ربما شاعت الكثير من المقولات حول ما يسمى بتنمية البشر والوصول بهم
الى ضفة الامان، من ناحية ضمان حياتهم ومعيشتهم بما تتضمنه من دخل وصحة
وتعليم وغيرها، الا اننا لم نلحظ ان تلك المقولات قد اخذت طريقها في
التنفيذ ووضع البصمات بشكلٍ واضح.
ان الوضع الانساني اليوم متردٍ بشكلٍ كبير، ولم يزل الانسان يخرج
من ازمةٍ ليدخل في اخرى تعيق حياته باستمرار وتدهور استقراره. فأين
محله من تنمية البشر هذه التي باتت تملأ الافاق كحبرٍ على ورق.
اننا لا نريد ان نبالغ ان قلنا ان هناك تنمية بشرية ولكنها منقوصة،
من حيث التطبيق والاستمرارية، فلا تكاد تقارير التنمية البشرية تخرج
علينا كل فترةٍ زمنية بحلةٍ جديدة وايضاحات واضافات عندما تسمعها
وتقرأها تردد مع نفسك بأنها بشرى خير، وبأن العوز والفقر والمآسي
الانسانية زائلة لا محالة من جراء هكذا تقارير، الا اننا نجد ان ما
يُعلن من هذه المنظمات يخصها ذاتها لغرض الاشارة الى اهمية عقد
المؤتمرات كعملية حرفنة ليس الا، اضافة الى جني الارباح، دون المعالجة
الحقيقية للمسألة.
فبالتأكيد لا توجد هناك معالجة جدية لجعل الاشارة الى تحقيق التنمية
البشرية تأخذ مكانها المناسب في التطبيق.
اننا نسأل انفسنا، هل ما يعانيه البشر اليوم يدل على وجود خطط
تنمية بشرية نوعية ؟
ان وجود الفقر وغيره بشكل آفة تهدد اركان كل مجتمعٍ، لهو دليل
قاطع على فشل خطط التنمية البشرية العالمية في رصد معوقات الحياة
الانسانية.
كما ان المشكلة الجوهرية ان بعض التقارير والمنظمات تركز على
الوحدات الاساسية للحياة وهي مطلوبة ان نُفذت بشكل صحيح والتركيز بشكلٍ
قليل على المتطلبات الاخرى اللازمة لتنمية الانسان.
فقد كان الامر في بادئ تقارير التنمية هو التركيز على ما يضمن
حياة الانسان ومن ثم التفكير بان الانسان لا يحتاج ذلك فقط وانما هو
بحاجةٍ للادلاء بصوته وحفظ حريته واستقلاليته وغيرها.
ومن ذلك قد تطور مفهوم التنمية البشرية الى ما يسمى بالتنمية
الانسانية، فلا يجب النظر الى الانسان بأنه سيحقق مطالبه بتحقيق الدخل
والصحة والتعليم فقط، وانما يجب منحه فرصة للتعبير عن رأيه ومحو تخلفه
وممارسة النقد والنقد الذاتي وتقبل الآخر وغيرها.
يجب على الانسان ان ينمي من الجزء الى الكل، فيبدأ بتنمية ذاته
وجلدها ونقدها، ومن ثم النظر الى حوله وما يتطلبه ذلك المجاور، كي
يتلائم مع ما يطمح ويتمنى، ومن مجموع الافراد الذين ينمون انفسهم
بمساعدة عملية التنمية ممكن ان تتحقق تنمية انسانية منشودة.
ان المسألة باتت لا تتعلق بوجود خيرات وثروات فقط، بقدر تعلق
الامر بالوعي بأهمية التنمية وما قد تنجزه للانسان والمجتمع نفسه.
فبالتنمية ممكن ان يرقى الانسان بنفسه الى الفكر الخلاق والمبدع،
والذي ممكن ان يساهم في دفع عجلة التطور الى امام، وبالتنمية ايضاً
تتهالك اسباب التخلف والتقهقر ولا يصبح هناك أي مكان لها.
ان مشكلة الانسان الان انه فاقداً لمن يهتم بتنميته ويمده بكل
مقومات نجاح التنمية، وذلك الامر من الخطورة بحيث ممكن ان يكون الانسان
الذي بحاجة للتنمية وفاقداً لها مُعاقاً في فكره ومعيشته وإنتاجه الذي
ينعكس سلباً ووبالاً على حياته ومجتمعه. |