متابعة الملف الامني تعد من اصعب المهام، اذا ما انيطت بصحفي او
باحث، كونها تغطي معظم مساحة الحدث في العراق مادياً ومعنوياً، كما
وانها تذهل المتابع امام نوع وكم تلك الجرائم البشعة، وما استهدفته
وتستهدفه من حرث ونسل لا سيما مساسها الخطير بالقواعد الروحية للذات
العراقية لدى الجاني والمجنى عليه على حد سواء..
فقد تمزق برقع الضمير ومثله العليا لدى الزمر الارهابية ومن
يدعمها، فاستمرؤوا شهوة القتل ورؤية الدم المسفوح بصورة تنافي الطبيعة
البشرية للكائن الذي كرمه الله تعالى على سائر مخلوقاته، بل تجاوزوا
بذلك شريعة الغاب ،لان الحيوان حينما يهم بفريسته تحكمه غريزة ما،
ولعله يستحيي لو شبهناه بالاوباش الارهابيين الذين ما تركوا فعلة شنعاء
الا وفعلوها بضحاياهم.
ولعالم للحيوان غرائب كثيرة تجاوزها بكثير إرهابيو صدام وحلفاؤهم
التكفيريون، ولكنهم من سنخ قتلة الحسين (عليه السلام) او قتلة اصحاب
رسول الله (ص) فما بالك بهم اليوم وقد كفروا بقواعد الدين والاخلاق
والاعراف والقيم الاصيلة التي تطبع عليها مجتمعنا العراقي منذ الازل؟!
مقابل ذلك تتنامى نزعة اخرى لدى ضحايا ذلك الارهاب وما وقع عليهم
من ضرر وضيم واحساس برخص الدم العراقي المراق ، وما يلاحقهم من خطر
داهم في كل مكان في بيوتهم وفي مدارس اطفالهم وفي ميادين عيشهم
وترحالهم وفي مساجدهم وعتباتهم المقدسة..
هذه النزعة تدور بين السلب والايجاب بين اليأس المحبط للآمال من
مصاديق العملية الديمقراطية وكونها الخيار الامثل لتحرير الشعب وبناء
مجتمع العدالة والقانون،او انها الوسيلة لرد اعتباره الذي اهين كثيرا
في العهود السابقة ،فضلاً عن كونها محاكاة لتاريخه الجهادي والنضالي
،ومدعى ثقته بالرموز السياسية والدينية التي امن بها، وتلك حقيقة لابد
من الانصياع لنتائجها ،خصوصاً وقد لمس حجم الهوة بينه وبين بعض الكتل
السياسية التي منحها صوته بعد ان تسابقت الاحداث الجسيمة مع تراخي
الحكومة في الحد منها او يجاد العلاج الشافي والناجع لها، وقد وقع في
دوامة خطيرة تلوح فيها الكثير من ملامح الخوف من المجهول الذي يكاد
يستهدف وحدة الشعب الحقيقية ويسيء لتطلعاته واهدافه ومراميه.
فرهان المواطن على اللعبة الديمقراطية يضعه في قلب الحدث السياسي
منذ خروجه لصناديق الاقتراع لانتخاب الجمعية الوطنية، وقد خبر اصول تلك
اللعبة اكثر من اللاعبين انفسهم، وقد اثمرت عن نتائج باهرة، كونها
معبأة بحس تكليفي بجانب الهاجس الوطني، وبنفس الاحساس استمر فعله
بالرغم من حدس اخر كان يراوده، بعد ان تبلورت غرف ما خلف الكواليس
لتضعه في مهب ريح المزايدات! وقد لعبت ماكنة الارهاب فعلتها مما يمنحها
اكثر من وجه واكثر من بعد..
امتدادات ساحة الارهاب التي اقتحمت كثيراً حصوناً لا يمكن اقتحامها
حتى ولو بحصان طروادة، ومنها هدم مرقدي الامامين العسكريين المعصومين
(عليهما السلام) وهما من الأئمة الاثني عشر و من جوهر المذهب الجعفري
وانتهى الامر.. الا من عواصف اعلامية وردود افعال شعبية استثمرت مثل
(قميص عثمان) كأي استثمار سفياني عرفه تاريخنا الاسلامي، ليكون الجلاد
هو الضحية وتنقلب الصورة ليتحول الامر الى فصل طائفي في عدد من المناطق
ذات الاغلبية المذهبية التي يسيطر عليها الصداميون والتكفيريون..
وبعيداً عن التفاصيل. ولعله ليس أخيراً عندما تفجر شاحنة معبأة
بالحقد الطائفي والسياسي بجوار جامع الشروفي في مدينة الشعب اثر خروج
المصلين بعد ادائهم فريضة المغرب لكي تستحيل تلك الجباه المشرقة بنور
الاسلام الى مزق محترقة وتتحول الى اشلاء تهيم الى الله سبحانه راجية
منه القصاص العادل، بعد ان عجزت قوانين الدولة عن فرض جزائها على
الجناة وشركائهم، اكثر من عشرين شهيدا واكثر من سبعين جريحاً كانوا
ضحايا انفجار سيارة مموهة بالتمر ،حيث كانت محملة بهذه الثمرة المقدسة
و بالمواد المتفجرة وتلك غاية الكفر بانعم الله..
مشهد مؤلم لاب يحتضن طفله وهما جريحان وفوق منضدة المعالج في
المستشفى ،كانا يبتسمان بالرغم من آثار الحرق التي غطت وجهيهما.. انهما
قبيل لحظات من الانفجار كانا يقيمان الصلاة، وقد انفسح الافق امام
انظار ذلك الصبي ليرى معنى الايمان مجسداً، انه يبتسم اليوم كاوضح
رسالة لاعداء العراق ولاصدقائه ولكل من حمّله هذا الصبي واهله امانة في
ان يوصله الى بر الامان.. وتلك رسالة لا تحتاج الى تأويل.
alwohaily@yahoo.com
|