يراقب العراقيون عن كثب الاداء السياسي للأحزاب والشخصيات والكتل
السياسية التي أخذت على عاتقها مهمة قيادة البلد، ويراقب المواطن
العراقي الصراعات المتأججة بين هذه الأطراف وتمسك كل طرف بموقفه تحقيقا
لأهداف نفعية واضحة، ويتذكر في الوقت نفسه ذلك التمسك الأهوج بالسلطة
لقادة كثيرين في العالم وفي العالم العربي على وجه الخصوص، منهم من مضى
ومنهم من ينتظر دوره في الطرد من دورة الحياة.
ويتأسى العراقيون على الحال الذي حل بهم وبممثليهم ممن تسلق
الاكتاف لكي يصل الى قبة البرلمان، ثم ما ان استقر واطمأن على كرسيه
البرلماني حتى بدأ برحلته الماراثونية نحو صراعه الخرافي مع الآخرين من
أقرانه بحثا عن المنفعة الضيقة التي تضع الشعب جانبا وتهدف الى الفوائد
الفردية او الكتلية التي لا يهمها سوى نفسها حصرا، حتى لو ادى ذلك الى
ضياع الدستور والاستحقاق الانتخابي الذي يمثل ذروة التمسك بالتجربة
الديمقرطية الجديدة في العراق.
أما الشعب الذي اعتبر ازاحة الدكتاتورية فرصة تأريخية ومكسبا مهما
له فهو غير مهم ولا يدخل ضمن حسابات واهداف هؤلاء السياسيين الذين
دخلوا دوامة البحث عن المناصب من (أوسع أبوابها).
فبدلا من التمسك بهذه الفرصة وتطوير التجربة الديمقراطية الوليدة
التي حصل عليها الشعب بعد تضحيات جسام، وبدلا من البحث عن الفوائد
الوطنية التي تضع المنافع الضيقة خلف ظهرها، بدلا من ذلك كله وغيره،
طغت نعرة التناحر والتجاذبات بين السياسيين الذين كانوا يعيبون على
غيرهم نزعة التمسك( بالكرسي) في الوقت الذي وقعوا في المطب نفسه بوعي
او بدونه وكلا الامرين ينطبق عليه مضمون البيت الشعري الشهير الذي
يقول( إنْ كنت تدري فتلك مصيبة....أو كنت لا تدري فالمصيبة أعظم)، ولم
يرد مطلقا في حساب العراقيين ان من كان يرفع لواء النضال ضد
الدكتاتورية يقع اليوم في المأزق الاخلاقي والسياسي ذاته.
والمشكلة الخطيرة التي لم يتنبّه لها السياسيون او يتغاضوا عنها هي
الاحتمال الكبير الذي يلوح في الأفق بفرض دكتاتور على العراقيين من قبل(
المحررين) أنفسهم لكي يتخلصوا من ورطتهم أولا ولكي يسحبوا البساط كليا
من تحت القادة العراقيين الذين طالما تنادوا وتناخوا سابقا لتحرير
العراق من براثن الدكتاتورية، ولكن هل تناسى سياسيونا مدونة التأريخ
التي لا تغفل أحدا أبدا، وهل أرادوا بما يفعلون الآن أن يدخلوا هذه
المدونة بأفعالهم الحالية التي تعطي فرصة كبيرة للقوى الدولية من اجل
ابتلاع المكاسب الديمقراطية.
فهل ما تزال الفرصة قائمة بالنسبة لهم كي ينهضوا بالعراق من محنته
الكبيرة، ربما لم تغلق الابواب وبعد ويمكن ان ينتهج السياسيون سبلا من
شأنها الوصول بالعراقيين الى بر الامان ومنها:
1- عدم التمسك بالرأي، وفرض اسلوب لي الذراع ضمن التحالفات في
البرلمان وخارجه لتخصيص المناصب السيادية وغيرها واعتماد الدستور
كوثيقة اجرائية لتحقيق ذلك.
2- اعتماد مبدأ الكفاءة والولاء التام للوطن في ادارة الوزارات
والمؤسسات التابعة لها.
3- زرع وشائج الثقة والحوار البناء المتبادل بين الكتل السياسية
وصولا الى الهدف الاسمى المتمثل بتحقيق حكومة متوازنة همها الاول شعبها
ومصالحه.
4- الابتعاد عن نزعة الاستحواذ وتفضيل الاساليب الوطنية الصادقة
في التعامل مع الازمات الحالية التي تعطل تشكيل الحكومة.
5- نبذ المصلحة الفردية والكتلية وتفضيل المصلحة الوطنية العامة
تحت مختلف الاسباب والتضحيات التي ستسجل لأصحابها حتما.
ان ما نخشاه ان تعود الامور الى نقطة الصفر ونخسر كل شيء وتعود
الديكتاتورية بلباس جديد تحت ذريعة توفير الامن والخدمات مقابل
ديكتاتور عسكري قوي يصادر الحريات والحقوق. |