سؤال يهمك:
كم من المرات أدركت كمدير مسئول عن أحد المشروعات أثناء تنفيذه
أوبعد التنفيذ أنه كان يمكنك إعادة تنظيم وترتيب خطوات التنفيذ في شكل
يمكن معه القيام بعملية أواكثر في نفس الوقت؟
وذلك إختصاراً للوقت الكلي الذي يستغرقه المشروع... وإختصار الوقت
يعني خفض التكاليف وترشيد الإنفاق، وهذا ما يبحث عنه الجميع في ظل
المنافسة المحتدمة وتحديات العولمة الكبيرة ولابد أن يجاهد ويتفانى في
البحث عنه وتطبيقه من يعاني من شحة في المال والتمويل ويتحرى في كل
الاحوال الإنفاق الشرعي الاخلاقي المسؤول للمال والزمن والعمر دون
إسراف او تبذير او بخل او إقتصاد مفسد.
هناك مؤسسات تنتج سلع كالمصانع واخرى خدمية كمكاتب الطيران واخرى
منتوجاتها فكرية وثقافية مثل المؤسسات التي تنتج الصحف والمجلات
والبرامج التلفزيونية والدراسات والبحوث، ولكل مؤسسة مشروع صغير او
كبير او اكثر من مشروع خلال اليوم اوالاسبوع او الشهر او الشهور او
العام او الاعوام، وكل مشروع يتكون من مجموع من العمليات او الأنشطة
المختلفة التي بإنتهائها جميعاً ينتهي المشروع ويصبح جاهزاً للتسويق
والإيصال الى المستهلك، وعليه فموضوع حديثنا لا يرتبط بالمصانع
والصناعة فقط. وبالرجوع الى السؤال المتقدم لا اتصور ان هناك مديراً
مسئولاً عن احد المشروعات يمكنه أن ينسى عدد المرات التي أدرك أثناء
تنفيذ المشروع اوبعده أنه كان يمكنه إعادة تنظيم وترتيب خطوات التنفيذ
بشكل يمكن معه القيام بعملية اواكثر ومما يجعل حداً لذلك التحسر وربما
الألم هو وضع عملية التخطيط في اطار علمي يمكننا من تخمين الوقت اللازم
لإتمام المشروع، وعواقب التأخير في أية مرحلة من المراحل الى جانب
تقديرات وتخمينات اخرى لها اهميتها مثل تحديد الوقت الأقل والأكثر
اللازم للإنتهاء من تقدم او تأخر المشروع، وكيف يمكننا أن نقدم او نؤخر
تاريخ الإنتهاء من المشروع أو أية مرحلة او مجموعة من المراحل وما هي
التكاليف والوفورات الناتجة عن تلك التغييرات المقترحة وهذه هي الأسس
والفوائد التي يمكن ان نحصدها من طريقة بيرت التی تمّ تطويرها على اساس
إحصائي ورياضي خلال السنوات العشرين الماضية في الولايات المتحدة
الأمريكية، واستعملت على نطاق واسع في مجالات الدفاع والإدارة الحكومية
وإدارة الاعمال.
ويمكن القول أن هذه النتائج والفوائد يمكن إستخلاصها والحصول عليها
ايضاً عن طريق الخبرة والتجربة وإنجاز العملية او النشاط اكثر من مرة،
فسيدة المنزل التي تقوم بطبخ اكثر من صنف اوحتى صنف واحد تكتشف ان
يمكنها ان تغلي الماء في الوقت الذي تقوم فيه بإعداد الخضروات للطبخ من
تنظيف وتقليم وتقطيع وكذلك المدير يكتشف هذه الأمور من إعادة الترتيب
والتنظيم في العمليات الخاصة بالمشروع من خلال التكرار وإعادة القيام
بذلك اكثر من مرة، فالذي سبق ونصب وركّب اكثر من آلة معينة للمصنع يعرف
هذه النقاط من خلال تجاربه وممارسته للعمل ولاداعي لطريقة مثل بيرت
لتقدم له هذه النتائج والمعلومات نعم تطبيق هذه الطريقة يكون أساساً
في العمليات التي لا تتكرر وإنْ تكررت فكل فتره طويلة وبطريقة تختلف عن
السابقة بحيث يتوجب دراستها في كل مرة تبدأ فيها، طبعاً طريقة بيرت
مفيدة حتى في العمليات والنشاطات التي تتكرر للتقيم وهي ضرورية قبل
تجربة الإنجاز الأولى لها.
ولا تنحصر إيجابيات الطريقة المذكورة لإنجاز المشاريع في المؤسسة
لما تقدم بل تساعد في الوفاء بالعهود عندما تكون ملزماً بتسليم المنتوج
في وقت محدد او يكون المنتوج خاصاً بفترة معينة مثل الدراسة التي يعدها
باحثون بهدف تقديم مقترحات عملية ميدانية مقبولة عن سبل تحاشي الحرب
الأهلية في العراق فلابد ان يتم إكمال الدراسة وتسويقها قبل الإنزلاق
الى الحرب الأهلية هناك او مثل المسلسل التلفزيوني الخاص بشهر رمضان
المبارك والذي يجب الفراغ منه وتسويقه للبث قبل حلول الشهر الفضيل بمدة
زمنية كافية، وللمزيد من التوضيح في الإتجاه الأخير نشير الى تاريخ
ظهور طريقة بيرت.
ظهور طريقة بيرت
بدأت طريقة بيرت في ظهور الى مسرح الحياة العلمية والعملية على أساس
المبدأ السائد ((الحاجة أم الإختراع )) التي واجهت الولايات المتحدة في
أواخر الخمسينات في محاولة لتطوير نظام صواريخ ذرية للدفاع عن البلاد
في مواجهة التطور السوفيتي الهائل في هذه الحبهة. وقد كان موضوع
التوقيت والإنتهاء من النظام في اقرب وقت ممكن موضوعاً حساساً له أهمية
القصوى في هذه المشروع.
وقد طورت طريقة بيرت للإجابة على الاسئلة العديدة المتعلقة بالوقت
الذي يسستغرقه المشروع والخطوات الأساسية في تطور المشروع حتى نهايته
وامكانيات إختصار الوقت اللازم لإتمام المشروع. وفي خلال السنوات
التالية اتضح أن خدمات بيرت لا تقتصر على الوقت فقط بل انها طريقة
كاملة للتنسيق وترتيب مراحل المشروع بحيث يمكن معرفة امكانية استقلال
تنفيذ بعض المراحل عن البعض الأخر الى جانب الأوقات التي ينتظر أن تبدأ
فيها وتنتهي أية مرحلة من مراحل المشروع. والى جانب هذا كله طورت
الطريقة ايضاً لتجيب على مشكلة عدم التأكد من التوقيت المقدر ( التخمين
) على اساس الدراسات المسبقة عن طريق عمل تخمينات متفائلة اومتشائمة
لإتمام كل عملية من العمليات اوالنشاطات التي يتكون منها المشروع الذي
يراد إنجازه اوتنفيذه.
وما هي طريقة بيرت؟
قلنا لكل مؤسسة مشروع واحد صغير او كبير اواكثر من مشروع تنجزه خلال
اليوم او الاسبوع او الشهر او الشهور او العام او الاعوام وكل مشروع
يتكون من مجموعة من الانشطة والمراحل والخطوات المختلفة التي بإنتهائها
جميعاً ينتهي المشروع ويصبح معداً للتسليم وجاهزاً للتسويق، فعلى سبيل
المثال إذا اختارت مؤسسة فكرية لنفسها تأليف كتاب حول الأزمة العراقية
يشترك في تأليفه ( 14 ) باحثاً وقررت المؤسسة ان يكون الكتاب في (12)
باباً وكل باب يتألف من (5) فصول فيمثل كل من هذه الأبواب والفصول الـ
(60) عملية اونشاطاً محدداً من مجموع النشطات التي يتكون منها مشروع
تأليف الكتاب المذكور وبإنتهاء جميع الأبواب والأقسام المذكورة تكون
المؤسسة قد فرغت من تأليف الكتاب.
فالخطوة الأولى للتمكن من اللجوء الى طريقة بيرت تتمثل في تحديد
المشروع ( او الهدف ) ووصفه وصفاً كمياً وكيفياً قابل للقياس والمراجعة
ويمهد السبيل لتجزئة وتحليل المشروع الى أجزائه ومكوناته.
بعد ان عرفنا المقصود بالعمليات والنشاطات التي يتكون منها المشروع
ننتقل الى تعريف طريقة بيرت التي تهتم بالتخطيط اولاً والجدولة ثانياً
والمراقبة ثالثاً عن طريق تطبيقها على المشروعات ولا سيما الجديدة التي
تقوم بها إدارة المؤسسة اوتقدم لها لتنفيذها.
ففي عملية التخطيط تقوم الإدارة:
بكتابة وتقدير أنواع النشاطات والأشغال والعمليات المختلفة التي
يتكون منها المشروع ولابد من إنجازها لتنفيذ المشروع المقترح، وكذلك
تقوم بتخمين التقديرات الإجمالية من المواد والآلات والعمال مع تخمينات
للتكلفة الخاصة بكل من هذه المراحل والمدة الزمنية التي تستغرقة كل من
هذه الأعمال.
اما في عملية الجدولة فتقوم الإدارة:
بكتابة وتدوين الأعمال والنشاطات في المشروع الذي يراد إنجازه مع
الترتيب الزمني الواجب إتباعه، وكذلك تحسب الادارة المواد والأعمال
المطلوبة في كل خطوة من الخطوات المدونة الى جانب دراسة الوقت اللازم
والمقدور لإنها كل مرحلة من هذه المراحل بينما في:
مرحلة الرقابة فتهتم الإدارة:
بمراجعة الفروقات بين الاوقات المجدولة في المخطط الزمني والأوقات
الفعلية لتنفيذ هذه العمليات، وتدرس وتحلل هذه الفروقات وتصحح المشاكل
والأسباب التي اوجدت هذه الفروقات إذا ما كان لتصحيح مجالاً.
ما هي المشكلة الأساسية التي تحاول طريقة بيرت معالجتها؟ للإدارة؟
طريقة بيرت تستطيع مساعدة الإدارة في التوصل الى حلّ للمشكلة
الأساسية التي تحاول معالجتها والتي تتمثل في:
إيجاد الحد الأدنى من التوقفات والتعطيلات والتضاربات في مختلف
مراحل المشروع، وتنسيق وتوليف الأجزاء والخطوات المختلفة من المشروع
حتى يمكننا التوصل الى الوقت الأدنى لإتمام المشروع.
والى جانب هذا فان طريقة بيرت تساعدنا في تقدير وحدس الموارد (
آلات، مواد، عمال ) التي يحتاج اليها المشروع المزمع تنفيذه وخلال
التنفيذ يمكن للإدارة أن تكون فكرة واضحة عن الموقف في أية لحظة من
لحظات التنفيذ، وعما إذا كان العطل اوالخلل الطارئ في تنفيذ احدى
العمليات سيؤدي الى تأخير إنجاز وإنهاء المشروع أم أنه يمكن إستيعابه
من خلال الوقت الفائض، وكذلك كيف يمكن تعويض هذا الوقت الضائع عن طريق
إختصار العمليات الأخرى والموارد اللازمة لعملية الإختصار وبالتالي
محاولة إستيعاب الوقت الضائع.
ويجدر بالذكر أن هذه الطريقة ليست معجزة تحل مشاكل الإدارة التي
تواجه عملية جديدة لم يسبق لها القيام بمثلها، وانما هي طريقة يمكن أن
تساعد الإدارة على تحديد المشاكل والتعرف على نقاط ومواضع الضعف في
مراحل التنفيذ والإتمام. فالطريقة المذكورة بمحاورها الثلاث ( التخطيط
– الجدولة – الرقابة ) في تنفيذ المشاريع شأنها شأن جميع طرق علم
الإدارة ما هي الا وسيلة وأداة من وسائل التفكير العلمي السليم الذي
يساعد في حل العديد كم مشاكل المؤسسات حلاً عملياً سليماً، إلا أنه لا
يمكن أن تحلّ محل الإدارة الخبيرة والقادرة والخبراء الفنيين القادرين
على تحليل مراحل المشروع المختلفة وتخمين الموارد والزمن اللازم لكل من
هذه المراحل ومدى تسلسل وترابط جميع الخطوات والمراحل المذكورة في
المشروع.
ما هي الصفات التي تجعل المشروع قابلاً للدراسة فالإنجاز بطريقة
بيرت؟
الصفات والشروط هي:
أولاً: أن يتكون المشروع من مجموعة من العمليات والأنشطة المختلفة
وأن تكون هذه العمليات أو الأنشطة محددة تحديداً كاملاً وأن ينتهي
إنجاز المشروع بإنتهائها كلها، فلا مجال لتطبيق طريقة بيرت إذا كان
المشروع عبارة عن نشاط واحد او نشاطين يلي أحدهما الآخر مثل عملية
الشراء البسيطة التي قد تتطلب توقيع أمين المخازن ثم رئيس قسم
المشتريات.
ثانياً: أن هذه العمليات او بعضها يمكن ان تبدأ بصرف النظر عن بعضها
البعض ولكن من خلال ترتيب معين، او بمعنى آخر يشترط ألا يوجد التسلسل
الدائم والكامل في جميع مراحل وأنشطة المشروع الواحد للمؤسسة، فهذا
التسلسل الدائم المستمر في جميع عمليات المشروع يلغي إمكانية القيام
بتنفيذ بعض العمليات او الانشطة بصرف النظر عن العمليات الأخرى. فمثلاً
إذا كان لدينا مشروع يشترك فيه باحثون عملية لتأليف كتاب في خمسة فصول
وكل فصل يعتمد الإبتداء فيه إعتماداً كلياً على الانتهاء من الفصل الذي
يسبقه، فانه لا مجال لتطبيق طريقة بيرت في هذا المشروع، حيث ان هذا
التتابع المستمر يجعل خط القيام بالعمليات خطاً واحداً وكل ما علينا
هوان نخمن الوقت اللازم لإنهاء كل من هذه العمليات ويكون مجموع هذه
الأوقات ممثلاً للوقت الذي يستغرقه المشروع، ولا يمكن الذهاب الى ابعد
من ذلك في محاولة تحديد المسارات المختلفة حيث ان هناك مساراً ( خطاً )
واحداً لإتمام العمليات، وهوالفصول من الأول الى الخامس بالتتابع.
ثالثاً: أن يكون هناك ترتيب فني محدد لهذه العمليات كلها أوبعضها،
وهذا يعني ألا يكون في الإمكان القيام بجميع العمليات او الأنشطة
المكونة للمشروع في نفس الوقت، واعتباراً من هذا الشرط يجب أن تسبق
بعض العمليات البعض الآخر فنياً، بحيث لا يمكن القيام ببعض العمليات
إلا بعد إتمام البعض الأخر،وكمثال على إنتفاء هذا الشرط هو مشروع تأليف
كتاب يشترك في تأليفه ( 5) مؤلفين ويتكون من ( 5) فصول ولا یتوقف
الإبتداء بأي فصل من الكتاب على الإنتهاء من الفصل الذي قبله اوبعده.
ومن الجدير بالذكر ان فقدان احدى هذه الشروط اوالصفات يجعل من
المشكلة أمر سهلاً نسبياً وقابلاً للحلّ عن طريق عمليات بسيطة
بالمقارنة ولا تحتاج الى اللجوء لطريقة بيرت وتكوين ما يسمى بشبكة
الأعمال وتحدید المسارات المختلفة لمراحل المشروع ( 1 ).
الإستنتاج والملاحظات:
1- بما تقدم من تعريف موجز لطريقة بيرت يمكن مقاربة الواقع أكثرعند
البحث عن إجابات شافية لاسئلة جديدة قديمة مثل:
لماذا يستغرق إنجاز المشروع في بلداننا احياناً كثيرة خمسة أضعاف
الزمن القياسي المتعارف عالمياً؟
لماذا تكلفة إنجاز المشروع اوالمنتوج باهظة عندنا رغم إنخفاض أجور
الايدي العاملة والفنية وإنفخاض الضرائب وحتى مع إستمرار الدعم الحكومي
السخي للصناعة الوطنية احياناً؟
لماذا نرى في كل مكان مشاريع بناء وابراج مصانع مهجورة منذ اعوام
بعد أن هجرت وهي في منتصف الطريق؟
2- لا يمكن إخضاع كل المشاريع لطريقة بيرت لكن وبالشروط المذكورة
آنفاً الكثير من المشاريع ولا سيما التي نريد إنجازها لأول مرة اونريد
إعادة النظر في إنجازها تصلح الطريقة المذكورة للإستنجاد بها لتوفير
المال والزمن وللتمكن من الوفاء بالإلتزامات المحددة بأجل معين
والإلتزامات المتعددة المتداخلة في المؤسسة الواحدة والتي تتزايد مع
الإندماج بين المؤسسات في بعض صورة وحالاته والذي لابد منه في عصر تغول
الشركات الكبيرة والإندماجات الكبيرة المتواصلة على قدم وساق.
3- طريقة بيرت ليست معجزة لحلّ مشاكل الإدارة وإنما هي طريقة يمكن
أن تساعد الإدارة على تحديد المشاكل والتعرف على نقاط ومواضع الضعف في
مراحل التنفيذ والإتمام، فهي أداة ووسيلة من وسائل التفكير العلمي
السليم للمساعدة في حلّ العديد من مشاكل المؤسسات والشركات حلاّ علمياً
سليما وبلغة الأعداد والأرقام المفهومة الملموسة للجميع والتي يمكن ان
تضع حداً للإختلافات والمهاترات والمزيدات والصراعات عند إتخاذ القرارت
وحولها، وتطبيق الطريقة بحاجة من جهة الى الإيمان الإدارة العليا بها
وإصرارها عليها بعيداً عن البيروقراطية وبالتجارب النموذجية المحدودة
في مؤسسة اواكثر، كما انها بحاجة الى الخبراء الفنيين القادرين على
تطبيق طريقة بيرت في مجال العمل عند إنجاز هذا المشروع اوذاك.
4- أهم ما تفرزه طريقة بيرت للعموم يتمثل في تزويد الإدارة والجهة
الممولة للمشروع بمستلزمات لغة الأرقام التي تساعدنا كثيراً لتجاوز
الإختلاف والإختلافات حول مدى جدوائية هذه المؤسسة او تلك اوهذا
المشروع او ذاك من مشاريع المؤسسة والحاجة الى الدمج او الإندماج كما
تسعفنا للخروج بسرعة وسلاسة وشفافية من التوقفات والتعثرات الطويلة عند
إتخاذ القرارات الحاسمة، وليس هذا فحسبْ بل ان الطريقة بمقدماتها
ونتائجها تساعد كثيراً في التقييم والنقد العلمي الموضوعي المحايد
لمسيرة المؤسسة في الماضي ومشاريعها التي انجزتها سابقاً وبلغة الأرقام
والأعداد المقارنة التي تسكت التعصب واللاموضوعية والتحيز وما نحوذلك،
والخطوة الأولى في كل ذلك تتجسد في:
أ – تحديد بالأرقام لأهداف كل مؤسسة وصفاً كمياً وكيفياً قابلاً
للقياس وبعيداً عن الكليات، مثلاً إنتاج ( 5 ) كتب سنوياً وبالحجم
المتوسط، كل كتاب يتضمن ( 12 ) فصلاً، وكل فصل ما بين ( 14 ) وحتى ( 16
) صفحة، كتاب لمخاطبة النخبة و( 4 ) كتب لمخاطبة العموم، ومواصفات
الغلاف والورق والطباعة والإخراج كلها معينة ومحددة، وبذلك يكون
للمؤسسة الثقافية هذه ( 5 ) مشاريع في العام الواحد.
ب – تحليل وتجزئة كل مشروع الى المراحل التي لابد من إنجازها
والفراغ منها للإنتهاء من المشروع كله وذلك بالأعداد والأرقام كما
تقدم، ولنفرض ان كل فصل يشكل مرحلة واحدة فقط وعليه فعدد المراحل التي
يجب إنجازها يصبح ( 60 ) مرحلة.
ت – تحليل وتجزئة كل مرحلة الى الخطوات التي لابد من إنجازها
والفراغ منها للإنتهاء من تلك المرحلة كلها ولنفرض ان كل مرحلة من
المراحل اعلاه تتطلب إنجاز ( 3 ) خطوات للفراغ من المرحلة تماماً وعليه
فعدد الخطوات التي يجب إنجازها في العام يصبح ( 180 ) خطوة للفراغ من
المشاريع الخمسة.
ث- تحليل وتجزئة النشاطات اوالعمليات التي يجب إنجازها جميعاً
للإنتهاء من إنجاز كل خطوة ولنفرض ان كل خطوة تتطلب تنفيذ ( 5 ) نشاطات
محددة موصوفة وبذلك يصبح عدد النشاطات التي يجب إنجازها في العام (
900) نشاطاً للفراغ من تأليف ( 5 ) كتب بالمواصفات المذكورة في البند –
أ -.
ح – تقدير وتخمين الزمن الذي يستغرقه إنجاز كل نشاط من الأنشطة الـ
( 900 ) اعلاه للإنتقال الى تخمين وتقدير عدد العاملين وساعات التعاقد
معهم فتقدير المواد والآلات والاجهزة والوسائل والمكان مع تخمينات
للتكلفة الخاصة بكل من هذه الخطوات والمراحل والمدة الزمنية التي
تستغرقه كل من هذه النشاطات وبالتالي لتقدير التكلفة الإجمالية لكل
مشروع من المشاريع الخمسة ونهاية لتقدير الميزانية الإجمالية للمؤسسة
والخسائر والارباح المتوقعة والأسعار وما الى ذلك مثل: منْ ينجز كل
نشاط؟ ومتى؟ وكيف؟
وبعد هذه الخطوات يجب الإنتقال الى الجدولة التي أشرنا إليها عند
تعريف طريقة بيرت ومن ثم الى الرقابة المتواصلة في التنفيذ بمراقبة
الفروقات بين الاوقات المجدولة في المخطط الزمني والأوقات الفعلية
لتنفيذ النشاطات الـ ( 900 ) المذكورة في هذه المثال المبسط كثيراً
لتقريب الفكرة فقط، وذلك لدراسة وتحليل الفروقات وتصحيح المشاكل
والأسباب التي أوجدت هذه الفروقات إذا ما كان لتصحيح مجالاً لنفرض
لتبسيط الفكرة وتقريبها ايضاً:
ان ( 500 ) نشاطاً من الأنشطة اعلاه هي من شأن المؤلفين والباحثين
وكل نشاط يستغرق (10 ) ساعات من العمل المفيد بينما الـ ( 400 ) الأخرى
يجب ان توعز الى عمال طباعة ( تنضيد ) وعمال تصحيح الاخطاء الطباعية
مناصفة وكل نشاط بحاجة الى ( 5 ) ساعات مثلاً ولا فرق بين التنضيد
والتصحيح وعليه فهذه المؤسسة بمشاريعها الخمس الموصوفة انفاً بحاجة
الى:
( 5000 ) ساعة عمل مفيدة للمؤلفين و( 1000 ) ساعة عمل مفيدة لعمال
تنضيد و( 1000 ) ساعة عمل مفيدة لعمال تصحيح الاخطاء التنضيدية.
الأن وبعد أن توافرت هذه الأرقام يمكن التخطيط للتوظيف ورسم الهيكل
التوظيفي للمؤسسة والحكم على حاجة اي مؤسسة قائمة لإعادة الهيكلة،
لنفرض اننا دخلنا هذه المؤسسة الفرضية وشاهدنا انها وظفت ( 6 ) باحثين
بمعدل ( 8 ) ساعات عمل يومياً وموظفين للتنضيد وثلاثة موظفين للمراجعة
والتصحيح التنضيد وبنفس معدلات العمل اليومي.
لنفرض ان عدد الساعات المفيدة لكل باحث اوموظف يومياً تساوي ( 6 )
ساعات فقط وعدد ايام العمل في العام هي ( 250 ) يوماً فقط،وعليه فهذه
المؤسسة قامت بتوفير:
6 باحثين× 6 ساعات مفيدة يومياً لكل باحث × 250 يوم عمل في العام =
9000 ساعة باحث في الوقت الذي لا تحتاج الا لـ ( 5000 ) ساعة كما تقدم،
اي انه هناك ( 4000 ) ساعة اضافية قابلة لإعادة الهيكلة. كما ان
المؤسسة هذه قامت بتوفير:
2 موظف تنضيد × 6 ساعات مفيدة يومياً لكل باحث × 250 يوم عمل في
العام = 3000 ساعة موظف تنضيد في الوقت الذي لا تحتاج الا لـ ( 1000 )
ساعة فقط كما تقدم، اي انه هناك ( 2000 ) ساعة إضافية قابلة لإعادة
الهيكلة.
وهكذا الحال بالنسبة لساعات موظفين مراجعة النص بعد التنضيد
للتصحيح.
وإعادة الهيكلة لا تعني بالضرورة تسريح الموظفين والباحثين بل يمكن
ان يكون بإستبدال عقد العمل كي لا يكون ( 8 ) ساعات عمل رسمي
اوبالتعاقد على أساس الساعة اوالقطعة وما الى ذلك اويكون الحل بالدمج
والإندماج بين المؤسسات الذي سنتطرق اليه في بحث قادم.
وختاماً فنحن بحاجة الى ثقافة الأرقام ولغة الأعداد للإقتراب من
الحقائق والوقائع وإنقاذ الحوار والإختلاف فالقرار من العقم والشخصنة
والتحيز والتعصب والإنحراف ولغة الأعداد بحاجة الى احصاء وتوثيق ونماذج
للتسجيل وإستعانة جدية بالخبراء وهذا ما لا يؤخذ به بذريعة الحد من
البيروقراطية وهي بريئة من البيروقراطية براءة الذئب من دم يوسف عليه
السلام وعلى نبينا واله الصلاة والسلام.
................................................
( 1 ): للمزيد من التفصيل راجع كتاب:
الإتجاهات الحدثية في الإدارة – للدكتور حمدي فؤاد علي – ص: 279-
291 والذي اخترنا منه ماتقدم بتصرف مع إضافة بعض الأمثلة.
معهد الإمام الشيرازي الدولي للدراسات – واشنطن
www.siironline.org
|