الانفتاح على الآخر الأُسس والتطلعات

اعداد:  قسم المتابعة

لقد قيل قديماً: (إن الحاجة أُم الاختراع) والانفتاح على الآخر هو حاجة حضارية تقتضيها حالة التجاذب بين الأفكار والمصالح ولذا فإن الابتكار في مسايرة المعرفة بهذا المجال لها ضرورتها مثلما لها أساليبها.

يرتبط أي توجه للانفتاح على الآخر بأسلوب ثقافي أو يحتسب ثقافي مع اختلاف نوع ذاك الأسلوب وطبيعة الموضوع المطروح بعد أن غدى للانفتاح أكثر من مذهب ففي عملية أفضل معاصرةً لفهم رسالة الأديان السماوية تطرح اليوم بصورة مُلحة ضرورة عدم الإساءة للأديان كنوع من الإقرار بقدسية ما أنزله الله سبحانه وتعالى على البشر وتأتي هذه المناسبة بعد محاولة تعيير المسلمين بدينهم الإسلامي رغم كونه الدين الإلهي الأكثر كمالاً واستكمالاً بين كل الأديان السماوية.

وللانفتاح على الآخر تراث ضخم مثبت في التاريخ العالمي وكان رائد ذلك الانفتاح المصلحون الاجتماعيون الذين انهلوا الشعوب بالحكمة ومقتضيات العيش المشترك حتى بين الأنداد الفكريين ولذا فلطالما دفع هؤلاء المصلحون حياتهم ثمناً لما كانوا يؤمنون به من مثل العدالة والإنصاف ولم تهزهم القوى الغاشمة ولذا فقد أعطوا من خلال فهمهم العالي لرسالة الحياة نماذج قدوة رفيعة رغم الشرور التي كانت تحيط بهم من كل جانب.

واليوم فإن العالم يموج بتوالي الأحداث ورغم أن تلك الأحداث فيها انفتاح على الآخر فعلاً إذ تنشر وتبث العديد من الأطروحات والأطروحات المضادة لها لكن ومع شديد الأسف فإن الانفتاح المعاصر بدأ يأخذ صوراً يعبرِّ عن إشكالية قد تزمن لعقود قادمة من السنين بسبب عدم الشعور بالمسؤولية المطلوبة إذ أضحت القوة الشرانية قريبة أكثر من الرقاب المسالمة المنذورة لجلب الفوائد العظمى للبشرية حتى ليكاد أن يطلق أن مصطلح الحصار على الكون الأرضي هو أمر واقع ولا مُحال إلا لمعايشته حتى يأتي الله سبحانه وتعالى بأمر كان مفعولاً.

فكل شيء في عالم اليوم يتغير وعملية التغيير تناقض الكثير من المفاهيم والعادات السائدة وبالذات تلك التي تقوم على السير بركابها كل التطلعات الأخلاقية البناءة.. ونظرة الإنسان إلى مصالحه الحقيقية باتت هي الأخرى مهزوزة في النفوس والناس على اختلاف ما يعتيرهم من أفكار يرضون بمجاملة الوقائع التي لا يعرف أحد كيف تحدث ومن يقف وراءها وبذا فيمكن ملاحظة أن مبدأ (الانفتاح على الآخر) يشهد نسفاً للعديد من أسسه التي كانت في السابق تمثل أملاً للتواصل البشري بأنفاس حضارية بعيدة عن براثن الانفعال السلبي.

وفي إطار الاستيعاب الأفضل للحياة تعيش أغلب المجتمعات حالة من التراخي وهي تنتظر المجهول ويبدو المشهد المكبر تحت مجهر التجربة البشرية الحالية أن خبراء إيديولوجيين يحاولون أن يجعلوا من الانفتاح على الآخر شكلاً بلا مضمون وتنقل لنا وقائع تجربة النصف الثاني من القرن العشرين المنصرم أن العديد من التطلعات قد تم احتواءها بدلاً والعمل لجعل الانفتاح على الآخر إيجابياً وملتزماً به ضمن عملية تنظيمية هدفها إجراء عملية تغيير تعود بالنفع العام على الجميع.

إن للانفتاح على الآخر مدرسة إذا ما عُرف كيفية الانكباب عليها فإن كل الحواجز المفتعلة الموضوعة بين بني البشر يمكن تذوب إذ أن الأهم في ذلك هو توفر حُسن النية والعمل لأجلها والانفتاح على الآخر ليس بالضرورة أن يوحي وكأن هناك شيئاً سياسياً مخفياً حيث أن أي انفتاح مسالم يمكن إقرانه كوسيلة اجتماعية داعية إلى تسييد الفهم الأفضل في عالم لم يدرك بعد أن لديه إمكانات هائلة للعيش الديمقراطي الحقيقي الذي توزع فيه الخيرات على الجميع (القاصي والداني) بصورة عادلة لا يغبن فيها حق لما للانفتاح الموضوعي من محورية عظيمة قادرة على وضع كل أمر في نصابه الصحيح والمطلوب.

لقد قال المفكر (توماس جفرسون) مرة وهو ينوه بصورة لا مباشرة إلى عالم السياسة القريب الذي يحول المسؤولية إلى أداة لا مسؤولة: (عندما يتسلم المرء مسؤولية عامة، يجب أن يعتبر نفسه ملكاً للجميع) وفي هذا القول ما يشير مرونة وتثبيت الغايات النبيلة على أسس راسخة بين التجمعات والشرائح البشرية بعيداً عن أي غاية مفروضة قد تجعل من محاورة الآخر عبر الانفتاح الإيجابي عليه وبالاً يتراوح في مكانه لا يقدم الحياة البشرية خطوة حقيقية إلى الإمام كما يحدث اليوم في إبداء التنوع الشكلي واللاحقيقي في عملية الانفتاح على الآخر فأصل الانفتاح هو في إفادة الناس فائدة غير قابلة للاختزال من حقهم فيه.

شبكة النبأ المعلوماتية-الثلاثاء  18/نيسان/2006 -19/ربيع الاول/1427