
تعرف اليونيسكو ظاهرة هجرة الكفاءات الدولية بأنها نوع شاذ من أنواع
التبادل العلمي بين الدول يتميز بالتدفق في اتجاه الدول الأكثر تقدماً
من الدول الأقل تقدماً، وهو ما أطلق عليه بعضهم النقل العكسي
للتكنولوجيا، وتأخذ هجرة الكفاءة العلمية منحنين رئيسيين.
الهجرة المباشرة وذلك بأن يأخذ الفرد قراراً في بلده ويتركها كمهاجر
من الخارج وذلك لأسباب متعددة تبدأ من حيث عدم وجود المراكز والخطط
العلمية إلى جانب المعوقات التي تحد من نشاطه ومشاركته في بحوثه
واختصاصه، ففي دراسة حديثة نسبياً عن عدد العلماء والتكنولوجيين العرب
المتميزين في الجامعات الأمريكية والكندية، تبين أن هناك في أواسط عقد
التسعينات حوالي 400 عالم وتكنولوجي عربي متميز في مجالات الهندسة
النووية والبيولوجية والميكانيكية وهندسة المواد والكمبيوتر وهندسة
الطيران والنسيج وغيرها من الفروع، وحوالي 140 عالماً وتكنولوجياً
عربياً مميزاً في مجال العلوم الحياتية والزراعية مثل أحياء الجينات
وأحياء الخلايا والجزئيات وعلم التشريح وعلم النبات والتغذية وغيرها،
هذا إلى جانب حوالي ستين عالماً في المجال الصحي و130 عالماً في العلوم
الطبيعية والرياضيات و110 في العلوم الإدارية والاقتصادية والمصرفية
والمحاسبة.
وتتوضح أسباب الحقيقية لهجرة معظم العلماء الاقتصادية والسياسية
والاجتماعية فعلى الصعيد الاقتصادي تبرز انخفاض رواتب العلماء، مقارنة
مع أمثالهم، وعلى الصعيد السياسي حيث يجدون أنفسهم في تعارض مع البيئة
السياسية في مجتمعاتهم فيقدمون على الهجرة إلى مجتمعات يعتقدون أنها
توفر لهم بيئة ملائمة يستطيعون أن يمارسوا حياتهم بجو من الحرية.
أما العامل الاجتماعي حيث طبيعة العوامل الاجتماعية وأسلوب وأنماط
الحياة والمعيشة السائدة تبرز عدم التكييف مع واقعهم وتشير التقديرات
على أن تفاقم ظاهرة البطالة مع مرور الزمن واستمرار الفجوة بين معدلات
النمو السكاني والنمو الاقتصادي سيزيد من عوامل الطرد ويدفع بأعداد
إضافية من القوة العاملة بمستوياتها العلمية والمهنية العادية والعالية
إلى الهجرة الخارجية، وهذا ما يمثل تحدياً فعلياً وأساسياً تواجه جميع
الاقتصاديات العربية وخاصة في ظل المستجدات الدولية القائمة على المزيد
من الانفتاح والمزيد من التنافس خاصة أن الواقع العربي والإسلامي من
حيث مخزون الجيد من المواد الأولية وسعة الأسواق واليد والعاملة،
والمناخات المتنوعة التي تساعد على البيئة والمناخ المساعد لاقتصاديات
عربية متوازنة وهذا ما يتطلب حقاً إرادة سياسية بالدرجة الأولى تعزز
مناخات الحرية والعدالة والمساواة.
وتالياً تأتي دور الإصلاح الاقتصادي الشامل لكامل البنى والهياكل
القديمة مترافق مع الانحياز الكامل لدور المعرفة باعتبارها قوة أساسية
في عملية التغيير والإصلاح وبذلك يستحق العالم العربي والإسلامي أن يجد
مكانه بين الأمم المتقدمة ويتطلع علماءه ومفكروه إلى المساهمة الفعلية
في إقامة المجتمع الإسلامي العربي الموحد، بحيث تعالج كل الأسباب
الحقيقية للبطالة والفقر وتدني مستوى الدخل الفردي والأهم من كل ذلك أن
تقدم المجتمعات وحضارتها تقترن باحترام علماءها ومفكريها ومبدعيها،
وبقدر توسيع المشاركة الحقيقية لشعوبها واحترام خياراتها وفي مقدمتها
احترام حقوق الإنسان والالتزام بالمواثيق الدولية.
aboalibassam@gawab.com |