بصمتٍ رحل كاتب نادر في فهمه لمهنته. كان يمارسها من دون ضجة أو
إطلاق فقاعات نرجسية وغيرها. كان إستثناءا بين الكتاب في صمته الذي كان
يصعب على بعضهم حزر أسبابه. إنه صمت البحر المشفوع بصمت شط العرب -
الصمت الحقيقي ...
رغم الهدوء والخلق الدمث كان بصلابة المعدن الكريم. كان يعرف أن
الكتابة ، القدر الذي لا خلاص منه ، لا تولد إلا في ذلك الصمت الداخلي.
جاءوا إليه بميكرفوناتهم وكاميراتهم و صحفهم ومجلاتهم وندواتهم
ومهرجاناتهم. وحتى مثل هذا الحصار لم يقتلع صمته ولم يفلح في إستنبات
بذرة واحدة من الغرور السطحي في مثل تلك التربة العصية ...
ترك أدبا متميزا عن حق. لم ينسق للإغراءات الدعائية. لم يضعف أمام
بريق الواجهات. لم يحل الضجيج الواجهاتي دون أن يواصل عمله تماما كما
صائغ الذهب الذي لا يلتفت الى صخب السوق...
في كتابه ( وجع الكتابة ) ذكر أشياءا عن أثر الحصار الذي كان مضروبا
آنذاك ، على ما أسماه بمحاولاته في الكتابة ، في معرض الرد على سؤال من
صديق :
- هل تكتب هذه الأيام ؟
- كل يوم تقريبا ...
- وكيف تجد الكتابة ، تحت ضغط الحصار ؟
- الحصار قيد يجعلك تشعر أنك إنسان معزول عما يجري في العالم ...
تشعر كأنك في سجن كبير. الكتابة ، من جانب آخر ، تمنحك الإحساس
بالحرية.
الظاهرة الصقرية الأخرى هي أن هذا الكاتب لم يخلع أبدا، لا في الطقس
اليومي ولا الكتابي ، رداء الإنسان العادي. كان يعرف أن الأبطال وما
يسمّون بصناع التاريخ وتلك ( النجوم ) بشتى أصنافها ، لا يجيبون إلا
على عدد محدود من أسئلة الحياة والعالم. فالهموم الحقيقية تخادع دائما
متسترة ًبالأخرى ( الشائعة ) ... لم يكن معقولا، ولا ممكنا أيضا ، أن
يطفو الصقر على السطوح البراقة. ولكان هذا نقضا لقوانين الفيزياء. أما
إذا كان هذا الكاتب قد ظهر هناك من حين الى آخر فإنما حصل ذلك بحكم
قانون آخر- قانون الدفع ...
نشاطر عائلة الصقر وأصدقاءه وقراءه وكامل الثقافة العراقية، الأسى
والحزن العميق. ونأمل أن تتاح الفرصة أمامنا كي نرد بعض الجميل لكاتبنا
الكبير ، ونقوم بنشر نتاجه في ( القصة العراقية ) أيضا ، كي يصل إنجازه
الثمين الى قراء جدد ، ونحن واثقون بأنهم سيلتحقون بالمحبين الآخرين
لفن مهدي عيسى الصقر... |