عندما أقدم الرسام الدنماركي على نشر رسومه المسيئة للمقام
النبوي الكريم كان يعلم حجم الضجة التي ستثار وتأثيرها على سمعة بلاده
واقتصادها والصحيح انه كان يريد ذلك في قرارة نفسه بسبق إصرار، وكذلك
الحال بالنسبة لرئيس عريق مثل السيد حسني مبارك فهو يعلم ما ستحدثه
ملاحظاته حول ولاء الشيعة، فالمسالة لم تكن زلة لسان أبدا كما يتراءى
للبعض،وتصريحاته كانت جزءا من عملية الاستشعار عن بعد حول موقف الشيعة
في البلدان العربية في حالة شن هجوم على ايران وتصريح واحد مثل هذا
يأتي بنتائج أفضل وأسرع وأدق من أبحاث سنوات.
لا احد يجهل مدى قوة ايران وموقعها في المنطقة وهي جارة مباشرة
للعراق الذي يراد طبخ شئ ما له والطبخة ليست محلية وانما هي طبخة دولية
والسيد مبارك يعلم بان جميع الأطراف العراقية مرتبطة بجهة ما ولها
ولاءات فرضتها عليها الأحداث، وهو يعلم بان الطائفية وان كانت فتنة
نتنة إلا انها حقيقة وواقع في العراق وإيران دولة دينية شيعية يحكمها
مراجع وفقهاء والشيعة يرتبطون بمراجعهم والولاء العقائدي أقوى واشمل
وابقى من الولاء السياسي، والحق انه لا يمكن الفصل بين الولاء السياسي
والولاء الفقهي والعكس صحيح و مفهوم السياسة اقل من مفهوم الفقه،
فالفقه كمصطلح سائد كلمة جامعة شاملة وتأثيرها أقوى وان كنت لا أنكر
بان مسالة الأوطان الصغيرة راسخة وان الاستعمار استطاع ان يجعل
القومية فوق الدين والقطرية فوق القومية ولكن قضية الولاء للوطن تظل
نظرية غير إسلامية وهي خدعة كبرى يراد منها تكريس القطرية الضيقة.
ان الرئيس مبارك لم يعرض نفسه لهذا السيل من الانتقادات والاهانات
والشتائم من اجل لا شئ، وتصريحاته يشمل جميع شيعة العالم وليس صحيحا ما
قاله احد زعماء الخليج بان تصريح مبارك لا يعني بلده من قريب او بعيد،
فالتصريح يعني جميع الدول التي فيها شيعة.
ان الأمريكان لا يخافون من ايران كدولة وجيش بقدر ما يخافون من
أنصار ايران في العالم وهذا ما قاله الجنرال الأمريكي انطوني زيني بان
ضرب برنامج ايران النووي سيكون محفوفا بالمخاطر، لان ايران قادرة على
الرد الانتقامي بوسائل عدة ويجب ان لا نخدع أنفسنا ونظن اننا سنوجه
ضربة على المنشات النووية الإيرانية وينتهي كل شئ.
وعليه يمكن اعتبار تصريحات مبارك حول ولاء الشيعة مقدمة لضربة ضد
ايران مع ان هذا الكلام ليس بجديد وقد قالها غيره مرارا وتكرارا
وقالها صدام حسين ولكن رد الفعل لم يكن بهذا الحجم لان عامل التوقيت له
دور كبير في التهمة الموجهة للشيعة الذين تشبعوا بالاحساس بالاضطهاد في
أوطانهم منذ عصور مما يجعلهم يتوجهون الى أخوة لهم هنا وهناك ولو
قلبيا، وان ردة الفعل كانت كبيرة لان مبارك شخص كبير ومهم وكما ان
التهمة كبيرة تستحق الرد عليها لانها قد تثير مشاكل في بلدان عربية
عديدة وحتى إسلامية مثل أفغانستان وباكستان.
وكان على حكومات هذه الدول العربية التي فيها شيعة ان ترد بصورة
رسمية لتفادي محاذير خطيرة، نعم ان تصريح مبارك من الأخطاء الفاحشة
المخالفة للأعراف لأنه تصريح لا يحتاجه الشعب المصري ولا يخدم مصالحه
العليا ولكنه ليس زلة لسان في كل الأحوال، ويبدو ان مبارك كان يريد
بتصريحه من الشيعة ان يعلنوا موقفهم من ايران بصراحة، اما البراءة واما
الولاء، فمبارك صوت مسموع لأنه صوت مصر والدليل عظم الضجة التي حدثت
هنا وهناك.
انه من السذاجة القصوى ان نطلب من ايران عدم الاهتمام بحقوق الشيعة
في البلدان الأخرى كما ان هناك دول عديدة تعمل على ضمان حقوق السنة في
العراق وإيران.
وبقي ان نقول ان تصريحات مبارك جاء ت لجس النبض في وقت وصلت قضية
ايران الى أوجها، مع ان ايران دولة مسلمة وطهران لها مساعي واضحة
لتحقيق التقارب بين الشعوب الإسلامية سنة وشيعة، وهذا ما لا يرضي
أطرافا كثيرة وقد تتعارض مع مصالح تلك الأطراف، وتقارب الدول المسلمة
من ايران ضرورة ملحة لخلق نوع من التوازن ليس في المنطقة فحسب بل في
العالم اجمع، وإيران هي محور شيعة العالم بصورة او بأخرى والتعامي عن
الحقيقة لا تخدم الحقيقة ولا تحجبها.
aabbcde@msn.com |