اشيع أخيرا ان الرئيس الامريكي جورج بوش قد بعث برسالة الى الامام
اية الله العظمى السيد علي السيستاني لم يكشف النقاب عن محتواها الا
النزر اليسير بتأكيده على دور هذا الرجل العظيم في انجاح العملية
السياسية.
وقد افادت بعض المصادر ان الرسالة ارسلت عبر وفد خاص ولم يفتحها
السيد الجليل بل وضعها جانبا وقد اصدر مكتب المرجعية الرشيدة كما
تناقلته الاخبار تصريحا يكذب ما اشيع حول رسالة السيد بوش.
ويوم ألاثنين شكرت وزيرة الخارجية الامريكية التي حطت وزميلها بشكل
مفاجئ في بغداد السيد السيستاني على مواقفه الايجابية تجاه العملية
السياسية ودوره الحيادي في مسئلة الترشيحات لرئاسة الوزراء.
الملاحظ تاريخيا ان علماء الشيعة بعكس علماء الطوائف الاخرى لعبوا
دورا هاما واساسيا في قضايا محورية تخص الامة والمجتمع وساهموا
بمواقفهم الواعية على حماية ارواح الناس ونشر الاستقرار والامن ‘ وهذا
المنهج الراقي والانساني اكتسبوه من مدرسة اهل البيت (عليهم السلام) في
ان يكونوا في صدارة الداعين الى قيم الفضيلة والعلاقات الحسنة مع ابناء
المجتمع الواحد او مع سائر المجتمعات والامم .
وقد كان لرسولنا الاكرم (ص) موقفا واضحا وصريحا في مجال العلاقات
العامة وعقد المعاهدات والصداقات المبنية على اسس الاحترام والاخاء
سواء ما كان يتعلق بمكونات المجتمع الجزيري او بالكيانات الاخرى
القائمة على ثغور الدولة الاسلامية كالفرس والروم والامبراطوريات
الاخرى في مصر وغيرها .
واليوم مع تصاعد المد الارهابي الذي تمارسه طائفة من المسلمين ضد
الشيعة والحرب التي تشنها تلك الطائفة ومن طرف واحد ضد اتباع اهل البيت
من دون ان تواجه برد انتقامي رغم ما يحاول اعلام العرب الاموي من تصوير
عمليات القتل والتفجير التي في اغلبها ان لم نقل كلها تطال الشيعة وليس
غيرهم، ورغم ان الاعلام لا يحاول تسليط الاضواء على الاطراف المجرمة
الارهابية التي تتابع سياسة القتل والاجرام والاغتيالات منذ سقوط الصنم
الصدامي ويسعى لتصوير ما يجري بانها "حرب طائفية"، ورغم ما يحاول البعض
من ان يقلب الامور وتزوير الواقع ونشر الاكاذيب على الطريقة التي
تعلمها من مدرسة البعث بقوله ان "هناك فقط في بغداد يقتل يوميا 50 سنيا"!!
وهو رقم تتسائل حتى وكالة رويتر للانباء عن مصدره ومن اين اتى بمثل هذا
الرقم الذي لانشك نحن ان هذا العجوز المتخرج من مدرسة اجرام غوبلرز
البعث يحاول تصوير الضحية بالجلاد والجلاد بالضحية.
ومع تصاعد هذا المد الارهابي وتمادي البعث واتباعه وازلامه وشركائه
في عمليات القتل والذبح على الهوية ورمي ذلك على المجهول فان مراجع
الشيعة وعلى رأسهم السيد السيستاني ملتزم بضبط النفس وبردع اتباعه
وشيعة اهل البيت من اي رد فعل انتقامي وهو امر يحسبه الطائفيون جبن ولم
يقرأوا تاريخ الشيعة والتحفظ الشديد في مسئلة الدماء والتي لن يتورع
الطرف الاخر من الغوص فيها وهذا الامر هو الذي اثار اعجاب العالم
والغرب والولايات المتحدة في ان ينظروا الى الطرف الشيعي كأناس مسالمون
عن حب واخاء وانسانية وليس جبنا وخنوعا..
المرجعية الشيعة بكل اطيافها لن تبحث اليوم عن دور لنفسها بقدر ما
انها اصبحت وعاء للحفاظ على السلم الاهلي ووحدة الصف الوطني ومحاربة
الارهاب ورفض عمليات القتل والابادة التي تمارس بحق الاغلبية من قبل
اقلية خرجت من ايديها السلطة والى الابد وهذا ما استدعى لان يثني السيد
بوش على موقف المرجعية الشيعة وتضع ادارته لها اعتبار وتقدير.
ولكن في نفس الوقت هل من الصحيح ايضا ان تكون المرجعية بعيدة عن
الشأن الدولي السياسي واستقبالها للوفود الاجنبية التي تلعب دورا في
العملية السياسية الجارية في العراق ؟
هناك اطراف غير شيعية لها مرجعيات تمارس دورا سياسيا علنا لها مكاتب
ومراكز يقصدها الاجانب والسفراء ولا نريد هنا ذكر الاسماء وهم من خلال
هذا التعاطي السياسي والاعلامي يحاولون استغلال الموقف لاجل مشاريعهم
الطائفية بل وفي احيانا كثيرا ايصال الافتراءات والاكاذيب وتقارير
مزورة ومقلوبة عن الوضع السياسي وعن الشيعة ودورهم في العملية السياسية
وهناك وفود ترسلها تلك المرجعيات الى الدول الخارجية من اجل شرح
مواقفها او كما قلنا ايصال تقارير خاطئة عن الوضع فيما المرجعيات
الشيعية مازالت لاتملك رؤية واضحة حول هذا الامر بل هناك نوع من
الضبابية تلف موقفها وهو بلا شك يمثل حالة من الاحباط باالنسبة لنا
كشيعة وبحاجة الى اعادة نظر تنسجم والتحديات التي تواجه الشيعة تكون
مرنة وفق معطيات الوضع السياسي .
نحن نعلم ان الرسول الاكرم (ص) كان يفاوض في نفس الوقت الذي يعقد
فيه المعاهدات مع اعداءه وخصومه في الجزيرة العربية كان يبعث برسل
ووفود الى الخارج الى ملوك الفرس والروم والقبط وكان ساعيا لفتح افاق
العلاقات الدولية بحكمته وحنكته دون اي اعتبارات جانبية وكان يستقبل
الوفود من الخارج وهذا الامر كان له صدى وسط المجتمع الاسلامي وحتى
البدوي الذي كان مايزال وحتى وقت قريب منغلقا على نفسه وقبيلته ضمن
البادية والصحراء واليوم وبفعل التطور التكنولوجي وسرعة وصول المعلومات
فان المرجعيات الشيعية بحاجة الى اليات حضارية وواضحة لتفعيل هذا الامر
دون اي تحفظ او مخافة ردود ما يتقوله الاعداء الارهابيين والطائفيين .
لنكن اكثر وضوحا ان مرجعياتنا الشيعية حفظها الله تتهم من قبل
الطائفيين والمتربصين بمذهب اهل البيت (ع) بانها منغلقة ومتعصبة وانها
تعيش الاوهام وبعيدا عن الواقع فيما لو اننا امعنا كثيرا وحاولنا تجريد
القوم من سخافاتهم كان من اللزوم ان لا نرفض اي وفد اجنبي يود اللقاء
بمرجعياتنا الشيعية بل وضعنا آليات معينة في هذا الخصوص يخدم مصالح
الشيعة ويؤهلهم ليكونوا حقا رسل السلم والسلام والامن والاخاء ولعل
مبادرة للحوار الذي دعى السيد عبدالعزيز الحكيم اليه كلا من ايران
وامريكا ووافق عليه قائد الجمهورية الاسلامية جديرة بالتأمل وهي خطوة
يمكن ان تفتح لمرجعياتنا الشيعة بابا للانفتاح على الاخرين وللحوار
وايجاد سبل اكثر فعالا للتفاهم كي لا نؤخذ على غرة وكي لا نسمح للاخرين
ان يتفاوضوا نيابة عنا او يدخلوا في صفقات على حساب مصالح شيعة العراق.
خاصة في وان هناك تقارير تتحدث عن وجود نية لدي اطراف الحوار لتحميل
المرجعية الشيعية ضفوطا تتنازل عن مكتسبات استراتيجية للخصم الشرس
وللطائفيين قد تضر بدور الشيعة ومستقبلهم في العملية السياسية.
لذلك ولتفادي التداعيات والاحتمالات السياسية لاطراف الحوار ولامور
اخرى تخص مصالح الشيعة نجد ان على المرجعيات الشيعية في العراق ان تكون
حاضرة بشكل فعال واكثر جديا في الحراك السياسي وتفتح افاقا جديدة في
علاقاتها الدولية كي لا يتبرع الاخرون للتفاوض او التحدث باسمهم . |