مدخل منهجي:
من أول يوم في السنة الهجرية المباركة وإلى غاية آخر يوم منها،
تزاحمنا الذكريات الإسلامية العظيمة عظمة حكمها البليغة وأبطالها
الخالدين ، لتثير فينا دفائن العقول وبصائر القلوب ،وتنهض بواقعنا من
اضمحلاله وتقهقره وانشغاله بمدلهمات الدنيا واستغراقه في النفس وتزيين
عدوه، إلى إشراقة الأرواح وقربها من الطهر والعصمة ومسارعتها في ميادين
المشتاقين ودنوها من الله دنو المخلصين وقربها من الله تبارك وتعالى
بإحياء ذكرى أجمل أرواح عابدة وذاكرة وشاكرة وراجية ومعتصمة.
فقد حلت علينا منذ شهر ونيف ذكرى بكت لها السماوات والأرضين وبكى
لها آدم عليه السلام في الجنة واضطربت عند بلوغ محل وقوعها سفينة شيخ
الأنبياء نوح على نبينا وآله وعليه الصلاة والسلام ، إنها فجيعة مقتل
سبط النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم أبي عبد الله الحسين
عليه السلام وآله عليهم السلام وأصحابه رضوان الله عليهم في كربلاء
وجاءت ذكرى شهادة الإمام الحسن المجتبى عليه السلام وبعدها ذكرى شهادة
الإمام السجاد عليه السلام ثم أربعينية الإمام الحسين عليه السلام ،ومع
قرب تمام شهر صفر نزلنا بمحط زمني ثقيل حمله كثقل يوم كربلاء وعظيم
وعيه عظم الإسلام كله إنه شهادة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم
رحمة الله للعالمين، شهادة تمر على السواد الأعظم من المسلمين بشكل
بسيط غريب، حيث سألني أحد الأصدقاء من عامة المسلمين ماذا تحيون هذه
الأيام؟ فقلت له ذكرى إستشهاد النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وآله
وسلم، فبهت وقال : والله لا أعلم متى توفى نبينا محمد(ص).
للأسف معظمهم لا يعلم اليوم الذي رحل فيه خاتم الأنبياء والمرسلين
عن الدنيا، ولم يتساءل لماذا نعرف ذكرى مولده ونجهل ذكرى شهادته؟
في هذا المحط الزمني تساؤلات صاخبة ومقاربات رهيبة تطفو على السطح
الفكري والعقائدي والفقهي والسياسي الإسلامي، في حال محاولة المسلم
المخلص التقي استيعاب الفصل الأول للتاريخ الإسلامي،هنا أركز على كلمة
الإخلاص والتقوى في هذا المبحث لأن هذا الفصل حساس جدا في معظم فقراته
لكن خاتمته صاعقة عظيمة وجليلة تلقي الضوء على المعنى الحقيقي للإسلام
وخطوطه العريضة ...
وفي نفس هذا الزمن الإسلامي نهاية شهر صفر، نلتقي بعالم آل محمد
الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام في يوم شهادته لنستلهم دور العلم
في ترشيد الحزن والفرح لدينا ودور العلم في ترتيب علاقاتنا بالتاريخ
الإسلامي ودوره-العلم- لتركيز معنى الحب الولائي والرسالي المسؤول في
الإسلام، مع الإمام الرضا عليه السلام في ذكرى شهادته كما ذكرى مولده،
هناك خلاصة إسلامية تخاطب العقل والروح بثقافة الحياة الإسلامية ، لأن
ذكراه هذه ككل ذكريات استشهاد أجداده وأولاده عليهم الصلاة والسلام
تحرك الوعي التاريخي أكثر، كون الحزن على الأحبة يفلسف الأحداث والروح
تبقى تتناغم مع العقل في كل خلجاتها للإصلاح والثبات السليم والتطلع
الأكرم، أما الفرح فرونقه يختلف كما وكيفا ونتاجا عن الحزن الذي
يرسل له –للفرح- الوعي الرسالي للزمن. إن الحزن على النبي الأكرم صلى
الله عليه وآله وسلم وعلى آله الأطهار عليهم السلام هو حزن يصنع الفرح
الخالد فينا وفرحنا بذكرى مولده صلى الله عليه وآله وسلم وذكريات ميلاد
آله الأطهار عليهم السلام، يعطي للعقل والروح فينا إشراقات جديدة
للرجاء والإقتداء والصحبة الطيبة للأنبياء والأوصياء والصالحين .
هذا نزر يسير من فيض الزمن الإسلامي الذي يبعث لنا من ثمره الطيب في
كل حين، ما يطهر به عقولنا وقلوبنا، ونبقى ندنو من الثقلين أكثر فأكثر،
ونزيد من حزمنا وحراكنا وإعلامنا الرسالي بأن نخاطب إخواننا بما يطيب
النفوس ويطهر القلوب ويوحد الصفوف ونبتهل إلى الله أن يبلغنا منتهى
رضاه عنا ويوحد المسلمين على كلمة الحق وأهله، كما نشكوله فقد نبينا
وغيبة إمامنا وتظاهر الزمان علينا وكثرة عدونا ونسأله الهدى لإخواننا
الذين أساءوا الظن بنا فبغوا علينا وأن يبصرهم بحقيقة دينه الإسلام وحق
حبيبه المصطفى وآله الأطهار عليهم السلام على المسلمين جميعا، ونرجومنه
تعالى أن يحسن أحوال المسلمين إلى أحسن حال.
"اللهم يا من خص محمدا وآله بالكرامة وحباهم بالرسالة وخصصهم
بالوسيلة وجعلهم ورثة الأنبياء وختم بهم الأوصياء والأئمة وعلمهم علم
ما كان وما بقي وجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم فصل على محمد وآله
الطاهرين ، وافعل بنا ما أنت أهله في الدين والدنيا والآخرة إنك على كل
شيء قدير"
(*)كاتب وباحث إسلامي جزائري
islamo04@hotmail.com
|