ربما يشكل مفهوم الفقر صورة مرعبة لكثير من الناس بكل ما يعنيه
من انتهاكٍ واضح لحياة البشرية من تدني مستويات المعيشة واراقة ماء
الوجه وهبوط الرفعة الانسانية الى احط المستويات.
لقد رافق الفقر الانسان منذ ولادته على هذه الحياة، وجاءت
تداعياته واضحة ومترجمة باحوال مزرية لجماعات كبيرة من البشر انعكست
بشكلٍ ساطع على جوانب الحياة الاجتماعية ومراحلها.
نلاحظ في بقاع واسعة من الارض غالبية كبيرة من الناس تعاني فقراً
مدقعاً قد هشم النسيج الاجتماعي وافقد هذه الجماعات ادواراً اساسية من
الممكن ان تقوم بها على احسن وجه لو وفرت لها انسيابية واضحة للحياة.
فمعنى ان يكون الانسان فقيراً هو ان ينسحب عن الصورة والواقع
الحقيقي للحياة والتمسك والقيام بأدوار المكافح الذي يصارع لغرض البقاء،
دون وضوح صورة الحياة الاعتيادية التي من المفترض ان يحياها كل انسان.
ومعنى ان يكون الانسان فقيرا ايضاً هو وجود فجوة ( gab ) قوية
نفسية واجتماعية واقتصادية تفصل بينه وبين من يختلفون عنه من البشر في
الامكانات المادية، او الذين حالفهم الحظ وانقذهم او انقذوا انفسهم من
شبح الفقر.
لقد عُد الفقر آفة او معول يهدم اركان النفس البشرية، فما يلحق
الانسان الفقير من ذل السؤال وكدح العيش كفيل بازالة كل معاني الحياة
الرغيدة او الاعتيادية على الاقل منه.
فلا الفقر يوماً سيتخلى عن تهميش الانسان ولا الغنى سيتنازل
لتحقيق العدالة في الارض.
ان اضرار الفقر باتت واضحة في العالم وتُترجم الى تشرد وانحراف
وشذوذ وجريمة وعقد نفسية وغيرها التي ربما سيميط اللثام عنها المستقبل.
بطبيعة الحال خُلق الانسان للتعاون والتنافس مع بعضه البعض، اما
وجود عائق شديد كالفقر يفصل بينه وبين اخيه الانسان، لهو امر غاية في
الصعوبة، فالاغتراب سيكون حليف الانسان الفقير الذي المت به ظروف حياته
فينقم من كل شيء يلمسه، فنرى الفقير متحاملاً على كل شيء وحياته مليئة
بالأمراض والعقد والاضطرابات، وذلك لم يأت به من عندياته وانما الظروف
القاهرة املت عليه ذلك.
ان العدالة بصورتها في الحياة مطلوبة والتكافل هو الاخر شيء
ضروري للحد ولا نريد القول القضاء على آفة الفقر.
فمن جعل هناك شيء اسمه الفقر هم المتكالبين على ظلم الناس واخذ
حقوقهم ونسيان عدالة التوزيع، والانسان وحده هو القادر على اذابة كل
فوارق الفقر بأستأصاله من مجتمعاتنا، الا ان الصورة المأساوية لواقعنا
والافق يشيران الى عدم وعي مجتمعاتنا بما يجب فعله للحد من ظاهرة الفقر
وهل المطلوب اعطاء الفقير واغناءه ام معالجة الظاهرة من جذورها،
وبطبيعة الحال ذلك الفقير ستتحسن حالته، كما ان الفقر لم يعد فقط حاجة
مادية، وانما هناك فقر مقرون بالتخلف والامية والعادات والتقاليد
الجائرة وغيرها.
فأين نحن من ذلك وهل هناك امل نتمسك به ؟! |