاعدة للتكيف مع ما حدث من
انكسار في التدرج القيادي والسيطرة لقيادات التنظيم وللضغط المتزايدة
عليهم في منطقة كانوا يعتبرونها في السابق ملاذا آمنا. أصبح زعماء
القاعدة مبعثرين وفي حالة فرار دائم؛ فملاذهم الآمن في أفغانستان قد
قضي عليه؛ وعلاقتهم مع طالبان تضاءلت؛ وتمويلها وخطوط إمداداتها قد
توقفت وشبكاتها التنظيمية التي كانت متمركزة في أفغانستان أصبحت الآن
بلا مركز. وتواصل القيادات الرئيسية للقاعدة ممارسة نفوذها وتقديم
الإرشادات الأيديولوجية لأتباعها في العالم كله. وببقائهما مطلقيْ
السراح، وببقاء صوتهما يتردد بين الحين والآخر يمثل ابن لادن والظواهري
رمزا للمقاومة في المجتمع الدولي، كما يُظهران أنهما يمتلكان القدرة
على التأثير في الأحداث، وأن يكونا محفزين للإرهابيين الفعليين
والمحتملين. غير أن هناك دلائل على أن ابن لادن والظواهري يشعران
بالإحباط إلى حد ما نظرا لافتقادهم السيطرة المباشرة، كما اتضح من
المراسلات المتبادلة بين الظواهري والزرقاوي في شهر تشرين الثاني/أكتوبر،
فقد عنّف كبير المنظّرين بتنظيم القاعدة أيمن الظواهري أبو مصعب
الزرقاوي على اختيار الأساليب التي يستخدمها للتأثير على استراتيجيته،
وطلب منه دعما ماليا.
* شبكات محلية أقل تماسكا:
هناك دلائل على أنه مع تغير دور القيادات الأساسية في القاعدة، حدث
بالتوازي أن شبكة القاعدة بدأت في التفكك على مستوى العالم. وما كان في
وقت ما شبكة متينة البنيان نسبيا أخذت تبدو كحركة أكثر تفككا في جميع
أنحاء العالم، أو كمجموعات صغيرة أو أفراد من ذوي العقليات والأفكار
المتشابهة، ممن يشتركون في الأهداف والمظالم، ولكنهم غير منظمين
بالضرورة بصورة رسمية. وبينما كان من يتولون عمليات التدريب وتسهيل
تسيير الأمور يتصرفون في أغلب الأحيان على أنهم العنصر المحفز للعمليات
الإرهابية، فإن ذلك لم يعد يلزم بالضرورة بالمعني العملي، وبدأ ظهور
الخلايا الصغيرة المكتفية ذاتيا. وهذا الجيل الجديد من الإرهابيين يصعب
تصنيفه، حيث إن بعضهم اختارا ذلك الاتجاه بنفسه وتحول إلى التطرف من
تلقاء نفسه أيضا. وبعض الخلايا تتكون من أفراد ينتمون إلى أصل عرقي
واحد، غالبا ما تكون منعزلة كـ"رابطة للإخوة" الذين يصعب اختراقهم أو
العثور عليهم. والبعض الآخر تحول إلى التطرف "إلكترونيا" فهم يلتقون
على الإنترنت وهم يتدربون ويكتسبون الخبرة جزئيا مما يحصلون عليه من
الإنترنت.
ومثلما يمكن تحديد بعض الحركات الإرهابية المنتشرة في العالم
بأصولها العرقية، فإن بعض الخلايا الأخرى تضم خليطا منوعا، مثل
المجموعة التي نفذت تفجير لندن في 7 تموز/يوليو التي ضمت واحدا ممن
اعتنقوا الإسلام إلى جانب الجيل الثاني من الحاصلين على الجنسية
البريطانية المتحدرين من أصول تنتمي لدول جنوب آسيا. وهذا الاتجاه يعني
أنه قد تكون هناك أعداد أكبر من الهجمات الأصغر التي جرى التخطيط لها
بدرجة أقل دقة، ويكون منفذوها من المحليين وليسوا من متعددي الجنسيات.
ومن الممكن أن تخفق أعداد متزايدة من تلك الهجمات نظرا لافتقادها
للمهارة أو المعدات، مثلما حدث في هجوم لندن يوم 21 تموز/يوليو.
* العلاقة بين العراق والحرب الأوسع
نطاقا على الإرهاب:
ما زال العراق جبهة أساسية في الحرب العالمية على الإرهاب فالقوات
الأميركية وقوات التحالف والقوات العراقية تقاتل الإرهابيين كجزء من
المهمة الأمنية التي فوضهم القيام بها قراران لمجلس الأمن الدولي (1546
و1637) دعما للحكومة العراقية المنتخبة ديمقراطيا. والهجمات الإرهابية
متكررة ومن يشنها هم المتطرفون المتأسلمون، وعناصر النظام السابق،
والإرهابيون الأجانب. والإرهابيون يجمعهم عامل مشترك هو معارضة الحكومة
العراقية الشرعية ووجود قوات التالف. وقد أعرب كبار زعماء القاعدة عن
تأييدهم الكامل للحركات الإرهابية في العراق ويعتبرونها وسيلة للتأثير
على الرأي العام للمسلمين في جميع أنحاء العالم وتحويلهم إلى التطرف،
وكوسيلة جذب لأكبر عدد ممكن من المجندين معهم.
وأكبر جماعتين إرهابيتين في العراق هما: تنظيم القاعدة في بلاد
الرافدين بقيادة أبو مصعب الزرقاوي، وجماعة أنصار السنة. وكلاهما تربطه
علاقات قوية بالقيادة المركزية لتنظيم القاعدة في باكستان وأفعانستان
وملتزم بإنشاء دولة دينية في العراق تحكمها الشريعة الإسلامية. وعلاوة
على ذلك، فإنهم يحلمون بتحويل العراق إلى ما كانت عليه أفغانستان في ظل
حكم طالبان- ملاذ آمن حيث يمكنهم وضع الخطط والمؤامرات لشن هجمات جديدة
على الولايات المتحدة وحلفائها.
إن أعداء العراق مصممون على الحيلولة دون قيام مجتمع ديمقراطي، وعلى
إشعال حرب أهلية، وعلى تأليب المواطنين العراقيين ضد بعضهم البعض. فكما
كتب الزرقاوي في رسالته إلى ابن لادن في العام 2004 "إذا نجحنا في جر
الشيعة إلى حرب طائفية، سيصبح من الممكن أن نوقظ السنة من غفوتهم عندما
يشعرون بالخطر المحدق ... إن الحل الوحيد بالنسبة لنا هو أن نوجه ضربات
للكوادر الشيعية الدينية والعسكرية وغيرها ضربة تلو الأخرى."
وقد أظهرت انتخابات كانون الأول/ديسمبر وجود انقسام بين الرافضين
والإرهابيين على المشاركة في العملية السياسية. وهناك تقارير إخبارية
عديدة من غربي وشمال ووسط العراق عن اشتباك جماعات متمردة سنية في
نزاعات مسلحة (كانت عمليات كبيرة في بعض الأحيان) ضد تنظيم القاعدة في
بلاد الرافدين بسبب استهداف العراقيين ومعارضة الانتخابات.
إن التهديدات والمؤامرات والخلايا المرتبطة بالنزاع في العراق قد
اكتشفت في عدة مناطق من العالم. وهناك شبكات دعم سرية تسرب الإرهابيين
إلى العراق من الشرق الأوسط وأوروبا وشمال أفريقيا وجنوب ووسط آسيا
والقوقاز. وكانت تلك الشبكات ذات أهمية استراتيجية في حد ذاتها، بسبب
أنها تمثل تهديدا دائما لمجتمعاتها الأصلية بعد انتهاء النزاع المباشر
في العراق. وفي العام 2005 صعدت جماعة القاعدة في بلاد الرافدين
عملياتها الخارجية بادعائها المسؤولية عن ثلاث هجمات. كان أبرزها
الهجوم على فندق في العاصمة الأردنية عمان يوم 9 تشرين الثاني/نوفمبر
نفذه تنظيم القاعدة في العراق. و في شهر آب/أغسطس ادعى التنظيم
مسؤوليته عن هجوم صاروخي على سفن البحرية الأميركية في ميناء العقبة
الأردني نتج عنه إلحاق دمار محدود في الأردن وميناء إيلات بإسرائيل.
وفي أواخر كانون الأول/ديسمبر ادعى تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين
أيضا مسؤوليته عن إطلاق عدة صواريخ إلى داخل إسرائيل من لبنان.
وبالإضافة إلى ذلك قبضت السلطات التركية على لؤي السقا في شهر آب/أغسطس،
وهو سوري له علاقة بتنظيم القاعدة وشبكة الزرقاوي. كما أنه إرهابي دولي
خطير له علاقة بتمويل عمليات التفجير في اسطنبول في تشرين الثاني/نوفمبر
2003 ومقتل أفراد من القوات الأميركية وقوات التحالف في العراق. وقيل
إن السقا كان في تركيا لتدبير هجوم إرهابي على بواخر سياحية إسرائيلية
في الموانئ التركية.
وكما جاء في استراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة في العام
2006 فإنه، ستكون هناك حاجة مستمرة لعمل منظم لضمان أن العراق لن يصبح
ملاذا آمنا للجماعات الإرهابية، وتكوين علاقة شراكة دائمة مع المؤسسات
المؤهلة في العراق وبقية المنطقة.
* الخلاصة:
رغم أن الأحداث في العام 2005 تصور حدوث تغيير سريع للوضع، فإن هناك
بعض النتائج التي يمكن استخلاصها:
- إن القاعدة لم تعد التنظيم الذي كان موجودا قبل أربع سنوات.
فالجهود الدولية نجحت إلى حد كبير في حرمان الجماعة من ملاذها الآمن في
أفغانستان، وعوّقت عملياتها، وقتلت أو قبضت على العديد من قيادييها.
ورغم ذلك فإن الجماعة كانت لديها القدرة على التكيف والمقاومة، وما
زال قياديوها الأساسيون على قيد الحياة، وهم يعدلون خططهم بحيث تتمشى
مع وقع عملياتنا.
عموما، ما زلنا في المرحلة الأولى من حرب يُحتمل أن تكون طويلة.
وقدرة العدو على التكيف التي تأكدت بالبراهين تعني أننا سنمر بعدة
دورات أخرى من الفعل وردة الفعل قبل أن تصبح نتيجة الحرب معلومة علم
اليقين. ومن المتوقع أننا سنواجه عدوا عنيدا ومتكيفا مع الظروف
المستجدة لسنوات قادمة. |