الضغوط النفسية

Psychological Stress and Mental Pressure

علي الحسناوي

المقدمة

لا يمكن اعتبار موضوعة الضغوط النفسية وليدة حالة بشرية أو انسانية مستقلة،  تماماً كما لا يمكن اعتبارها مرتبطة بحالة زمنية محددة بتاريخ معيّن أو مرحلة معينة.

ويمكن هنا من اعتبار الضغوط النفسية التي يتعرّض لها البشر حالة مرافقة للتكوين البشري منذ الخليقة الاولى ولكن وفق مفاهيم الاعراف والقيم التي كانت سائدة خلال تلك الفترة وأيضا وفق التفسيرات الغيبية واللاواعية التي كانت تستخدم لتحليل مثل هذه الظواهر والتقلبات.

 وفي العالم المعاصر وإن لازالت هذه الحالة النفسية سائدة حتى يومنا هذا إلا انها اخذت مفاهيم وتعاريف اخرى اكثر علمية وواقعية ووضوح من التفسيرات الكلاسيكية التي كانت سائدة خلال الفترات السابقة.

ويعود هذا التطور المعرفي في عملية إستحداث وتوضيح وأيضا شرح المفاهيم الحديثة لحالة الضغوط النفسية كجزء من ردود الافعال النفسية المتباينة الشدة والتبعات إلى العديد من البحوث والدراسات القيّمة التي وقف على تفعيلها ونشرها العديد من الاختصاصيين النفسانيين الذين يدينون هم انفسهم بالفضل والعرفان للعديد من المجاميع البشرية التي قبلت ان تدخل ميدان البحوث هذه على شكل عينات احصائية وذلك من اجل إغناء البحوث وبالتالي الإرتقاء بقيم مصداقيتها.

ولا يمكن ان ننظر إلى مدلولات الضغط النفسي وذلك من حيث نشأتها المتفردة بحالة ما بل ان الضغط النفسي حالى مرافقة للاداء البشري وقادرة على الظهور في اي وقت وفي اي مكان.

 وقد ياخذ الضغط النفسي ابعاداً متعددة التاثيرات وذلك وفقأ لإعتبارات المحيط الذي يظهر ويسيطر على الحالة البشرية المشتركة في الفعل الانساني.

 فمن الضغوطات النفسية المهنية بسبب طبيعة العمل إلى الضغوطات النفسية بسبب الإنتماء الفكري أو العقائدي مسافة من التسلسلات ذات التاثيرات المتباينة على البشر.

كما لا يمكن من تعليق الضغوط النفسية على فئة عمرية معينة لانها تكاد تكون حالة مرافقة للتطور البشري على صعيد الفرد الواحد.

الضغط النفسي المبكّر

وهي مجموعة الضغوط النفسية التي يتعرض لها الاطفال والشباب وحتى تجاوز مرحلة البلوغ.

ومثلما يمكن ان يتعرض الاطفال لضغوطٍ نفسية معينة ولاسباب متعددة فيمكن ان يتعرض الشباب وخصوصا عند مرحلة التطور البايولوجي المتعلق بالبلوغ إلى مجموعة متنوعة من الضغوطات النفسية وخصوصا تلك الناشئة عن القلق الجنسي وكيفية تحقيق تطور الرغبات والتكيف مع مرحلة الإنتقال من مرحلة الصبا إلى مرحلة الشباب وعلى صعيد الجنسين.

وقد لا تنتشر النتائج السلبية لهذه الفئة بشكل كبير كما لا يمكن ان تتسبب في إلحاق الاذى بمجموعة كبيرة من العلاقات بسبب محدوديتها ومحدودية تأثيراتها على الشخص ذاته وذلك بسبب مرجعية اسبابها التي أدت إلى ظهور الحالة والتي قد لا تتعدى بعض الرغبات الشبابية عند مرحلة الشباب.

وعلى العكس من ذلك فإنه يمكن إعتبار تعرض الاطفال ومن بداية سن الوعي وحتى إنتهاء مرحلة المراهقة من اخطر المراحل التي يمكن ان تتسبب في آثار نفسية خطيرة يمكن ان تمتد لمراحل عمرية طويلة.

ويؤكد بعض العلماء من ان بعض الاطفال وإعتباراً من سن الثالثة عادة ما يكونون قادرين على تذكر الكثير من الاحداث وكذلك الإحتفاظ بالكثير من الصور والمشاهد التي أثرّت في نفسيتهم أو تركت إنطباعات غير حسنة في مرحلة من مراحل حياتهم وخصوصا تلك التي تتعلق بالإعتداء الجسدي وبأي شكلٍ من الاشكال.

الضغط النفسي المتأخر

وهي مجموعة الضغوط النفسية التي يتعرض لها الافراد إعتباراً من دخولهم مرحلة الرجولة وحتى نهاية المرحلة العمرية. وبالتاكيد فإن مسببات التعرض للضغوط العصبية تكبر في تاثيراتها وتكثر في مسبباتها كلما تقدم الانسان في العمر حتى يصبح القلق من الموت بحد ذاته حالة مشروعة للتعرض للضغط النفسي المتأخر.

ومن الملفت للنظر ان نتائج هذه الضغوطات يمكن ان تمتد لتشمل العديد من العلاقات المرتبطة بالشخص المصاب وخصوصاً على الصعيد العائلي.

وهنا يمكن تقسيم مسببات الضغط غلى حالتين رئيسيتين وذلك حسب دور الفرد ذاته في العملية:

1 ـ مسببات إرادية

تسبب الفرد ذاته بوصوله إلى مرحلة التعرض للضغط النفسي. والمقصود هنا هو دور وعي الفرد وممارساته اليومية وفقاٍ لإنتماءاته الفكرية والمهنية ومديات تقبله لمرحلة المخاطرة والمراهنة على تحقيق غاياته ومتطلبات دوره الحياتي للمحافظة على بقاءه وديمومته.

2 ـ مسببات لا إرادية

خضوع الفرد وبشكل خارج عن إرادته لمجموعة من الضغوط النفسية دون ان يكون له أي دور في تحقيقها أو العمل على تخطيها. وعادة ما تكون الضغوط السياسية والعسكرية خير مثال على وقوع الفرد تحت هذا النوع من الضغوط النفسية ذات المخاطر المتباينة.

كما لا يمكن بحث ودراسة وحتى معالجة هذه الظاهرة بمعزل عن العلوم الاخرى المرتبطة بهذا المجال وخصوصا تلك التي تبحث في علم النفس الاجتماعي وفروعه المتعددة الغايات والمناهج كما لا يمكن دراستها بعيداً عن البناء الاجتماعي العام للمجتمعات التي تكثر فيها حالات الضغط النفسي.

وبما ان حالة الضغط النفسي هي وليدة علاقة اجتماعية معينة بين الطرف الاول المصاب وبين المجتمع كطرف ثان فإنه لابد هنا من ترتيب العلاقة الاجتماعية بين الافراد مع بعضهم البعض أو بين الافراد ومجتمعاتهم  وذلك وفقأ لمفهوم (ليفينغر 1983) والذي يؤمن بأن كافة العلاقات الاجتماعية إنما تتطور وفق خمسة مراحل اساسية هي:

1 ـ مرحلة التقارب

والمقصود هنا هو ذلك التقارب أو التواصل الذي يحصل بين الطرفين ولأي سبب من الاسباب والذي يؤدي بالتالي إلى موافقة الطرفين الغير معلنة على تجربة الآخر. وتظهر هنا العديد من وسائل الاتصال البشري بانواعه المختلفة سواء حوارية كانت أو جسدية أو الاثنين معاً.

2 ـ مرحلة البناء الحذِر

وهي المرحلة التي يتم من خلالها بناء العلاقة بشكلها الاولي والذي يفترض توفر ارضية لم تصل إلى مرحلة الصلابة بعد كون ان عوامل الحيطة والحذر لازالت تدور في فلك هذه العلاقة وان كلا الطرفين لم يصلا بعد إلى مرحلة الوثوق التام ببعضهما البعض.

3 ـ مرحلة الاندماج والتعايش

وتعتبر من ارقى مراحل العلاقة بين الطرفين وعلى ضوءها تتحدد المعالم الاساسية لمستقبل العلاقة نفسها بعد الدخول في عمق التجربة. ويتم خلال هذه المرحلة أيضا التضحية ببعض المباديء الثانوية وليس الاساسية لتحقيق عملية الاندماج هذه.

4 ـ مرحلة الوضوح والمكاشفة

وهنا تظهر العديد من الايجابيات والسلبيات التي تدور في فلك هذه العلاقة وذلك بسبب طبيعة الاحتكاك المباشر والغير محدد بين طرفي العلاقة وبالتالي وصول كلا الطرفين إلى مرحلة متطورة من الافصاح والتعبير المباشر والغير المباشر عن الحقيقة التي حاول الاطراف تغطيتها خلال المراحل الاولى لتكوين أو تشكيل العلاقة.

5 ـ مرحلة الإنتهاء

وهي آخر مراحل العلاقة وذلك عند سقوطها في دائرة اللاتفاهم وخصوصا بعد ان يتبين لكلا الطرفين من انهما لم يكونا موفقا في عملية الاختيار وان هناك العديد من المؤثرات التي لم يُحسنوا دراستها بشكل جيد وسليم بسبب عوامل التسرع والاندفاع.

ويمكن ان تمر هذه العلاقة بهذه المرحلة بسبب عوامل خارجة عن إرادة الطرفين.

ويمكن تعريف الضغط النفسي:

مجموعة ردود الافعال الحسية نتيجة لمواقف الفرد اليومية المنتقلة إلى الدماغ على شكل مواقف وتعابير غير قابلة للترجمة الآنية الامر الذي يؤدي فيما بعد إلى إنحباسها داخل النفس البشرية.

وفي الوقت الذي لا تظهر فيه هذه الانحباسات بشكل فوري إلا انه يمكن ان تترجم فيما بعد على شكل:

1 ـ مواقف إجتماعية ذات طبيعة مرضية نفسية

ويمكن اعتبار حالات الانطواء والانعزال النفسي وكذلك العدوانية واحدة من اهم نتائج وأيضاً مظاهرهذه الحالة. ولا يتمكن الفرد هنا من التعبير عن نفسه بسبب الكثير من العوامل المباشرة والغير مباشرة الامر الذي يدفعه إلى الإفصاح عن نفسه بشكلٍ مغاير تماما لطبيعته الانسانية الحضارية التي كان عليها قبل ان يقبع تحت عوامل الضغط النفسي.

2 ـ مواقف إجتماعية ذات طبيعة مرضية دوائية

وهي تطوراً مَرَضياً للحالة الاولى وهي اكثر وضوحاً كونها تتطلب قناعة كاملة من قبل المريض النفسي بغية معاينتها من قبل طبيب نفسي متخصص في هذا المجال ويمكن اعتبار هذا القبول واحدة من اولى خطوات الشفاء ان تمت السيطرة على الحالة في بداياتها.

ويمكن تقسيم الضغوط النفسية في هذا المجال إلى نوعين رئيسيين وذلك وفق طبيعة ومفهوم العلاقات التي تربط الفرد بالاطراف التالية.

1 ـ الطرف الذاتي

وهي نوعية وطبيعة العلاقة التي تربط فيما بين الفرد وبين ذاته وهي ذات طبيعة احادية التاثير لان الفعل هنا ينشأ في داخل الفرد ليولد ردة فعل تؤثر في الفرد ذاته.

ويمكن هنا التطرق إلى عوامل التوقعات والتخوفات التي يرسمها أو يتصورها الفرد في عقله الباطن والتي عادة ما لا تكون موجودة في الواقع اصلا وإنما تُبنى على مجموعة من التخيلات والتحليلات التي يصدرها العقل الباطن ليقوم الدماغ مرة اخرى بتفسيرها وترجمتها على شكل مخاوف يمكن ان تقع في أية لحظة من اللحظات.

2 ـ الطرف البشري

والمقصود هنا مجموعة العلاقات البشرية والانسانية الحقيقية التي تربط الانسان باخيه الانسان وذلك خلال مسيرة الحياة اليومية وأيضا من خلال المعايشات التي يُقدم عليها الفرد لتحقيق رغباته المتباينة الشدة والمختلفة الاهداف وهي ذات طبيعة ثنائية التاثير كونها تتحدث دائما عن طرفين من حيث مسببات العلاقة بين المؤثر والمتأثر.

وغالبا ما تتأتى الضغوط النفسية هنا على شكل مجموعة من ردود الافعال كنتيجة للمؤثرات التي تتركها أو تخلفها الافعال التي يقوم بها الآخرون اتجاهنا أو ما يريدون منا تحقيقه عند المشاركة سواء على صعيد العمل أو الدراسة أو أي نوع آخر من العلاقات البشرية المتنتوعة.

وتلعب المعادلة الثلاثية الابعاد والمتشكلة من تقاطعات العوامل الاجتماعية والاقتصادية وكذلك السياسية دورا مهما وأًساسيا في تحقيق الغطاء الذي تتفاعل تحته عناصر هذه المعادلة بتقلباتها المختلفة من حيث التاثير على العنصر البشري وعلى شكل مجموعة من الضغوط النفسية.

ويمكن ايضا من تقسيم مصدر الضغوطات النفسية حسب علاقات الفرد إلى:

1 ـ التاثيرات الثنائية

والتي تعتمد على العلاقة الثنائية بين فرد وفردٍ آخر وذلك من حيث التاثيرات التي تتركها هذه لعلاقة عند تعامل الطرفين مع بعضهما البعض. ومن امثلة ذلك تلك العلاقة الخاصة بين الزوج والزوجة داخل المحيط العائلي أو بين المستخدم ورب العمل في ميدان العمل وكذلك بين الطالب والاستاذ في الحقل الاكاديمي.

2 ـ التاثيرات الجماعية

وهي التي تعتمد على حجم التاثيرات التي تتركها العلاقة بين الفرد الواحد كطرف وحيد وبين مجموعة الاطراف البشرية التي تؤثر فيه ومن امثلة ذلك خضوع الفرد إلى رأي الاغلبية التي تتوحد في رايها خلافا لرايه أو موقفه وعلى مختلف الصعدة.

مسببات الضغط النفسي

 وعند النظر إلى العلاقة التي تربط الفرد بمجتمعه فإنه يمكن لنا حينئذٍ من ترتيب مناشيء مصادر الضغط النفسي بطريقة اخرى اكثر شمولية وواقعية وكما يلي:

1 ـ ضغط العوامل الاجتماعية

والتي تنقسم بدورها وحسب تعدد العلاقات الاجتماعية ذاتها إلى علاقات إجتماعية ذات شبكة عنكبوتية واسعة ومتعددة الاطراف والمصالح واخرى ذات علاقات اجتماعية محدودة وبسيطة.

وبالتاكيد فان هذا التقسيم يعتمد على الوضع الاجتماعي للفرد من حيث كونه مثلا متزوجا أو غير متزوج وأيضا عدد الاطفال ان كان متزوجا من حيث ترتيب طتطلبات التكامل والتكافل العائلي وكذلك الوضع البيئي والأسري العام والخاص الذي يعيش في ظله الفرد.

وننطلق من هذه الوحدة الأسرية الصغيرة إلى ميدان العمل لكي نبحث اولاً فيما اذا كان الفرد المعني بالضغوط النفسية عاملاً في مؤسسةٍ ما وما هي حقيقة الضغوطات المهنية التي يتعرض لها داخل ميدان العمل. ثم تتوسع الدائرة لتشمل طبيعة علاقات الفرد مع كافة العناصر البشرية الاخرى في المجتمع وماهية تاثيراتها الاجتماعية عليه حتى نصل إلى حجوم التاثيرات العقائدية والفكرية.

وبالتاكيد فإن كل هذه المتغيرات ضمن العامل الاجتماعي لابد وان تترك ردود افعال معينة على شكل ضغوط نفسية لدى الفرد وإن اختلفت مصادرها وتباينت تاثيراتها.

2 ـ ضغط العوامل الاقتصادية

ولابد ان يدور الحديث هنا عن تلك العلاقة الحسابية بين متوسط دخل الفرد ومستوى الاسعار السائدة في بلدٍ ما. ان مقدار قابلية الفرد على شراء السلع والخدمات الضرورية لتحقيق إكتفاءه الذاتي من متطلبات تَهم الوحدة العائلية لابد وان تنعكس على شكل مجموعة من الضغوطات النفسية من حيث مستوى تفكير الفرد بكيفية المواصلة على تحقيق الأمن الغذائي لاسرته.

ومن هنا نجد ان الافراد الذين يعيشون في دولٍ ذات مداخيل قومية عالية مع توفر عامل التوزيع العادل للثروة يعانون من ضغوط نفسية اقل بكثير جداً وتكاد لا تذكر مقارنة بالدول ذات التوزيع السيء للثروة أو الدول الفقيرة.

وحتى في الدول الاوربية فإن مستوى الضغوط النفسية يرتفع بالتاكيد لدى الدول التي لا تتوفر فيها نظم الاعانة الاجتماعية ( الطبية والمدرسية وغيرها) عن تلك الدول التي يتوفر فيها مثل هذا النظم الاجتماعية السليمة.

3 ـ ضغط العوامل السياسية

وتلعب سياسة البلد الداخلية والخارجية دورا رئيسيا في تحديد الكثير من ملامح حجم وكذلك نوعية الضغوط النفسية التي يتعرض لها الافراد في مجتمعاتهم.

وبتقدير الكثير من العلماء والمختصين فإن هذا العامل يعتبر من اقوى واخطر العوامل ذات التاثير المباشر على المستوى الذهني والفكري للفرد من حيث حجم الضغوط النفسية التي يمكن ان يتعرض لها بسبب أي إختلال في هذا العامل.

ويعود السبب هنا إلى الفرق الواضح في مساحة الحرية على الحركة والانتقال التي يتمتع بها الفرد في ظل أي إختلال بالعوامل الاخرى وإمكانية الفرد بالتالي على الخروج من حالة الضغط النفسي ولو بشكلٍ مؤقت عند تبديله لمجتمعه بشكلٍ كامل أو تحقيق عملية إنتقال بسيطة إلى خارج حدود المؤثرات.

ولا يتمتع الفرد بنفس الحرية هنا كونه مقيّد نوعاً ما من حيث اتخاذ القرار.

4 ـ ضغط العوامل العقائدية والفكرية

ليس من السهولة بمكان ان لم يكن من المستحيل على الفرد ان يعمل على تغييرايمانه العقائدي أو الديني أو إستبدال معتقداته الفكرية والثقافية.

ويعتبر هذا الإنحياز الفكري والعقائدي الهوية الحقيقية للفرد في اي مجتمعٍ من المجتمعات. وبسبب هذه الافكار والمعتقدات فإن الفرد عادةً ما يتعرض إلى مجموعة من الضغوطات المعاكسة في سبيل حمله على تغيير ايمانه الفكري والثقافي بما يتماشى والسياسة العامة للسلطة المركزية. ان حالة التقاطع بين تمسك الفرد بما هو عليه من افكار ومعتقدات وبين تسلط المؤسسات المركزية في حمله على تغيير افكاره إنما تنعكس فيما بعد على شكل سلسلة من الضغوطات النفسية ذات التناثيرات المتباينة على طبيعة علاقة الفرد بذاته وبمجتمعه.

5 ـ الضغوطات الخارجية

وهي مجموعة الضغوطات التي تتركها أو تخلفها الحروب والازمات وكذلك الكوارث الطبيعية والتي يمكن ان تأتي احياناً دون سابق انذار أو استعداد.

ان افضل مثال على هذا الامر هو المعاناة النفسية المكشوفة منها والمغطاة التي ألقت بتبعاتها على سكان العراق وبمختلف مراحلهم العمرية وذلك نتيجة للحروب التي تتابعت على تحطيم مستقبل هذا البلد وغيرت الكثير من الخارطة الثقافية والانسانية للمواطن وألقت به في أتون متاهاتٍ لا حصر لها وخصوصا عند الحديث عن عشرات الآلاف من الاطفال الذين ولدوا وترعرعوا دون رعاية حقيقية من كلا الوالدين وذلك اما بسبب مصرعهما اثناء الحرب أو تغييبهما من قبل السلطة أو إنشغالهما في توفير متطلبات الحياة اليومية. كما يمكن الالتفات إلى النتئج السلبية على نفسية المواطن في يوغسلافيا السابقة وذلك نتيجة لحرب البلقان التي قتلت وشرّدت وكذلك فرّقت الملايين من سكان تلك المنطقة.

ولازال العديد من السكان الذين تضرروا بدرجات مختلفة من كارثة تسونامي الطبيعية يعانون من مختلف الضغوطات النفسية لعدة اسباب قد يأتي في مقدمتها فقدان أسرٍ برمتها أو ضياع موارد الرزق نتيجة لتحطم البناء الاقتصادي في المناطق المنكوبة.

وبالتأكيد فإن أية دراسة يُمكن ان تُجرى على سكان المناطق المتأزمة في السودان وخصوصاً في دارفور سيجد ان السكان هناك يعانون من العديد من الازمات والضغوطات النفسية بسبب إنحدار وتدهورالوضع الاقتصادي في المنطقة.

وتتسبب العلاقة الغير متوازنة بين الافراد مع بعضهم البعض أو بين الافراد ومجتمعاتهم والتي تؤدي فيما بعد إلى مجموعة المظاهر المتعددة من الضغط النفسي إلى مجموعة من النتائج السلبية التي تصيب الفرد والمجتمع معاً. والتي تؤدي أيضا إلى انحسار تام في قوى الابداع على كافة الاصعدة مع تعطيل كامل لعملية الخلق والبناء بسبب غياب حضارية الحوار واحترام الرأي الآخر وخصوصاً حينما تلعب فردية القرار والتزمت بالرأي الواحد دورا كبيرا في هذا الامر.

إن هروب وتسرب العديد من القوى الفاعلة في المجتمع إلى مجتمعات اخرى اكثر حرية وامان بسبب أنتشار عوامل الضغط النفسي في مجتمع من المجتمعات وعدم وجودها في مجتمعات اخرى إنما هو خسارة كبيرة وتفريغ غير معلن للطاقات القادرة على تحقيق عملية البناء والمساهمة في إنتعاش الواقع الاقتصادي والاجتماعي بل وحتى الرياضي في اي مجتمع من المجتمعات.

ويلاحظ بشكل احصائي ودقيق بأن الكفاءات والقدرات المتطورة هي من اكثر العناصر البشرية التي تقع تحت تاثيرات الضغط النفسي وذلك بسبب قدرتها على المقارنة بين ما هو حاصل وبين ما يجب ان يكون وأيضا بسبب عدم توفر الموارد البشرية والمادية لتحقيق رغباتها.

ولا يمكن الحديث بسهولة عن طرق علاج الضغط النفسي وخصوصا حينما يتطور إلى حالة مرضية تتطلب تدخلاً طبيا خاصاً ودوائياً ايضاً.

وعادة ما يُعتبر الإبتعاد عن الاجواء التي تسببت في الضغط النفسي من انجع الوسائل القادرة على التخفيف من حدته وآثاره وهو نفس السبب الذي يدفع بالعديد من الافراد إلى قضاء الإجازات في اماكن بعيدة عن تواجدهم الدائم وخلال فترات طويلة نسبياً وخصوصاً حينما يكون الحديث عن العوامل الارادية وضغط العمل أو زحمة الحياة في مجتمعٍ من المجتمعات.

Alias2155@yahoo.com

شبكة النبأ المعلوماتية-السبت 22/نيسان/2006 -23/ربيع الاول/1427