آباء وأمهات تحت المجهـر

الدكتورة كوثرالخالد

إحترام أبنائنا هوإ حترام لأنفسنا وإحترام للاخرين وتكريس للتسامح والتعايش..

من العوامل التي تجعل التربية عملية صعبة يتمثل في إعتماد الأباء والأمهات والمربين والموجهين على الدعوة إلى ما يرونه صائباً بالأقوال والكلمات عوضاً من الأفعال والأعمال لأنه الطريق الأقصر والأكثر سهولة  لكنه لا يؤثر كثيراً. وإذا كان له أثراً فلا يستمر طويلاً, لأنه وببساطة الأفعال أعلى صوتاً من الكلمات المجردة عن التطبيق والتجسيد في السلوك والواقع القائم المعاش المتكرر. لابد للاباء والأمهات أن يتذكروا دائماً بأنهم يمثلون لأطفالهم ومراهيقهم قدوة على مدار أربع وعشرين ساعة في اليوم وسبعة أيام في الأسبوع.

فيراقب الأولاد كيف تعامل أنت الأخرين من:  زملاء ومرؤوسين ورؤساء في العمل والأقرباء, والجيران إلى ساعي البريد, وعامل محطة الوقود والبقال , والعطار والخادم و... الخ.

الأولاد يرون الأباء والأمهات وهم يتعاملون وهم  يتناقشون ويتحاورون مع الآخرين الاف المرات عبر السنوات ويعرفون أسلوبهم وأنماط سلوكهم , وربما يبحثون عن ذلك ويتحررونه, ويتأثرون بكل ذلك تلقائياً واتوماتيكياً وإحياناً بصورة لا شعورية. فلذلك مهما قلنا لمراهقينا مثلاً عن إحترام الاخرين وكنا لا نعامل الناس باحترام , فمن غير المحتمل أن يحترم مراهقونا الأخرين. لأنه لا يمكن لمراهقينا أن يمنعوا أنفسهم من التعلّم منا حتى عندما يمقتون سلوكنا فلو كنا نريد من مراهقينا أن يصبحوا مهذبين ويرعوا مشاعر الأخرين في تعاملاتهم اليومية مع من يقابلونهم, فعلينا أن نتذكر دائماً القدوة التي نعطيها لهم. ولكن أن نخبرهم ببساطة أن يحترموا الآخرين خاصة عندما لا نفعل نفس الشيء – وكيف يمكن لدعوتنا لمراهقينا باحترام الآخرين أن تنجح - وهم يرون ويتلمسون ويتألمون من عدم احترامنا لهم كآباء وأمهات ويشهدون عدم إحترام الأب للأم أو عدم إحترام الأم للأب ولاسيما في المشاجرات التي تنفجر أمامهم والتي تصل إحياناً إلى الصراخ والتنابذ بالألقاب وربما إلى العنف الأسري الذي إنتشر في الغرب والشرق بمعدلات خطيرة.

فلابد للأباء والأمهات أن يتذكروا دائماً بأن سلوكهم تحت مهجر ذكي بصورة متواصلة والجالسون خلف المهجر أولادهم أطفالاً كانوا أم مراهقين وسلوك الأباء والأمهات هوالذي يؤثر إلى جانب العوامل والمؤشرات الأخرى في رسم وتحديد سلوك الأولاد. وما قيل يصدق أيضاً على المربي والمعلم والموجه والقائد وأمثالهم.

والخطوة الأساسية الأولى تتجسد في إحترامنا للأطفال والمراهقين إحتراماً كاملاً  عند التعامل معهم  إذا كنا نطمح أن يحترمنا ألأولاد ويحترموا الأخرين أيضاً دون نفاق أو رياء أو خوف أو تخوف أو مدارة ظاهرية قشرية.

وأقصد بالإحترام الكامل إحترامنا لحقهم في تحديد مصيرهم بأنفسهم عند إختيار التخصص والإختصاص ونوع العمل وإختيار الملابس وإختيار الزوج والزوجة في سن الزواج وما نحوذلك. طبعاً من الصعب علينا أن نحترم عملياً حق مراهقينا في تحديد مصيرهم بأنفسهم لأسباب عديدة منها شعورنا المترسخ بأننا لدينا الخبرة الكاملة بالحياة وإيماننا بأننا نريد فقط أفضل شيئ لهم و...الخ, وكل ذلك وإنْ صح فهو نسبي وليس بالمطلق فهو بحاجة إلى مراجعة ومحاولة حماية المراهقين من كل الأخطاء التي ارتكبناها في شبابنا بالإضافة إلى حمايتهم من الأخطاء التي قد يرتكبونها بأنفسهم وبالإكراه غير مجدية.

إن إحترام مراهقينا يعني تفهم أنهم يحتاجون الفرصة للتجربة فالإختبار أحياناً, وإرتكاب أخطائهم الخاصة والتعلم منها مثلنا تماماً عند ما كنا صغاراً.

وهذا لا يعني أن نتقبل كل ما يفعلونه , أونتخلى عن مسؤولياتنا الأبوية في وضع المعايير, بل إن هذا يعني أننا نحتاج أن ندرك أن مراهقينا لديهم عصرهم وطرقهم الخاصة بهم والتي يتبعونها خلال المراهقة , وأن مهمتنا هي مراقبتهم وأن نكون متواجدين على الفور لهم بالمساندة والمناقشة والإرشاد المدعوم بالأفعال والقدوة والقدوات والقصص والتجارب لا بالأقوال التي ننقضها كل يوم بأفعالنا.

إذا نشأ وكبر مراهقونا في منزل يسوده إحترام حقيقي عملي لذواتهم الداخلية وطريقتهم في التعبير عن حياتهم الداخلية فسوف يطورون نفس القدرة على إحترام الأخرين وإحترام حقوقهم بطريقة طبيعية للغاية, وفي النهاية سوف يستخدم المراهقون هذا الإحترام معنا كأبائهم أو كأمهاتهم. فلو أنهم نشئوا وترعرعوا مع الإحترام فغالباً ما سوف يحترموننا حتى عندما يتعرفوا على نواقصنا ونقاط ضعفنا وسوف يدركون أننا بشراً أيضاً ولسنا كاملين ولكنا لدينا حسن النية تجاههم ونفعل ما في وسعنا تجاههم, وهذا ما يخفف وطأة الضغوط  المترتبة على شعور الوالدين بأن سلوكهما دائماً تحت مجهر الأولاد لكن صدور الأخطاء من الوالدين يبقى محتملاً ولاسيما في تعاملها اليومي ومشاكل الحياة وضغوط العمل والأهم في ذلك:

1- إكتشاف أليات ووسائل عملية مناسبة للحوار بين الزوج والزوجة تقوم على أساس الإحترام المتبادل والنقد البناء والهدوء والحل الوسط والعفو والتسامح لأن ذلك هو الذي يحل المشاكل ويمنح الأبناء قدوة عملية ويحول دون تحول الحوار إلى شجار وهناك كتب ومصادر كثيرة متخصصة في هذا المجال.

2- وأحياناً لسبب أو لأخر يقع الشجار بين الزوجين وعندها يجب أن يتذكرا القواعد الأساسية التي تمنع من وصل الشجار إلى ذروته والتي يجب البحث عنها قبل وقوع الشجار لإستحضارها وتجربتها عند الحاجة ومن هذه القواعد:

- عليك أن تحدد انت وزوجتك اللغة التي ترى أنها غير ملائمة للحديث بينكما تلك التي تساعد في تفجير الموقف وأن تتفقا على تجنب إستعمالها.

- على كل منكما أن يأخذ حقه كاملاً في الحديث والإستماع إلى الأخر.

- اطلبْ تأجيل المناقشة مؤقتاً إذا بدأ أي منكما في فقد أعصابه أمام الأبناء والأطفال.

- تجنبْ أن تنبش في الماضي وتذكر المواقف المثيرة للغضب.

- حاولْ أن تجد طريقة – كان تكون إشارة غير لفظية – تتفق عليها انت وزوجك لتذكركما بالإلتزام بهذه القواعد الأساسية.

3- ورغم كل ما تقدم احياناً تقع المشاجرة بين الزوج والزوجة وأمام الأبناء من أطفال ومراهقين ويتجاوز الخطوط الحمراء لتصل أحياناً إلى الصراخ والتنابذ بالألقاب وربما إلى ما هو أسوأ مما يبعث على القلق من جوانب عديدة منها ما لذلك الشجار من أثار سلبية على الأطفال والمراهقين...لكن القلق لا يحل شيئاً بل يعقد الأمور اكثر مما هي فلا بد من التفكير الإيجابي لمعالجة الموقف ومن ذلك التفكير أن العلاقة التي تقوم بين أي زوجين ولا يحدث فيها أي نوع من الخلاف هي العلاقة التي لا يتحقق فيها اي نوع من التواصل بين الطرفين, لأن الطبيعة البشرية ببساطة لابد وأن يتم فيها تقلب الحالة المزاجية للإنسان, وان تختلف وجهات النظر, وان تنصب مشاعر الغضب التي تقع في غير محلها الصحيح على كيان الأسر بأكملها. وأهم شيئ ينبغي عليكما فعله بعد أن تتشاجرا أمام الأبناء هوان يبادر كل منكما بالإعتذار للآخر أمامهم أيضاً حتى تقدما القدوة الحسنة التي ينبغي الإقتداء بها لتسوية الخلافات التي نشبت (وأحياناً يكون التحدث بهذا الأمر أسهل من القيام به!!). طبعاً ليست الخلافات الصغيرة التي تحدث من حين لأخر هي التي يكون لها تأثير على الأبناء ولكنها تلك الخلافات التي تتحول إلى مشاجرات وتصبح السلوك السائد في العلاقة الزوجية. فإذا كانت مثل هذه المشاجرات تتكرر بصفة يومية , فعليك أن تلجأ إلى الاستعانة بمشورة الأمين المجرب من الآخرين(1).

ومما يؤثر كثيرا في الالتزام بما تقدم فيما يرتبط بتربية الأطفال والمراهقين ومستلزماته المذكورة حفظ ومراجعة واستحضار الآليات القرآنية والروايات الشريفة المرتبطة عن الرسول الأكرم واهل بيته عليهم الصلاة والسلام كالباقة التالية:

قال الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم):

 (أعظم الناس حقاً على المرأة زوجها) (2).

قال الر سول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم):

 (مازال جبرائيل يوصيني بالمرأة حتى ظنتُ أنه لا ينبغي طلاقها إلاّ من فاحشةٍ مُبَيِّنَةٍ) (3).

قال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام):

 (إن المرءَ يحتاج في منزله وعياله الى ثلاث خلالٍ يتكلًّفُها وإنْ لم يَكُن في طبعه ذلك: معاشرةٍ جميلة، وسعة بتقدير، وغيرةٍ بتحصُّن) (4).

قال الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم):

(لا يخدمُ العيال إلاّ صِدِّيقُ أو شهيد او رجلُ يريدُ الله به خير الدنيا والأخرة) (5).

قال الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم):

(منْ كان له أمرأة ُ تؤذيه لم يقبلِ الله صلاتها ولا حسنة من عملها حتى تُعِينه وتُرضِيَهُ وإن صامتِ الدَّهر..... وعلى الرجل مثل ذلك الوِزْرِ والعذاب إذا كان لها مؤذياً ظالماً) (6).

قال الإمام موسى الكاظم (عليه السلام):

 (جهاد المرأة حُسنُ التَّبَعُّل) (7).

قال الإمام جعفر الصادق (عليه السلام):

 (لا غنى بالزَّوج عن ثلاثة ِ أشياء فيما بينه وبين زوجته وهي: الموافقةُ

ليجتلبَ بها موافقتها ومحبتها وهواها، وحُسنُ خُلْقِه معها، وإستعماله

استمالةَ قلبها بالهئية الحسنة في عينها، وتوسعته عليها) (8).

قال الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم):

 (منْ صبرعلى سوء خُلُقِ امرأة واحتسبه، أعطاهُ الله تعالى بكلِّ يوم وليلةٍ يصبر عليها من الثواب ما أعطى أيوب عليه السلام على بَلائه، وكان عليها من الوزر في كلِّ يوم وليلة مثل رَملٍ عالجٍ) (9).

قال الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم):

(منْ صبرتْ على سوءِ خُلُق زوجها أعطاها مثل (ثواب) آسِيَة بنتِ مُزاحِمِ) (10)

قال الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم):

(الشباب شعبة من الجنون) (11).

قال الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام):

(جهلُ الشباب معذور....) (12).

قال الامام جعفر الصادق (عليه السلام) للأحوَلِ:

(عليك بالأحداث، فإنّهم أسرعُ الى كل خير) (13).

قال الامام زين العابدين (عليه السلام):

(لا يعتذرُ إليك أحدُ إلاّ قبلت عذره، وإن عَلمتَ أنّه كاذب) (14).

(إنْ شتمك رجل عن يمينك ثم تحوَّل الى يساركَ واعتذر إليك فاقبلْ عذره) (15).

في الدعاء عن الامام زين العابدين (عليه السلام):

(اللهم إني أعتذرُ اليكَ من مظلوم ظُلِمَ بحضرتي فلم أنصره... ومن مسيئٍ اعتذرَ إلىَّ فلم أعذِرْهُ) (16).

قال الامام الحسن المجتبى (عليه السلام):

(لا تعاجل الذنبَ بالعقوبة، واجعلْ بينهما للاعتذار طريقا) (17).

قال الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام):

(خيرُ ما وَرّثَ الآباء الأبناءَ الأدبُ) (18).

قال الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام):

(الدِّين والأدب نتيجة العقل) (19).

قال الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام):

(أفضلُ الأدب ما بدأت َ به نفسك) (20).

قال الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام):

(ضبطُ النفس عند الرَّغب والرَّهَب من أفضل الأدب) (21).

قال الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام):

(لا أدب مع غضب) (22).

قال الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام):

(لا تُكْثِرَنّ العتاب فانّه يورث الضّغينة ويدعوا الى البغضاء واستعتبْ لمنْ رجوتَ اِعتابَهُ) (23).

قال عزوجل:

(لقد كان لكم في رسول الله أُسوة حسنة) (24).

قال الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام):

(من نصب نفسه للناس إماماً فعليه أن يبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره

وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه) (25).

قال الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم):

 (رحم الله من أعان ولده على بِرِّه، وهوأن يعفوعن سيئته، ويدعوله

فيما بينه وبين الله) (26).

قال الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام):

(الأمور بالتجربة، الأعمالُ بالخُبْرة) (27).

(كفى بالتجاربِ مُؤدّباً) (28).

قال عزوجل:

(يا ايها الذين آمنوا لِمَ تقولون ما لا تفعلون كَبُرَ مقتاً عند الله أنْ تقولوا ما لا تفعلون) (29).

قال الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام):

 (لا تكنْ ممّن يرجوالاخرة بغير العمل... يَنهى ولا ينتهي، ويأمرُ بما لا يأتي) (30).

قال الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام):

 (كفى بالمرء جهلاً أن ينكر على الناس ما يأتي مثله) (31).


المصـادر:

 (1): للمزيد راجع المصدرين:

- كتيّب الجيب للآباء والأمهات – جيلي رتيشلين وكارولين وينكلر – ص- 153-155

- المراهقون يتعلمون مايعايشونه- د. دوروثي لونولين ود. رايشيل هاريس – ص- 160-165

 (2): (كنز العمال: 44771)

 (3): (بحار الانوار: 103/ 253/ 58)

 (4): (تحف العقول 322)

 (5): (بحار الانوار: 104/132/1)

 (6):(وسائل الشيعة: 14/116/1)

 (7): (الكافي: 5/507/4)

 (8): (بحار الانوار: 78 /23/70)

 (9): (ثواب الأعمال: 239/1)

 (10): (بحار الانوار: 103/247/30) (11): (الاختصاص: 343)

 (12): (غرر الحكم: 4768)

 (13): (قرب الاسناد: 128/450) (14): (الدرة الباهرة: 26) (15): (بحار الانوار: 78/ 141/34) (16): (الصحيفة السجادية 147/ الدعاء 38)

 (17): (بحار الانوار: 78/115/11)

 (18): (غرر الحكم: 5036)

 (19): (غرر الحكم: 1693)

 (20): (غرر الحكم: 3115) (21): (غرر الحكم: 5932) (22): (غرر الحكم: 10529)

 (23): (غرر الحكم: 10412)

 (24): (الاحزاب: 21)

 (25): (بحار الانوار: 2/56/33)

 (26): (بحار الانوار: 104/ 98/ 70)

 (27): (غرر الحكم:37-36) (28): (غرر الحكم: 7016) (29): (الصف 2-3)

 (30): (نهج البلاغة: الحكمة 150)

 (31): (غرر الحكم: 7073)

معهد الإمام الشيرازي الدولي للدراسات – واشنطن

www.siironline.org

شبكة النبأ المعلوماتية-الاربعاء 19/نيسان/2006 -20/ربيع الاول/1427