في مدينة بورتلاند بولاية أوريغون يقرأ الآلاف كتاب "موجّه الطائرة
الورقية" من تأليف خالد حسيني.وفي مدينة براونسبرغ بولاية إندياينا كان
الكتاب المختار كتاب "أيام الثلاثاء مع موري" من تأليف ميتش ألبوم. وفي
مدينة وست بورت بولاية كونيتيكات يقرأون كتابا بعنوان يمكن ترجمته إلى
"الحادث الغريب الذي تعرض له الكلب في أوقات الليل" من تأليف مارك
هادون. وفي منطقة مدينة لوس أنجلوس ، فإن الكتاب كان بعنوان "سكارليت
الصغيرة" من تأليف وولتر موسلي، بينما كان الكتاب في مدينة مليبو
الصغيرة التي تعتبر موطنا لنجوم السينما وهواة التزحلق على الماء فهم
يقرأون كتاب "غيدجيت" الذي يدور حول اكتشاف فتاة للحب ورياضة التزحلق
على الماء.
وكل من تلك البلدات والمدن تبنت كتابا واحدا فقط. وهي بين مئات
التجمعات السكانية في الولايات المتحدة التي رحبت بالمشاركة في برنامج
"كتاب واحد". والبلدات أو المقاطعات أو حتى الولايات المشاركة في ذلك
البرنامج تختار كتابا واحدا وتشجع الجميع على قراءته ومناقشته.
ومعظم تلك البرامج تضع جدولا لأنشطة متنوعة أخرى تساند الكتاب
المختار ، مثل محاضرات عامة، ومقابلات مع المؤلف، ومقالات صحفية،
وحلقات مناقشة جماعية. والقصد من البرنامج هو بناء تجمعات ثقافية داخل
كل تجمع.
من يختار الكتب التي تساهم في تشكيل تلك التحمعات الجديدة؟
غالبا ما تختار المكتبات العامة المحلية من خلال التعاون مع لجنة من
المستشارين الكتب المرشحة لبرنامج "كتاب واحد." وبصفة عامة تعتبر
نانسي بيرل هي مؤسسة برنامج كتاب واحد – ونانسي بيرل هي أمينة مكتبة
سابقة حظيت بقدر من الشهرة عن طريق الدعاية للكتب وترويجها عبر
التليفزيون والإذاعة والمحافل والأحاديث العامة.
وصرحت نانسي بيرل بقولها "إن ما نختاره برويّة، ليس بالضرورة الكتب
الشهيرة التي تثير عادة مناقشات جيدة- وإنما نختار الكتب التي تثير
تساؤلات مهمة حول الخيارات الأخلاقية أو التصرفات الأخلاقية أو معنى
الحياة، ولكننا نفعل ذلك دون أن نلح على الناس بما تدعوا إليه تلك
الكتب."
وتشمل الكتب المختارة طائفة عريضة منوعة من الكتب. ومعظم التجمعات
تختار روايات، غير أن العديد منها يختار كتبا تاريخية أو اجتماعية أو
سيرا ذاتية. والبعض يقرأ الكتب الكلاسيكية القديمة بينما يختار آخرون
أحدث الكتب وأكثرها رواجا . والبعض يختار الكتب التي تدور أحداثها في
مواقع إقامتهم. والفكرة الأساسية هي إشراك أكبر عدد ممكن من القراء في
البرنامج.
وتاريخ هذه الفكرة التي تحظى بشعبية كبيرة تاريخ قصير بدرجة مثيرة
للدهشة. فقد بدأت في مدينة سياتل في العام 1998 حينما دعت بيرل – التي
كانت آنذاك رئيسة مركز الكتاب بولاية واشنطن- إلى فكرة مشروع أطلقت
عليه "ماذا لو أن مدينة سياتل كلها قرأت نفس الكتاب؟"
وحسبما تقول بيرل "لقد كنت آمل في أن تجميع الناس في مكان عام، مثل
المكتبة أو مركز للنشاط الاجتماعي ، للحديث عن كتاب واحد، فإن ذلك
سيسهم في تشكيل مجتمع واحد يتكون من مجموعة من الأفراد المختلفين."
ومن جانبها قالت كريس هيغاشي التي تعاونت مع بيرل في تنفيذ هذا
المشروع إنهما كانتا متوترتين بعض الشئ وقلقتين من الطريقة التي
ستُستقبَل بها الفكرة.
وأضافت "لم تكن لدينا ثقة في أن أحدا سيقبل على المشاركة. وكان
لدينا خوف من أن نظهر بمظهر سخيف جدا."
لكن بيرل وهيغاشي دأبتا على إبداء رغبة ليس لها مثيل في مناقشة
الأدب الجاد. وأقبل الناس، وانتشرت الفكرة بسرعة إلى تجمعات أخرى. وكان
العديد من تلك البرامج مرتبطا بمركز الكتاب الذي كان موجودا في كل
ولاية وتربطه علاقة بمكتبة الكونغرس الأميركي، الذي يحتفظ بسجلات
للمناطق المشاركة والكتب المختارة. وانضم اتحاد المكتبات الأميركية إلى
المشروع بالدعوة إلى ما أطلق عليه حملة القراءة الكبرى، الذي يشجع
المدن والبلدات الأميركية على قراءة كلاسيكيات الأدب الأميركي.
واختارت مكتبة مديمة بورتلاند بولاية أوريغون كتابا بعنوان "موجّه
الطائرة الورقية" من تأليف خالد حسيني ، والكتاب عبارة عن رواية تدور
حول الصداقة والخيانة والافتداء، تجري أحداثها في كل من أفغانستان
والولايات المتحدة. وتوصف الرواية التي جاءت بين أكثر الكتب رواجا
بالولايات المتحدة بأنها أول رواية أفغانية مكتوبة بالإنجليزية.
وقد رتبت مكتبة مالتنوما 40 حلقة مناقشة جماعية للرواية في منطقة
بورتلاند – بأفرع المكتبات العام، وفي محلات بيع الكتب، وحتى في
المقاهي. واشترت مكتبة المقاطعة ستة آلاف نسخة من الكتاب لملاحقة طلب
المترددين عليها. كما تجدر الإشارة إلى أن العديد من اللقاءات الجماعية
غير الرسمية بالمدينة التي عادة ما تضم مجموعات من الأصدقاء قررت قراءة
الكتاب أيضا. وهذه هي مجرد البداية للبرنامج.
ونظم رعاة برنامج "كتاب واحد" عدة محاضرات في أفغانستان مع
المتخصصين الأكاديميين المحليين، وورش تصنيع الطائرات الورقية، وحفلات
تذوق الأطعمة الأفغانية ، وحفلات موسيقية للموسيقى الأفغانية، معارض
للصور الفوتوغرافية، والأفلام، ومسرحية تقدمها فرقة مسرحية محلية من
مدينة نيويورك. وجمعت المكتبة المشاركين في رعاية البرنامج من الشركات
التجارية للمساهمة في توزيع النفقات والمساعدة في التنظيم. كما أفلحت
في إقناع الصحف المحلية بنشر إلاعلانات وإجراء مقابلات مع المؤلف.
وطبقا لما تقوله تيريلين تشان المسؤولة بمكتبة مقاطعة ماتنوما فإن عدد
المشاركين في برنامج العام الحالي 2006 قد بلغ حتى الآن 13 ألف شخص.
وأضافت "إن تلك المشروعات تصبح أكثر ثراء وغنى عندما تدعو شركاء
آخرين للمساهمة فيها." وأشارت إلى أن التجمعات المحلية للأفغان قد
أعربت عن تقديرها العظيم لتلك الفعاليات.
ورغم أن الغرض الأساسي لها هو تشجيع القراءة بصفة عامة، فإن ما ترغب
فيه المنطقة التي يطبق فيها البرنامج هي لب ما يدور حوله النشاط الخاص
ببرنامج كتاب واحد.
وقالت تشان " إن المجتمع في وقتنا الراهن حافل بالعديد من عوامل
التفكك. وبرنامج "كتاب واحد " يمكن أن يساهم في توطيد الروابط بين
الجيران.
وقالت بيرل "إن قراءة ومناقشة نفس الكتاب تبدو لي كوسيلة مناسبة جدا
للتغلب على الاختلافات المصتنعة وتفهم العوامل الإنسانية المشتركة
بيننا."
وفيما يواصل برنامج "كتاب واحد" نموه في الولايات المتحدة يجد
الأميركيون أنفسهم على اختلاف مناطقهم وتجمعاتهم الدينية والعرقية
والاجتماعية متجمعين داخل تجمع آخر يعزز الترابط بينهم ، وهو المجتمع
الأدبي. |