العرب يثبتون بطلان نظرية داروين!!

د. أحمد راسم النفيس

بتاريخ 16 مارس 2006 قام الرئيس الأمريكي بإعلان برنامج الولايات المتحدة للأمن القومي.

إنه برنامج للمواجهة الحضارية يتكون من تسعة أهداف تسعى الولايات المتحدة لتحقيقها:

1-    قيادة التطلع العالمي للكرامة الإنسانية.

2-    إقامة تحالف دولي لمواجهة الإرهاب ومنع أي هجمات محتملة ضد الولايات المتحدة وأصدقائها.

3-    العمل لحل النزاعات الإقليمية ومنع انتشارها.

4-    منع الأعداء من تهديد الولايات المتحدة وحلفائها بأسلحة الدمار الشامل.

5-    دفع الاقتصاد العالمي القائم على مبدأ التجارة الحرة نحو مزيد من النمو.

6-    نشر وتوسيع الديموقراطية في العالم.

7-    توسيع دائرة التعاون مع مراكز صنع القرار العالمي.

8-    رفع كفاءة المؤسسات الأمنية الأمريكية لتصبح قادرة على مجابهة احتياجات وتحديات القرن الحادي والعشرين.

9-    مواجهة تحديات العولمة.

إنه إذا برنامج للمواجهة الحضارية لا يستثني سوى العالم الغربي ورغم أنه وضع إيران وبيلاروسيا وكوريا الشمالية وزيمبابوي فضلا عن سوريا في المقدمة, إلا أن الجميع مشمولون بعناية هذا البرنامج التأديبي الإصلاحي الديموقراطي.

دور الإمبراطورية

قبل ثمانين عاما من الآن ويوم 30 أبريل 1926مـ أعلن الحاج جون فيلبي في محاضرة له أمام الجمعية الفابية البريطانية في معرض حديثه عن ترتيب أوضاع منطقة الشرق الأوسط عما يعتقد أنه دور الإمبراطورية البريطانية (الآن الأمريكية) فقال:

(إن الإمبراطورية ليست غاية في حد ذاتها، إنها وسيلة إلى غاية هي خدمة العالم والإنسانية وطالما أنها تقــوم بهذا الواجب فإنها تكون جديرة بالإعجاب ولكن على كل حال فإن الإمبراطورية تحمل في طياتها بذور تفتتها، وخاصة أنها تشتمل في داخل أراضيها على مناطق حدودية "وسكان بدائيين يجب علينا أن نهذبهم وصولا إلى المثل الأعلى في تحقيق الذات وما أن نصل بهم إلى ذلك المستوى فلا بد أن نكون مقتنعين بأن نرى المناطق السكانية المعنية وقد تركت العش الاستعماري؛ لكي تصنع أفضل ما في وسعها وعلى طريقتها. فكلما انفصل عضو من أعضاء العائلة يجب أن يفرح الأبوان لا أن يأسفا. إن ذلك هو ما أعتقد أنه دور الإمبراطورية" فدور الإمبراطورية يعد شكلا من أشكال الفصول الدراسية التي تعمل على الارتقاء بأجيال الأمم لا سجنا أو إصلاحية لمحكمة تقضي بالإدانة المؤبدة على الأقليات السياسية).

الإمبراطورية البريطانية (وقبل أن يظهر النفط) كانت ترى نفسها مدرسة لإصلاح الكون وتهذيب الشعوب البدائية وصولا إلى المثل الأعلى لتحقيق الذات وما أن تصل تلك الشعوب لهذا المستوى يمكن منحها الاستقلال أو الحكم الذاتي وغيرها من الأسماء ذات المضمون الواحد والتي تنبئ عن رؤية العالم الغربي للطريقة التي يتصرف بها عالمنا الإسلامي (البدائي والمتخلف) و(العاجز عن النهوض والإصلاح والتقدم ما لم يأخذ العالم المتحضر بيده).

أما الأسوأ من كون عالمنا الإسلامي متهم بأنه (بدائي ومتخلف وعاجز عن النهوض والإصلاح من دون مساعدة خارجية) فهو أنه لا يعرف شيئا عن قيم الحضارة الغربية والشرقية وربما الحضارة الإسلامية ولا بد له من معلم بريطاني والآن أمريكي.

لسنا بحاجة بالتأكيد لسماع الدفاعات المملة والمطولة لجماعة (هذا إسلامنا) أو لجماعة (الإسلاميون الأحرار المتصدون لمؤامرة تشويه صورة أسيادنا العبيد) فنحن نسمع ردودهم البلاغية الفاشلة منذ نعومة أظافرنا والتي تلقي باللوم على التغريبيين تارة وعلى التطبيق تارة أخرى وعلى الظروف تارة ثالثة والتي تبشرنا بالمن والسلوى وبالحلول الشاملة الكاملة فور وصولهم إلى سدة الحكم.

فقط نريد أن نعرف لماذا أصبح هذا رأي العالم فينا وهو ما لا يختلف كثير عن رأينا نحن في أنفسنا إن لم يكن بلسان المقال فهو كذلك بلسان الحال.

إنها ازدواجية الخطاب والتناقض بين الأقوال والأفعال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ) سورة الصف.

فالذين يتحدثون عن الحرية يعشقون العبودية والاستعباد وهاهو أحد هؤلاء (الأحرار) يدشن حملة لتحسين صورة أسيادنا العبيد!!.

يتحدثون عن العدل وسيادة القانون ولا يستنكفون عن ممارسة أبشع أنواع الظلم.

يطالبون بنبذ الطائفية ويقصدون بذلك نبذ الطوائف المختلفة معهم من على ظهر الأرض وإلغاء حقوقها ووجودها وحسبهم من الطائفية أنهم يرون أنفسهم الطائفة الوحيدة المنصورة أو الناجية من النار!!.

يتحدثون عن الوحدة الإسلامية بينما تحج وفودهم إلى البيت الأبيض لتبارك الخطط الموضوعة لقصف جارهم المسلم.

النقطتان الأخيرتان تشرحان لنا السر وراء تبوء كل من إيران وسوريا مراكز متقدمة في لائحة الأهداف التهذيبية الإصلاحية الأمريكية (طبعا الأهداف التالية ليست إيرانية ولا سورية!!) كما أنها تفسر لنا التناغم الحالي بين بعض العرب والضغوط الأمريكية على البلدين.

إنها عقدة البعض النفسية التي تدفعهم للسعي الدؤوب والمدمر في نفس الوقت للعيش في ناد سياسي طائفي مغلق لا يُسمح لغير حملة الشارة المميزة بدخوله رغم علمهم اليقيني بأن لائحة أهداف جورج بوش تشملهم (ولا غضاضة في ذلك!!) ولكنها السياسة والأخلاق والدين على طريقة (غدٌ بظهر الغيب واليوم لي)!!!.

يقول تعالى (وفي أنفسكم أفلا تبصرون) وهو معنى كلام الإمام علي بن أبي طالب (الفكر مرآة صافية).

وما أحوجنا إلى مرآة نرى بها عيوبنا وأخطاءنا ونواقصنا ولو كانت مشتراة من ذلك البائع القاطن على نفس الرصيف الذي نقيم عليه أكشاكنا الثقافية والفكرية ولتحاول جماعة (هذا إسلامنا) وجماعة (تحسين صورة الإسلام) وجماعة (تحسين صورة العبيد) فضلا عن جماعة (مقاطعة الإنسولين الدانماركي) أن تمنح نفسها وتمنحنا إجازة طوعية ومهلة للتأمل والتقاط الأنفاس والنظر في تلك المرآة التي لا تساوى إلا جنيها واحدا ولكنها من الناحية العملية تساوي الكثير علنا نعرف السبب وراء وضعنا على لائحة الشعوب البدائية المتخلفة بدلا من الإصرار على مواصلة حملاتنا الإيمانية دفاعا عن صورة الإسلام ومعاوية بن أبي سفيان والحجاج الثقفي وملك الشذوذ الظاهر برقوق في مواجهة (الحملة الصليبية لتشويه!!) صورة هؤلاء (الأبطال والرموز).

(نظرة في المرآة لله)!! ربما تساعدنا هذه النظرة على رؤية ذلك الكم الهائل من التشوهات الكاريكاتورية التي تعاني منها صورتنا الحضارية والتي تثبت بالدليل القاطع (بطلان نظرية داروين) عن أصل الإنسان وتطوره نحو الأفضل وعلى أقل تقدير فإن هذه المرآة ذات الجنيه واحد ستثبت لنا أن نظرية التطور الداروني هي نظرية تعمل في اتجاهين.

الاتجاه الأول من الخلف إلى الإمام وهو الخط الذي يسير فيه أغلب العالم.. واتجاه آخر من الأمام إلى الخلف وهو الاتجاه الذي عاهدنا الله على مواصلة السير فيه بدأب وإصرار شديدين!!.

وإلى أن يأتي اليوم الذي يدرك فيه القوم أنهم في مواجهة تحد حضاري لا يمكن لهم الصمود فيه من دون نهوض سياسي وأخلاقي وعلمي لا ينفع فيه الدجل الإعلامي ولا تلك الحملات الإيمانية سنبقى في موقع المتفرجين ننتظر ما يفعله سيد البيت الأبيض بنا.... ثم بهم!!!.

Arasem99@yahoo.com

شبكة النبأ المعلوماتية-الجمعة 31/اذار/2006 -1/ربيع الاول/1427