مدخل
منهجي:
كثيرة هي الكتب الإسلامية التي تجذبنا أفكارها،إما لتوافق رؤية
صاحبها مع رؤانا أو لأنها وضعت النقاط على حروف لم نقدر على قراءتها
وإلا لكونها تمتعنا بالسباحة في عالم الخيال والرومانسية،وأيضا قد
تثير فينا الوعي الإيماني بحقيقة الوجود، ومن جهة مغايرة ننشد لها
لأننا نعرف صاحبها معرفة دقيقة، على كل حال تبقى معيارية القراءة
والمطالعة تتباين من قارئ لآخر وحسب عقله وثقافته وبيئته وتطلعاته، لكن
في هذا كله يبقى معيار هام يتوخاه العاقل في كل تفاصيل حراكه الوجودي
سواءا كان قارئا أو كاتبا أو خطيبا أو ماهنالك من ممارسات ثقافية
حضارية إنسانية، الجدية في التعامل مع الموضوع، لأنه غالبا ما نقوم
بأعمال فقط للتسلي وقليلا ما ننشط لأجل أهداف سامية، وبين هذه وتلك
للنفس حضور كبير، في السلب والإيجاب الإنسانيين في الحياة، كما هو
الحال للعقل في حضوره و غيبوبته في تفاصيل حياتنا.
يبدو أن للقراءة الجدية كما للجدية عموما، دور عظيم في بناء الإنسان
المؤمن الرسالي، وهذا ما نستوحيه من القرآن العظيم الذي أول مانزل منه
كلمة "اقرأ" حيث جاءت بصيغة الأمر أي وجوبية الفعل لا إستحبابية
وارتبطت بعنوان العلم المطلق والحكمة البالغة لكي لا تزيغ عن الأهداف
التي وجدت من أجلها أيها الإنسان المؤمن، لابد للقراءة أن تنطلق من
فضاء العصمة أي الاتصال بالكمال المطلق عند محاولة القراءة لأي أمر
في حياتك، كي تكتسب مناعة ربانية في مباحثاتك للأفكار والأحداث
والأشخاص وللوجود ككل، أو ما نسميه في لغة الأخلاق الإسلامية التوكل
على الله والذي نعلن عنه بقولنا: "بسم الله الرحمن الرحيم". وهذا
التوكل أصلا لا يكون واقعيا إلا إذا نبع من جدية وصدق وإخلاص للحقيقة
كلها التي يتطلع إليها الإنسان المؤمن دائما وأبدا.
بعد هذه التوطئة، نطل إطلالة مقتضبة على كتاب صدر منذ بضع سنوات
خلت، وتم تنقيح الطبعة الأولى ونشرها مرة ثانية في حلة جديدة لدار
الأعلمي ببيروت، مرتبة ترتيبا منهجيا دقيقا ومعتمدة على الإطار الفني
الأدبي الذي يركز فكرة الكتاب الأساسية أكثر لدى القارئ، واختياري لهذا
الكتاب تحديدا لأنه يؤصل مسائل عديدة في وقت واحد، وأول هذه المسائل
القراءة الواعية لفلسفة الوجود، بالإضافة إلى النجاح الإنساني في
امتحان أمانة الخلافة في الأرض.
أضف إلى ذلك كون كل المعايير المفترض توفرها في البحث الموضوع لكي
يفي بالغرض حاضرة في ثنايا الكتاب وعلى أكمل وجه، إبتداءا من المقدمة
السهلة الممتنعة وحتى الخاتمة الحاسمة والمصيرية وما بينهما من فصول
كلها توحي بقراءة ربانية للموضوع، والأجمل والأرحب والأفضل والأتقى في
هذا الكتاب صاحبه العالم الجليل العلامة الشيخ عبد العظيم المهتدي
البحراني حفظه الله، علامة فقيه مثقف مجاهد، عارف بالإسلام الأصيل
وداعية بتاريخه الرسالي الذي خلفه ولا يزال، طلبة الحوزات بالجمهورية
الإسلامية أو بالبحرين ينهلون من تراثه الفكري والأدبي ومطارحاته
الأخلاقية التي ملأت الفضاء الإسلامي سنيه وشيعيه، وهاهو العلامة
المهتدي كما عودنا يبعث لنا موعظة أخرى بعد قصص وخواطر، عنوانها "سفر
الآخرة "، قد يبدو من العنوان أنه كتابا خياليا أو قل ميتافيزيقيا أو
مثاليا، لكنه في الحقيقة رحلة فكرية روحية إسلامية (قرآنية –إمامية)
ذات بعد تربوي ثقافي متميز عن غيره بمنهجه الاستيعابي للمعطيات
الفلسفية والعلمية والتاريخية والدينية والاجتماعية والحضارية بأسلوب
رصين ولغة عذبة سائغة للقارئين، الكتاب كله ينتج لدى القارئ المؤمن،
استجماما أخلاقيا طيبا يرتب له كل تفاصيل حياته ( النفسية والعقلية
والاجتماعية) ويرشده إلى سبيل الرشاد.
بالمختصر المفيد وحتى لا أفرض رأيي على القارئ المؤمن، إنه كتاب
ترعرعت أفكاره وشبت واستقامت في رحاب الثقلين، كلما تقدمت في مطالعة
صفحاته زاد الشوق والوله لديك لترتيب أمور سفرك الحتمي وتنحت حجب الوهم
عن بصيرتك والتمست تحررك النفسي من الشرك الخفي، ويبدأ مناط تكليفك
يستعيد عافيته وتقرر نفسك في أثناء الرحلة العودة بصدق إلى الصف الإلهي
للحصول على شهادة الجنة، إن كتاب "سفر الآخرة" قطرة من بحر الثقلين،
تروي ضمأ الغافلين ونبراس ينير سبل التائهين ومنهاج يقوم عوج
المعجبين بأنفسهم، إنه كتاب فيصل بين أن تكون أولا تكون حسب المنظومة
الإسلامية.
كلمة أخيرة، القارئ لكتاب "سفر الآخرة" للشيخ المهتدي حفظه الله،
عليه أن يضع دفترا بجانبه ويسجل كل الآيات والأحاديث التي أوردها الشيخ
في كتابه، وبعد الانتهاء يحاول أن يجد الترابط بينها من خلال سعة الأفق
والصدر.
هكذا أخي المؤمن نصل إلى البداية الحقيقية، لأن سفر الآخرة هو
الميلاد الجديد، وليس كل جديد أفضل، لكن لنسعى ليكون ميلادنا الجديد
أفضل وأتقى وأهدى.
واعملوا على مكانتكم إنا عاملون.
(*) كاتب وباحث إسلامي جزائري
islamo04@hotmail.com |