المعهد اليهودي لشئون الأمن القومي في واشنطن: صناعة الاستراتيجية الامريكية وتثقيف صناع القرار

يصف المعهد اليهودي لشئون الأمن القومي The Jewish Institute for National Security  نفسه بأنه منظمة غير ربحية وغير موالية لأي تيارات سياسية، ولا يتبع أي اتجاهات طائفية أو دينية محددة، وإنه فقط كيان يهتم بتعضيد وتبيين الحاجة إلي إستراتيجية دفاعية قوية، إضافة إلى توطيد العلاقات الأمريكية الإسرائيلية. ويقع مقر المعهد في قلب العاصمة الأمريكية واشنطن، ويسمى اختصارا "جنسا JNSA"، ولجنسا قدرة على التأثير علي السياسيين وصانعي القرار داخل الولايات المتحدة الأمريكية فيما يتعلق بالقضايا الأمنية والدفاعية ذات الأهمية كما يذكر ذلك تقرير واشنطن.

وتنبع أول بادرة تدل على ظهور تأثير معهد جنسا في العاصمة الأمريكية من تكوين الهيئة الاستشارية للمعهد، وحالياً يضم المعهد مستشارين بارزين - ينتمون لتيار المحافظين الجدد- مثل جين كيركباتريك Jane J Kirparick ، وريتشارد بيرل Richard Perle. وقد عملت جين كيركباتريك في إدارة الرئيس الأمريكي السابق رونالد ريجان، وعينت سفيرة للولايات المتحدة في مقر الأمم المتحدة بنيويورك، وتعمل كيركباتريك حالياً زميلة الدراسات الدولية في معهد انتربريز الأمريكي www.aei.org . أما ريتشارد بيرل فقد كان مساعدا لوزير الدفاع في عهد الرئيس ريجان، ويعمل حالياً زميل الدراسات الدولية بمقر معهد انتربريز في العاصمة واشنطن.

وقبل مجيء الرئيس جورج بوش إلى كرسي الرئاسة كانت كل الشخصيات ذات النفوذ أمثال ديك تشيني- نائب الرئيس- ودوجلاس فيث Douglass Faith- مساعد وزير الدفاع السابق- وجون بولتون- سفير أمريكا في الأمم المتحدة، تكون فريق المستشارين في معهد جنسا، لكنهم تركوا مناصبهم هناك للعمل في إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش!

يركز المعهد على تسع قضايا أساسية، والمعهد يسميها "نقاط جدول الأعمال الرئيسية"، والمعهد يقوم بإبلاغ البنتاجون والبيت الأبيض ووزارة الخارجية، إضافة إلى أعضاء الكونغرس ومساعديهم، ووسائل الإعلام المختلفة بتلك النقاط، وبالتطورات المتعلقة بتلك القضايا التي تشتمل على:

1. خلق إستراتيجية دفاعية أمريكية للمستقبل، ويحاول المعهد تثقيف صناع القرار وغيرهم من المسئولين بمتطلبات هذه الإستراتيجية كي تصبح قوية وفعالة.

2. محاربة الإرهاب على كلا الجبهتين الداخلية والخارجية، كما يركز المعهد على التهديدات التي تمثل خطراً جسيما على الأمن القومي للولايات المتحدة، كما تساعد علي تطوير الوسائل المستخدمة من قبل جهاز الاستخبارات الأمريكي في كيفية جمع المعلومات لمنع الهجمات الإرهابية المحتملة.

3. اجتذاب حلفاء جدد، حيث يعتقد المسئولون في المعهد أن الولايات المتحدة تحتاج إلى علاقات أقوى مع دول مثل تركيا وتايوان والهند ودول وسط وشرق أوروبا.

4. محاربة عدم الاستقرار الإقليمي من منطلق الإيمان بأن أحد أهم أسباب حالات عدم الاستقرار في مناطق كثيرة من العالم هو التيار المتأسلم المتشدد، وخاصة مناطق مثل جنوب آسيا، وبعض مناطق الإتحاد السوفيتي السابق.

5. توطيد التعاون الإستراتيجي مع دولة إسرائيل، ويرى المعهد أهمية ذلك من أجل الحفاظ على الأمن الدولي، كما أن كلتا الدولتين لديهما مبادئ وقيم مشتركة، وكل منهما يهتم بقضية دعم استقرار الشرق الأوسط، وذلك بصفة عامة.

6. تشجيع انتشار تكنولوجيا الصواريخ البالستية، والتكنولوجيا المضادة لها، حيث يشجع المعهد تطوير هذه التكنولوجيا الدفاعية لحماية الولايات المتحدة وحلفائها من أي هجوم.

7. معارضة الأصولية الإسلامية، حيث يرى خبراء المعهد أن هذا أحد أهم أسباب الإرهاب الدولي، كما أنه يشكل خطراً على الأنظمة الحاكمة المعتدلة في منطقة الشرق الأوسط، كما يهدد أمن إسرائيل والولايات المتحدة وقوات التحالف في العراق.

8. مراقبة روسيا وجمهوريات الإتحاد السوفيتي السابق من منطلق اعتقاد خبراء المعهد بوجوب المراقبة اللصيقة لتلك المنطقة الإستراتيجية من العالم، وذلك نتيجة الهوة السياسية والاختلافات الكبيرة بين الولايات المتحدة وروسيا وخصوصاً فيما يتعلق بالموقف من إيران. كما يروى خبراء معهد جنسا أن روسيا أكثر عرضة للمصادمات والصراعات المدنية والعرقية مما قد يهدد الاستقرار العالمي.

9. مساندة احتياجات إسرائيل الأمنية، حيث يرى خبراء المعهد أن أساس الصراع الفلسطيني الإسرائيلي هو عدم رغبة العرب في الاعتراف بشرعية وجود الدولة الإسرائيلية، وهذا الموقف العربي يتطلب زيادة الحزام الأمني الإسرائيلي. كما يجب أن تكون قضية أمن إسرائيل من أولى أولويات الولايات المتحدة، وخصوصا عند بيع الأسلحة الأمريكية إلى الدول العربية.

يشتهر المعهد ببرنامجه المسمى "العلم ورحلة القادة العسكريين إلى إسرائيل"، وهذا المشروع أو البرنامج يهدف إلى جلب الأفراد العاملين في وزارة الدفاع الأمريكية ودعوتهم لزيارة إسرائيل، حيث يلتقون بالمسئولين الحكوميين والعسكريين الإسرائيليين. في هذه اللقاءات يتسنى للمسئولين الأمريكيين معرفة التهديدات التي تواجهها إسرائيل  من وجهة نظر إسرائيلية فقط، وكيفية معالجتها وكيف يمكن الاستفادة من التعاون الأمريكي الإسرائيلي لتقليل هذه التحديات.

ويختار المعهد المشاركين في هذا البرنامج على حسب قدرتهم في التأثير في دائرة صنع القرار السياسي في الولايات المتحدة وذلك لإقناعهم بتأييد العلاقة القوية بين إسرائيل والولايات المتحدة في مجال التعاون الأمني بما لهم من نفوذ في وزارة الدفاع الأمريكية. وبالإضافة لهذا البرنامج يقوم المعهد برعاية برنامج الأكاديمية العسكرية الذي يقوم فيه الطالب العسكري المبتدئ بالذهاب إلى إسرائيل لقضاء عدة أسابيع هناك ومقابلة المسئولين العاملين في قوات الدفاع الإسرائيلية، كما يقضون أسبوعاً في أحدى المزارع اليهودية "كيبوتز" للعمل والعيش هناك بغرض الامتزاج بالمجتمع اليهودي عن قرب.

كما يرعى المعهد برنامج تنفيذ القانون التبادلي والذي يأخذ ضباط الشرطة الأمريكيين، من مختلف الولايات والرتب الوظيفية إلى إسرائيل، ويقضون هناك بعض الوقت مع رجال قوات الدفاع والشرطة الإسرائيلية، وهناك يتعلمون وسائل التعامل مع الانتحاريين وأنواع التهديدات الأخرى التي تهدد إسرائيل، وقد تهدد الولايات المتحدة في المستقبل.

وأخيراً يقوم المعهد بتقديم سلسلة من المحاضرات عن أمن الشرق الأوسط، والمجتمع الإسرائيلي وثقافته والسياسية الإسرائيلية، وتعطى هذه المحاضرات لطلبة الأكاديميات والكليات العسكرية.

بالإضافة إلى البرامج التبادلية والمحاضرات التي يقدمها المعهد، فقد أصدر المعهد الكثير من المقالات والبحوث منها:

1. المتابعة الإخبارية للتطرف الإسلامي، وهو أحد مشاريع المعهد الذي يشرف عليه الباحث المخضرم زوهار نيومان Zohar Neuman، والهدف منه متابعة، كما يدعي هذا الباحث، الأنشطة الدينية المتطرفة التي تخص الإسلاميين، وذلك في جميع أنحاء العالم.

2. " الأوبزيرفر" أو "المراقب"، وهو إصدار ربع سنوي مشترك بين معهد جنسا وجمعية مؤسسات الأمريكيين الأتراك، وهو يتابع العلاقة الثلاثية الإستراتيجية بين تركيا وإسرائيل والولايات المتحدة.

3. " بروفايلز إن تيرورProfiles in Terror" أو "صور إرهابية"، وهو دليل المنظمات الإرهابية في الشرق الأوسط، على حد زعم مؤلفه أهارون مانيس Aaron Mannes ، الذي يدعي وجود أكثر من عشرين منظمة إرهابية في الشرق الأوسط.

4. كتاب: "الدولة الفلسطينية: ملاحظات تهم أمن وسياسة أمريكا" وهو مقسم إلى سبعة أبواب وشارك في تأليفه عدة مؤلفين، ويناقش كل باب أو فصل من الكتاب وجهة نظر مختلفة تبحث في آثار إنشاء دولة فلسطينية.

الانتقادات الموجهة ضد معهد جنسا

أحد الأصوات التي تهاجم وتعارض أنشطة معهد جنسا هو الكاتب الصحفي جاسون فيست Jason Vest، الذي ينشر مقالاته في مجلة ناشن The Nation  الأمريكية، وفي أحد المقالات، التي نشرت في أغسطس 2002، أكد الكاتب أن معهد جنسا يضم مجموعة قوية من المحافظين الجدد الذين يؤمنون بشدة أن إسرائيل هي الحليف الأهم للولايات المتحدة في الشرق الأوسط لمساعدة الولايات المتحدة على تطبيق أجندة الإصلاح في المنطقة. وقال الكاتب أيضا أن معهد جنسا يؤيد حزب الليكود الإسرائيلي ويشجع بيع الأسلحة الإستراتيجية والتكنولوجيا المتطورة إلى إسرائيل، ليس بغرض دعم الأمن الإسرائيلي فحسب بل لأن كبار صانعي السلاح في أمريكا على صلة قوية بمنظمة جنسا، ويجنون أرباحاً طائلة من صفقات بيع تلك الأسلحة إلى إسرائيل.

شبكة النبأ المعلوماتية-الاحد 23/نيسان/2006 -24/ربيع الاول/1427