فتنة داخلية.. الدولة الفلسطينية مهددة بالانهيار والافلاس قبل ولادتها..

تبدو الدولة الفلسطينية التي لم تر النور بعد مع سيطرة اسرائيل على تسعين بالمئة من الضفة الغربية مهددة بالانهيار الافلاس اثر الصدام الداخلي بين فتح وحماس والعقوبات المالية المفروضة على حكومة حركة المقاومة الاسلامية (حماس).

فقد اتهم رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل الجمعة رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس ومن دون ان يسميه ب"التآمر" على حكومته بمساعدة الاميركيين واسرائيل بهدف العودة الى السلطة.

وردت حركة فتح السبت في بيان على مشعل متهمة اياه بالسعي الى اثارة "الفتن" في الاراضي الفلسطينية.

وقال مشعل "ان الذي يجري على الارض الفلسطينية هو حكومة موازية بل هو حكومة بديلة تسلبنا صلاحياتنا وحقوق شعبنا. انها مؤامرة".

واضاف "ما زال بعض ابناء شعبنا يتآمر علينا. يقومون بخطة مدروسة للافشال. اليوم لم يحن الاوان لنكشفهم ونفضحهم".

وفي غزة استنكر المجلس الثوري لحركة فتح في بيان تصريحات مشعل واتهمه ب"تدبير الفتن والدسائس بين ابناء الشعب الفلسطيني من خلال أوامر أسياده الذين يريدون فتح معارك جانبية في فلسطين لتحقيق أهداف خاصة بهم".

وقال المجلس في بيانه ان "مشعل يسعى لإثارة الفتن وإراقة الدم الفلسطيني بينما يعيش في مقره بدمشق" واصفا الخطاب ب"الهستيري".

واضاف البيان "ان خطاب مشعل امتلأ بالدسائس والأكاذيب والحقد الأعمى متجاهلا التزام فتح بالقرار الديموقراطي حيث عملت فتح على نقل السلطة بشكل حضاري وباعتراف عربي ودولي" محذرا "من هذه المنزلقات الخطيرة التي يخطط لها أعداء الشعب واستقلال القرار الوطني الفلسطيني بأوامر من أسياده" على حد قول البيان.

من جهته اعلن ناصر الشاعر نائب رئيس الوزراء الفلسطيني ان التصريحات التي ادلى بها مشعل في دمشق لا تمثل وجهة نظر الحكومة الفلسطينية.

وكان مشعل يتحدث خلال احتفال شعبي اقيم في مخيم فلسطين للاجئين في ضاحية دمشق بحضور مسؤولين من حزب الله اللبناني والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ومختلف الفصائل الفلسطينية ووزير الخارجية الفلسطيني محمود الزهار.

وتابع مشعل قائلا "يخطىء الذين يظنون ان افشال هذه الحكومة سيفتح لهم الطرقات بعد ذلك كي يأتوا على السجاد الاميركي الاسرائيلي الاحمر. هناك طريق واحد للوصول الى السلطة هو صناديق الاقتراع".

واكد رئيس المكتب السياسي لحركة حماس التي فازت في الانتخابات في كانون الثاني/يناير الماضي انه "من حق الحكومة ان تشكل قوة لحماية الوطن خاصة انها مجموعة مخلصة جاءت بلا رواتب وجاءت بلا مخصصات".

وجدد مشعل التأكيد على ان حركة حماس لن تعترف باسرائيل وقال "لن نعترف باسرائيل". واكد ان "الانقلاب العسكري الامني المدعوم من الصهاينة لن يكون والشعب الفلسطيني سيفشل المؤامرة".

كما تطرق مشعل في كلمته الى موقف اوروبا مما يجري في الاراضي الفلسطينية وقال "يؤلمنا ان اوروبا التي تعرف المنطقة قد انحازت الى الولايات المتحدة واسرائيل".

ومن ناحيته قال الزهار "يسألوننا ان كنا سنعترف باسرائيل؟ جوابنا هو: لا لن نعترف ابدا بالعدوان على ارضنا".

هذا وكان الرئيس الفلسطيني محمود عباس قد ألغى يوم الجمعة تعيين مسؤول أمني من قبل الحكومة التي تقودها حركة المقاومة الاسلامية (حماس) ليزيد من الشقاق بينه وبين الادارة الجديدة التي تواجه أزمة مالية متنامية.

لكن غازي حمد المتحدث باسم حكومة حماس قال في مؤتمر صحفي في غزة مساء الجمعة ان تعيين جمال أبو سمهدانة الذي يعد من ابرز المطلوبين لدى اسرائيل سيظل قائما.

وعينت حكومة حماس يوم الخميس أبو سمهدانة للاشراف على وزارة الداخلية وتشكيل قوة شرطة جديدة من النشطاء للقضاء على الفوضى.

وافاد مرسوم رئاسي حصلت رويترز على نسخة منه بأن عباس الغى القرارين لانهما يشكلان انتهاكا لقوانين سابقة. وجاء في نص المرسوم أن على جميع قادة الامن والضباط وأفراد الاجهزة الامنية عدم التعامل مع هذه القرارات واعتبارها كأن لم تكن.

وفي المقابل قال حمد للصحفيين ان القرار اتخذ وفقا للقانون الفلسطيني الاساسي الذي يمنح وزير الداخلية الحق في اتخاذ اجراءات للحفاظ على الامن والقانون العام والنظام.

واضاف ان حكومة حماس ستحل الخلافات مع عباس بالحوار.

وينظر الى ترقية ابو سمهدانة باعتبارها محاولة من جانب حماس لتعزيز قبضتها على وزارة الداخلية التي تسيطر على الاجهزة الامنية خاصة بعد أن عين عباس مؤخرا أحد الموالين له وهو رشيد أبو شباك مديرا عاما لتلك الاجهزة.

وهذا هو احدث خلاف بين عباس والحكومة الجديدة بقيادة رئيس الوزراء اسماعيل هنية الذي رفض دعوات الرئيس لمواصلة تحركات السلام مع اسرائيل. ويدعو ميثاق حماس الى القضاء على اسرائيل.

والى جانب الخلاف بشأن السيطرة على قوات الامن وقوامها 60 الف جندي وصلاحيات اخرى بالحكومة اختلف عباس وهنية ايضا بشأن من يتولى السيطرة علي المعابر في قطاع غزة.

وتولت حماس السلطة في 29 مارس اذار بعد ان هزمت حركة فتح التي يتزعمها عباس في الانتخابات التشريعية التي جرت في يناير كانون الثاني الماضي.

ويقضي القانون الفلسطيني الاساسي الذي يعتبر دستورا بانه يحق للرئيس الاعتراض على تعيين مسؤولين بارزين في الحكومة.

وابو سمهدانة هو القائد العام للجان المقاومة الشعبية وهي تحالف يضم نشطاء شنوا تفجيرات وهجمات صاروخية ضد اسرائيل منذ اندلاع الانتفاضة الفلسطينية في 2000. ومن شأن تعيينه أن يساعد حماس في تجاوز ابو شباك.

وقال ابو سمهدانة (43 عاما) لرويترز "سوف أبقى أحمل البندقية وسأضغط على الزناد في أي لحظة للدفاع عن شعبنا."

وقال مسؤول اسرائيلي طلب عدم ذكر اسمه ان ابو سمهدانة لا يزال مستهدفا من قبل اسرائيل رغم تعيينه في الحكومة. واضاف المسؤول الذي رفض الكشف عن اسمه "سنواصل ملاحقته."

ورغم انتماء أبو سمهدانة في الاصل لحركة فتح الا انه كان اختيار حماس لتولي المنصب وله علاقات وثيقة بالحركة.

واصدر عباس المرسوم الرئاسي قبل أن يتوجه في جولة تشمل زيارة دول اسلامية واوروبية لطلب مزيد من المعونات للشعب الفلسطيني وحشد الدعم لمبادرات السلام مع اسرائيل.

وتأتي جولته فيما تواجه الحكومة الجديدة ازمة بسبب قطع المعونات الاجنبية ووقف تحويل عائدات الضرائب الشهرية التي تحصلها اسرائيل نيابة عن السلطة الفلسطينية. وتقول حماس ان حكومتها لا تستطيع دفع مرتبات نحو 165 الف موظف وحذرت من انهيار اقتصادي خلال اشهر.

وقال عباس في مقابلة مع صحيفة لوموند الفرنسية نشرت اليوم "اذا لم تكن الدول الاوروبية تريد الاتصال بالحكومة الفلسطينية فهناك وسائل اخرى للابقاء على المساعدات الموجهة الى الشعب الفلسطيني."

وقطع الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة المساعدات المباشرة للسلطة الفلسطينية بعد ان رفضت حماس التي تولت السلطة في 29 مارس اذار الاعتراف بحق اسرائيل في الوجود ونبذ العنف وقبول اتفاقيات السلام المؤقتة.

كما تواجه السلطة الفلسطينية افلاسا ماليا حيث تعاني من مديونية كبيرة حتى قبل فوز الحركة الاسلامية في الانتخابات التشريعية التي جرت في كانون الثاني/يناير الماضي. وشهد الوضع تدهورا مع تجميد الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة مساعداتهما المباشرة بعد فوز حماس.

فرواتب الموظفين لم تدفع ونسبة تغيب العاملين في المدارس وحتى في المستشفيات كبيرة جدا بينما يقوم مسلحون من حين لآخر باحتلال مبان عامة تعبيرا عن استيائهم لعدم قبضهم اجورهم.

كما ترفض اسرائيل حاليا تسديد عائدات الرسوم الجمركية المترتبة للسلطة الفلسطينية وتبلغ اكثر من خمسين مليون دولار شهريا.

وقالت الامم المتحدة في تقرير مؤخرا ان مليون شخص اي ربع الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة متضررون من الازمة.

وترجم تجميد المساعدات الاميركية والاوروبية بخسارة تبلغ 607 ملايين دولار سنويا مما يشكل تهديدا بافلاس السلطة حسبما ذكر التقرير الذي اوضح ان عدد موظفي السلطة الفلسطينية يبلغ 152 الف شخص.

ومع ان حكومة حماس تلقت وعودا من الدول العربية والاسلامية وخصوصا ايران بمساعدات فان المبالغ التي وعدت بها تأخرت ولا تشكل سوى جزء صغير من الاموال اللازمة لملء الخزينة الفارغة.

وكان رئيس الوزراء الفلسطيني الحالي اسماعيل هنية وعد بتحسين مستوى المعيشة عبر مكافحة الفساد. وهو يدعو الفلسطينيين اليوم الى مقاومة الضغوط عبر الاكتفاء "بالملح والزيتون" اذا احتاج الامر.

واكد وزير المالية الفلسطيني عمر عبد الرازق مؤخرا "لم نصل الى حد الافلاس من وجهة النظر القانونية لكن عمليا نحن لا نملك اموالا". واقر بانه لا يستطيع ان يقطع اي وعد للموظفين في ما يتعلق برواتبهم المقبلة بينما اوقفت المصارف منح القروض للسلطة الفلسطينية التي تدين لها ب640 مليون دولار. وحذر الوزير الفلسطيني من "صومال جديدة" اذا لم تتخذ اجراءات بسرعة.

وتحدث قادة في حركة فتح اصبحوا في المعارضة اليوم باللهجة التحذيرية نفسها. وقال النائب صائب عريقات لوكالة فرانس برس "انني واثق ان هذا الضغط (الدولي) الذي يشكل عقابا جماعيا لن يكون مثمرا في نهاية الامر".

من جهتها تخشى وكالات الامم المتحدة في الاراضي الفلسطينية ازمة انسانية خطيرة رغم وعود المساعدات المباشرة للسكان.

ورأى وزير المالية الفلسطيني السابق سلام فياض المعارض لحماس وكان يتمتع بتأييد الدول المانحة ان مصير الشعب الفلسطيني اهم من حكومة حماس. وقال لوكالة فرانس برس ان "كل الاجراءات التي اتخذت ضد هذه الحكومة ستكون لها آثار سلبية جدا على الاقتصاد الفلسطيني والظروف المعيشية في فلسطين".

والاتحاد الاوروبي هو المصدر الرئيسسي للدعم المالي للفلسطينيين الذين يمدهم ب500 مليون يورو سنويا. ونصف هذا المبلغ يشكل مساعدة مباشرة للحكومة الفلسطينية او يمر عن طريقها. ويطالب الاتحاد الاوروبي وواشنطن اسلاميي حماس بالاعتراف باسرائيل ووقف العنف.

شبكة النبأ المعلوماتية-الاحد 23/نيسان/2006 -24/ربيع الاول/1427