من المباراة الرياضية الى المباراة السياسية

علاء فيصل

أن مجرد حضور لاعب ما في مباراة رياضية معينة لا يدل دائماً على براعة اللاعب وجدارته بل حتى نزوله الى أرض الملعب لا يدل على براعته. في المباريات هناك منْ يدخل اللعبة دون الحصول على المعرفة اللازمة بقواعد وأصول تلك اللعبة متوقعا وربما بالأماني والتمنيات الفوز ومن النوع الحاسم وبكل جزم.

لكن لو سئلت عن أمثال هؤلاء اللاعبين  المراقبَ الخبير الأمين الصريح الذي يمكن أن يبوح لك بكل الحقيقة ودون قناع او حتى دون رتوش فسيقول لك :

أن أمثال أولئك اللاعبين  لن يلعبوا أصلاً حتى يمكن الحكم على نجاحهم او فوزهم من خسارتهم بل يعتبرون أؤلئك أداة لتسلية الأخرين أوكما يعبر عنه ساعة إستراحة أكثر من ان يكونوا لاعبين فاعلين.

تصور ذلك الذي يدخل في مباراة كرة القدم ويلعب باليد !!

السياسة بصورة عامة والسياسة الخارجية بصورة خاصة هي مجال التخصص والبراعة ولعبة كسب النقاط  وبالطبع اللاعب أو الفريق الذي يتمتع ببراعة وديناميكية وعقلانية وجدارة أكبر في فن إدرارة اللعبة هو الذي سيكسبها في النهاية. ولا طريق الى ذلك إلا  بكشف قواعد  اللعبة لكسب النقاط والالية لتحقيق ذلك في ظل معادلة ذات مجاهيل عديدة وكثيرة ومتداخلة ومتشابكة ولهذا يقال في تعريف علم السياسة بانه علم الإدارة للمصالح المتعارضة والكل يعلم مدى إختلاف السياسة وقواعدها على المستويين الداخلي والخارجي ويعلم أن السياسة الخارجية تتمحور على كسب ماهوممكن مما يقع بين الحدود القصوى والدنيا مع التشبث والدفاع عن الحدود القصوى لتدعيم الأمن القومي والمصالح القومية على المستوى الدولي لكن على المستوى الداخلي فهي تعني فيما تعنيه التمكين للشرعية والإقتدار القومي التي تحتل الأولية بالنسبة للمصالح القومية، على ما في كل ذلك من ملاحظات لست بواردها في هذا المقال.

لنرجع الى المثال الذي ذكرناه...أي المباراة ، لابد من تحضيرات وإجراءات يجب أن يتخذها كل فريق قبل خوض المباراة وذلك من أولويات خوض أي مباراة ومن ضمن ذلك  التعرف على قواعد وأصول تلك المباراة.

وما ذا بعد التعرف على قواعد اللعبة الدولية ؟

هل يمكن الدخول إليها مباشرة ؟

هل من الممكن الدخول في لعبة تتشابك فيها المصالح بشكل معقد دون أن نقوم بممارستها على المستوى الداخلي ؟

 هل سيقبل اللاعبون الأخرون بشرعيتنا ويتعاملون معنا كفريق مشروع لو دخلنا اللعبة على المستوى الدولي دون الترتيب والإعداد الداخلي بما ويشمل إختيارالمدرب واللاعبين ؟

وحتى لو قبلوا بنا لسبب اولأخر ألا  تتبدل اللعبة إلى عملية إبتزاز متواصل ؟

لنفترض أن اللعب على ساحة النظام الدولي ومع الأنارشية والفوضى والتعقيدات التي أصبحت من سماته هوالمباراة الأصلية فمن الممكن تسمية السياسة الداخلية بأنها هي مرحلة الإعداد لتلك المباراة.

ما هي قواعد هذه اللعبة إذن ؟

القوة والخبرة المتأتية من التدريب المتواصل في كنف مدرب كفوء وملاعب جيدة ونواد رياضية فاعلة و... الخ هي التي تتحكم في تحديد مصير ونتائج المباريات والتعاملات التي نجريها والتي تعبر حدودنا الحقيقية والمجازية وهي التي تميز اللاعبين من غير اللاعبين.

أن اللاعب الذي يتلقى البطاقة الصفراء يجب أن يأخذ الحيطة والحذر لتفادي الأسوء وهو البطاقة الحمراء والخروج المهين من المباراة وفي بعض الأوقات لابد من إستبدال اللاعب لتفادي هذا الأمر والإحراج أحياناً.

منْ يرفع بالبطاقة الصفراء او الحمراء في المباراة السياسية الداخلية ؟

المعارضة والإعلام ومؤسسات المجتمع المدني والإنتخابات الدورية والمحكمة الدستورية العليا وإستطلاعات الرأي حول شعبية الرئيس اوتأييد الشعب لستراتيجيته في قضية ما و... الخ.

طبعا لكل فريق يخوض المباراة جمهور وهذا الجمهور يأتي لحماية فريقه وتشجيعه في المباراة وعند الخسارة  سيلقي الجمهور اللوم على اللاعبين والمدرب. هذه النقطة هي التي تستدرجنا للدخول في السياسة الداخلية وهنا يحصل التشابك وبكثير من التعقيد بين السياسة الداخلية والخارجية الذي أشرت إليها أنفاً.

الجمهور يريد من فريقه وهو النظام الحاكم الذي يمثلهم في النظام الدولي كسب المباراة مع ضمان إقتصاده وأمنه وحرياته وإحترام مبادئه الى جانب ضمان كل ذلك لجمهور الفريق المنافس وفريقهما.

اي كسب مباراة السياسة الخارجية بعد كسب مباراة السياسة الداخلية فالفريق الذي يمكن ترشيحه للمباريات النهائية العالمية هوالذي فاز في المباريات المحلية فالقطرية فالأقليمية وهو الذي يمكن أن يفوز وفقط اذا توافرت له الشروط الضرورية الأخرى.

تعلم الجمهور أن يقيّم الحكومات على أساس العمل والنتيجة. وهذا ما يمكن ان يضع حدا للتصرفات الأحادية والإرتجالية والأنية للمدرب والذي هوفي مثالنا  النظام السياسي بمفاصله المتمثلة بالمعارضة والأحزاب والإعلام وكل مؤسسات المجتمع المدني.

يجب أن ندخل اللعبة الدولية أقوياء سياسيا وإقتصاديا وإعلاميا ودبلوماسيا وتكنولوجيا وعلميا وثقافيا وصناعيا ونفسيا ودينيا وعسكريا لأن اللعبة خطيرة وليس مكان فيها للضعفاء فالمنطق الحاكم على العلاقات هو منطق القوة والإقتدار بالمعنى الشامل للقوة لجميع المحاور والإتجاهات المتقدمة والديمقراطية الواقعية المستندة الى احزاب ديمقراطية من القاعدة الى القمة هي التي يمكن ان تنقذ الديمقراطية من التشويه والشلل والخلل وأخطار الثورة المضادة، وذلك لتحويل الديمقراطية الى مصدر لا ينضب لإنتاج اللاعبين الماهرين فخلق مقومات القوة والإقتدار لتدعيم الإستقرار والسلام العالمي.

معهد الإمام الشيرازي الدولي للدراسات – واشنطن

http://www.siironline.org

شبكة النبأ المعلوماتية-الاحد 23/نيسان/2006 -24/ربيع الاول/1427