الاعلام والصحافة  وحدود القانون

المحامي طالب حسن الوحيلي

انه عصر انحسار الدكتاتوريات في العالم وبروز السلطات الدستورية المتعددة فالسلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية، واذا ما استقر هذا المبدا مع استقرار الدول العريقة في ديمقراطيتها، فأن جميع شعوب العالم تنزع الى ترسيخ هذه التقاليد وتطويرها باطراد لاسيما بعد انفراج الحرب الباردة وسعي العالم المتحضر الى السير الحثيث نحو السيادة الحقيقية للشعوب دون الانقياد الى هيمنة المصالح الرأسمالية والطبقية واللوبيات.

 وقد تأكد ذلك من الموقف الجلي للشعوب الاوربية ورفضها للدستور الاوربي  بعد ان شاركت بجدية في الاستفتاء عليه ولعل نسبة المشاركة تعني الكثير في مقاييس الحركة التاريخية للشعوب التي تكسرت امامها القيود لتعلن كلمتها بصدق كما حدث ذلك في العراق في اطار الانتخابات ، وما اضمرته الايام من فعاليات خطيرة ككتابة الدستور والاستفتاء العام عليه و الانتخابات العامة لتاسيس مجلس النواب وتشكيل الحكومة دائمية، ولعل هذه الفعاليات تسير على منطق الاحداث ومنطق التاريخ قياسا للحكم المقبور وعهوده وما خلفه من نتائج على الصعد المحلية والدولية.

 فالدمار الذي يعيشه العراق والشعب نتيجة طبيعية للنظام السابق، والاختلال المرعب في العلاقات الدولية وما نتج عنه من حروب واحتلال كان حاصلا متوقعا بسبب السياقات والاستبدادية للنظام ومؤسساته والتقاليد التي سادت في العراق، لذا كان لابد لهذه العملية الديمقراطية ان توضع في طريقها اشد العراقيل من خلال التحالفات المفضوحة بين ايتام النظام وبعثيين وطائفيين وتكفيريين وجدوا لهم عمقا ستراتيجيا في دول الجوار وحركات تكفيرية في دول أخرى معسكر الآخر هم.

السلطات الثلاثة قد لاتتبلور في محيط دول الجوار، لانها بالنتيجة تنتهي بسلطة الحاكم، ومع ذلك يدعون بظهور السلطة الرابعة، وهي الصحافة بمؤسساتها الاعلامية العامة والخاصة، فما هي حدود هذه السلطة؟ انها بكل تأكيد تأخذ نهجها من الفكر السائد في البلد المعين، وبلا شك فهي سلطة دكتاتورية في انظمة الحكم الدكتاتورية، وهي ديمقراطية في النظم الديمقراطية.

 اما في العراق وفي ظل الاحداث انتقلت هذه السلطة من قيود الدكتاتورية لتعلن لنفسها حيزا كبيرا استمد جرأته من الدعوة الى حرية الرأي وعدم تكرار تجربة الماضي وكم الافواه وكتم الانفاس وصم الآذان، لذا تجد الفضائيات والصحف الكثيرة العدد والنوع منابر مختلفة تتصارع فيها الاتجاهات وتختلف فيها الدعوات بين من كان قد تصدى لطغاة دون اذعان وبين من صمت كل تلك الدهور لينطق اما ايمانا ويقينا او كفرا وتحريضا للخراب والدمار والارهاب وثالثهم من تخرج من منهجية ذلك النظام ليجد نفسه في كثير من الاحيان مذعنا لما نهجه في ذلك الماضي.

ترى هذه السلطة لمن وضد من؟! فإذا كانت سلطة شعبية لمراقبة المؤسسات الديمقراطية وبذلك فأنها تشكل حجر زاوية للرقابة على الحياة الدستورية بغية تقييمها وتطوريها وتطويقها لخدمة الشعب قبل سواه.

 وبذلك فانها تستمد شرعيتها من الشرعية السياسة للنظام اولا، ومن القوانين النافذة في البلاد على اختلافها كقانون المهنة او قانون الصحيفة او قوانين النشر واهم مافي  ذلك كله عدم تخطيها للنظام العام والآداب والتي يحكمها قانون العقوبات.

 وبمقابل ذلك كله ماذا نصف الصحافة المعادية للعملية السياسية وللمؤسسات الدستورية، بكل تأكيد تخرج عن كونها سلطة رابعة مادامت لا تعرف شرعية غير شرعية القتل والارهاب والحكم الشمولي بالرغم من تحججها بحقوق الانسان والديمقراطية، وهي سرعان ما تقف وجها لوجه مع القانون السائد الذي كان نافذا منذ العهود السابقة وبقي نافذا..دون تعديل..

واذ خرجت الفضائيات والمؤسسات الاعلامية العربية عن سلطة القانون العراقي بالرغم من ارتكابها بعض الجرائم الدولية كالتحريض على الارهاب والترويج الى الخروج عن القانون العراقي والتدخل في الشؤون الداخلية للبلاد، فان القانون العراقي صاحب الولاية العامة في التطبيق  على الجرائم التي تقع من خلال الصحف ووسائل الاعلام، واهمها جرائم التحريض على القتل وجرائم الترويج للحرب الاهلية وجميع الجرائم الماسة بامن الدولة الداخلي التي يحكمها الباب السادس من قانون العقوبات العراقي فضلا عن الجرائم التي لا تتم الا بعد نشرها من خلال الصحافة كجرائم القذف وجرائم النشر.

 مما يقتضي على من يسخر هذه الصحف  والفضائيات ان يعرف حدود القانون وتبعات ذلك جزائيا فضلا عما يحاول النيل من سلطة القانون والحكومة برمتها فهل يحق لاحد عبر احدى الصحف تحذير الحكومة من مغبة فرض سيادتها وسيادة القانون على الشارع ومكافحة الارهاب واتخاذ التدابير الاحترازية ..

وهل يحق للفضائيات العراقية ان تكون منبرا لمن يحبذ التخريب والقتل ويمتعض من مداهمة اوكار العصابات الارهابية بكلام يخلط فيه (السم).. بالسم) داعيا الى عدم اسهام المواطن العراقي في الاخبار عن المجرمين والقتلة خوفا من ردود فعل الارهابيين تجاه المواطنين الابرياء... ومن تابع الصحافة والاعلام العراقي المرئي والمقروء يجد الكثير.. لاسيما محاولات البعض تبرير ابشع الجرائم الإرهابية بالهروب الى ضفة الدفاع عن المجرمين والقتلة ممن اتخذت بحقهم الإجراءات القانونية والقي عليهم القبض واعترفوا بتلك الجرائم التي يندى من هولها وخستها جبين الانسانية وفي مناسبات  كمثل فاجعة جسر الائمة ،وكارثة هدم الروضة العسكرية في سامراء وغيرها من مسلسل الجرائم الكبرى اخرها اجبار الاسر اللآمنة على النزوح الى مدن اخرى بدافع طائفي بعد هيمنة تلك الزمر على مدن باكملها،والذي يزيد الطين بلّة محاولات بعض المدافعين على الارهاب تمييع هذه الجرائم ومحو العنصر الارهابي منها والصاقه مرة بالقضاء والقدر او بقوات الاحتلال ومرة بسبب سوء الادارة ،وقد تعرت الحقيقة وتكشفت الاسباب الحقيقية التي لاتبعد عن سبب واحد هو الاستهداف الإرهابي لأبناء مذهب اهل البيت الذي اتخذ هذه المرة بعدا نفسيا أحدثته النوايا القذرة المبيتة والمتربصة بالشعب بأجمعه وبالحكومة المثقلة بهموم ادارة الأزمات والتي استفحل في دهاليزها بعض أعدائها الذين راحوا يكيلون لها التهم بدل الاعتراف من كونهم جزء من لعبة التخريب التي يديرها بقايا النظام الهمجي ومن استمطارهم ومن تحالف معه .

شبكة النبأ المعلوماتية-الاحد 2/نيسان/2006 -3/ربيع الاول/1427