
تفاخر تونس بان مواطنيها الأكثر صحة والافضل تعليما في شمال افريقيا
وان نساءها يتمتعن بأكبر قدر من الحقوق على مستوى العالم العربي وانها
نجمة الحرب العالمية ضد الفقر في أعين المعجبين بتجربتها.
أما منتقدي تونس فيرونها دولة بوليسية بحق ويقولون ان افتقارها
للديمقراطية ربما يقوض حركة التحديث التي نمت بعناية منذ استقلال
البلاد عن فرنسا عام 1956.
وبعد مرور نصف قرن على الاستقلال لا يختلف المعسكران على حقيقتين في
تاريخ البلاد الحديث أولاهما امساك حكومة الرئيس زين العابدين بن علي
بزمام الحكم بقبضة قوية وتنامي ثروة أكبر طبقة متوسطة في المنطقة.
ويتساءل التونسيون عما اذا كان احراز مزيد من التقدم يتطلب
ديمقراطية كاملة ويميلون لمناقشة القضية في جلساتهم الخاصة.
ويرى التاجر عبد اللطيف المطوي (60 عاما) ان البلاد حققت انجازات
جلية اذ حققت قطاعات الصحة وامدادات المياه والاسكان تقدما لم يكن يخطر
على بال في عام 1956 .
وقال لرويترز "هناك فرق كبير بين اليوم والامس. حقا كنت أود أن اعيش
فترة شبابي الان حيث تتوافر كل الضروريات والكماليات."
واضاف "اتذكر عندما كنت في العاشرة من عمري.. كانت مياه الشرب لا
تصل الى أسرتي التي كانت تخرج للبحث عنها. ولكن الان الماء الصالح
للشرب والكهرباء متوافرة لكل عائلة."
وبلغ متوسط معدل النمو الاقتصادي في العقد الماضي في ظل حكم الرئيس
بن علي خمسة بالمئة. ويمتلك أكثر من ثلثي الاسر في تونس بيوتا كما
يمتلك خمس السكان سيارة ارتفاعا من العشر قبل عقدين. واضحت الرعاية
الصحية الاساسية متاحة للجميع.
وارتفع متوسط العمر الى 74 عاما مقارنة مع 51 عاما في عام 1961
وانخفض معدل وفيات الاطفال الى 19 من بين كل ألف بدلا من 139 من كل ألف
في عام 1966.
ويقول وزير التنمية محمد نوري جويني "بلادنا تمتلك موارد طبيعية
محدودة ولكنها تمكنت من تحقيق نمو اقتصادي واجتماعي بفضل مواردها
البشرية."
وقللت الاصلاحات الاقتصادية الاعتماد على قطاعي الزراعة والطاقة
المتقلبين ودعمت الخدمات مثل السياحة. ويزور تونس ستة ملايين زائر
اجنبي سنويا كما تربطها علاقات ممتازة مع فرنسا أهم مستثمر وشريك تجاري
أجنبي لتونس.
ويقول منتقدو تونس ان هذه المكاسب مجرد تحسين لصورة جهاز الدولة
الذي يستميت لحماية سيطرته على الحكم.
ويدلل دعاة الديمقراطية على سياسية القمع بواقعة حدثت بوسط العاصمة
تونس قبل أيام قليلة من الاحتفال بيوم الاستقلال في العشرين من مارس
اذار.
فقد تجمع عشرات من المعارضين في احتجاج للمطالبة بمزيد من الحقوق
السياسية الا ان الشرطة قامت بتفريقهم سريعا. ولم تحتج أي حكومة أجنبية
على ما حدث.
ويقول نشطاء في مجال حقوق الانسان ان تونس أفلتت من نفس الانتقادات
التي توجه لحكومات استبدادية اخرى في المنطقة لان الحلفاء الغربيين
يميلون الى التركيز على ادائها الاقتصادي القوي ونجاحها في احتواء
الانشطة الاسلامية المتشددة.
ويرون ان الوقت حان للسعي لتحقيق ديمقراطية كاملة من خلال اتاحة فرص
متساوية لجميع الاحزاب وحق حرية التعبير.
ويقول المحامي عياشي همامي النشط في مجال حقوق الانسان "بعد خمسين
سنة من الاستقلال الانتخابات غير عادلة الحريات غير متدعمة والفساد في
ارتفاع لذا لدينا حق بالمطالبة باستقلال ثان."
وتتهم جماعات حقوق الانسان وبعض احزاب المعارضة بن علي بانه يقود
دولة بوليسية فعليا تختفي تحت عباءة الديمقراطية منذ خلافته مؤسس تونس
الحديثة الحبيب بورقيبة في عام 1987 .
وترد الحكومة بان بن علي ملتزم بتحقيق ديمقراطية حقيقية تدريجيا اذ
بدأ في تطبيق نظام التعددية الحزبية في اوائل الثمانينات وتضيف الحكومة
انها بدأت في الاونة الاخيرة في تقديم تمويل للاحزاب المعارضة الشرعية
لتعزيز الديمقراطية.
وتصر الحكومة على انها لم تتخذ اي اجراء ضد المعارضة بسبب ارائها
وانها تعاقب فقط من ينتهك القانون.
ويعترف منتقدو الحكومة بان بن علي يتمتع بتأييد جزء كبير من مجتمع
الاعمال الذي اثرى خلال فترة ولايته.
ويسيطر حزب التجمع الدستوري الديمقراطي الحاكم على المجلس التشريعي
اذ بمقتضى القانون يحصل الحزب الحاكم على 80 بالمئة من مقاعد البرلمان
المؤلف من 189 مقعدا. وتتنافس الاحزاب الست المعارضة على نسبة العشرين
بالمئة المتبقية.
ويري منتقدون ان هذا غير كاف.
وقال وزير التعليم السابق محمد شرفي لرويترز "الصعب تم انجازه. تونس
حققت نتائج هامة في الخمسينية الفائتة مثل التنمية الاقتصادية
والاجتماعية المعتمدة خاصة على تحرير المرأة."
وأضاف "لكن النظام السياسي في حاجة الى اصلاح والمسار الديمقراطي لم
يتطور بعد في حين ان هذا كان ممكنا ان يتحقق في بضعة اشهر."
وتتهم جماعات حقوق الانسان الحكومة بالتحرش بالصحفيين وضرب
المعارضين واعتقالهم. وتقول انه لا يزال هناك 400 سجين رأي بسبب
معتقداتهم الدينية والسياسية.
وقال المعارض حمادي جبيلي "نحن نطالب بعفو شامل واقامة حوار يجمع
بين مختلف الجماعات السياسية في البلاد."
وجبيلي عضو في حزب النهضة الاسلامي المحظور وقد اطلق سراحه في
فبراير شباط في اطار عفو شمل 1600 معتقل بعد ان امضى 15 عاما في السجن
عقابا له على ما تصفه الحكومة بجريمه. ويقول جبيلي ان جريمته هي
التعبير عن رأيه في صحيفة.
وقال امين عام الحزب الديمقراطي التقدمي نجيب الشابي: اصبح الوضع
السياسي يتسم بالجمود والانغلاق واصبحت السبل الامنية هي الانجع لقمع
كل معارض يواجه السلطة".
واعتبر ان النجاحات الاقتصادية التي تحققت للبلاد لا يمكن ان تخفي
ما حصل من اخطاء كبرى في حق المجتمع ولا يجب ان تكون ذريعة لتأجيل
المسار الديمقراطي والاصلاح السياسي في البلاد.
وشكك الشابي في قدرة الحكومة الحالية على تنفيذ وعودها في المجال
الاقتصادي خلال الفترة المقبلة في ظل جمود سياسي لا يشجع على الاستثمار
حسب تعبيره.
وكان الرئيس التونسي زين العابدين بن علي وعد خلال خطابه الاخير
بمناسبة احتفال تونس بالذكرى 50 لاستقلالها عن فرنسا بمضاعفة الدخل
الفردي مرتين وتقليص نسبة البطالة باربع نقاط الى 10 بالمئة خلال العقد
المقبل.
واشادت واشنطن وعديد من العواصم الغربية مرارا بالسياسة الاقتصادية
والاجتماعية الناجعة لتونس لكن حثتها على مواصلة اصلاحاتها السياسية
وتوسيع هامش الحريات.
وطالب الشابي سلطات بلاده بمراجعة قانون الصحافة والقانون الانتخابي
وقانون الاحزاب وقانون التظاهرات وتعديل الدستور بشكل ينهي "نظام الحكم
الفردي المطلق واختلاط السلطات في يد الحكومة".
لكن الحكومة تقول ان المشهد السياسي اصبح يتميز بتعددية لم تكن
موجودة من قبل وانها تدعم المعارضة ماديا لحثها على مشاركة فعالة.
واعتبر مصطفى بن جعفر امين عام التكتل الديمقراطي من اجل العمل
والحريات ان الوضع الذي وصفه بالمتردي في البلاد يحتاج لاصلاح سياسي
جذري وفوري للشروع في اعادة البناء.
وناشد الحكومة "اطلاق حرية التجمع والتعبير واطلاق المساجين
السياسين لتوفير مناخ ملائم للعمل السياسي."
وتقول السلطات التونسية انه ليس لديها اي سجين سياسي وان جميع
الحريات متاحة بشكل جيد في البلاد وانه لم يسجن احد بسبب ارائه.
ووصف مسؤولون حكوميون زعماء من المعارضة بانهم مناوئون يسعون
للمتاجرة بمصالح بلادهم والاستقواء بالاجنبي على حساب المصلحة العليا
للوطن.
وتميز افتتاح المجلس الوطني للحزب الديمقراطي التقدمي وهو حزب
علماني بحضور ممثلين عن حركة النهضة الاسلامية المحظورة.
وقال زياد الدولاتلي من حركة النهضة انه "لا مستقبل لديمقراطية في
تونس تقصي اي حزب سياسي مهما كان توجهه الايديولوجي".
واعتبر ان اقصاء اي حركة من المشهد السياسي يعرقل مشاريع التنمية في
البلاد وان الضرورة تقتضي التنوع والاختلاف بما ينتج قوة وتعددية
فعلية.
وكان الدولاتلي يشير الى تحالف حركة النهضة الاسلامية مع احزاب
يسارية ضمن هيئة 18 اكتوبر للحقوق والحريات التي انشئت ابان قمة
للمعلوماتية بتونس العام الماضي للمطالبة باطلاق الحريات وسن عفو
تشريعي عام.
ونددت الحكومة التي لاتسمح بقيام حزب سياسي على اساس ديني بتحالف 18
اكتوبر معتبرة انه تحالف مريب يضم قوى ظلامية في اشارة للنهضة.
لكن حمة الهمامي زعيم حزب العمال الشيوعي غير المعترف به قال ان"
قمع الحريات من طرف الحكومة وانغلاق الافق السياسي هو الذي وحد بين
اطياف متناقضة". |