هلْ سـيرافـق تشـكيل أول حكومـة عـراقـية خـرق للدستور الـدائـم؟

فؤاد عباس

عـلى هامـش إتفاق قادة الكتل السياسية على تشكيل مجلس للأمن الوطني في العراق أخبار وتصريحات متفقة على إتفاق قادة الكتل السياسية على تشكيل مجلس للأمن الوطني في العراق بعد تخفيف الأسم حيث كان المقترح كبيرا وخطيرا يثير الإنتباه لذلك تحول الى مجلس للأمن الوطني في العراق لكن نفس الأخبار والتصريحات مختلفة في تحديد مفهوم وصلاحيات المجلس المذكور وعلاقته بالدستور العراقي الدائم الذي أصبح ساري المفعول مع إنعـقاد الجلسة الأولى للبرلمان العراقي الجديد فلنرى الإختلاف المذكور في تصريحات مختلف الجهات والكتل:

- قال الرئيس العراقي جلال طالباني في ختام لقاء ممثلين عن الكتل البرلمانية الاحد ان المحادثات: اقرت تشكيل مجلس امن وطني لاتخاذ القرارات المهمة في مجلس الوزراء.

هذا وشارك في المحادثات عدنان الباجه جي من القائمة العراقية بزعامة رئيس الوزراء السابق اياد علاوي ورئيس جبهة التوافق عدنان الدليمي وامين عام الحزب الاسلامي العراقي طارق الهاشمي ورئيس جبهة الحوار الوطني صالح المطلك وحسين الشهرستاني من الائتلاف العراقي الموحد واكد طالباني من جهة اخرى:

"اتفقنا على تشكيل هيئة للامن الوطني داخل مجلس الوزراء تضم ممثلي جميع الكتل وتشرف على تحقيق الامن وكل ما يتعلق بالامن الوطني في العراق".

- قال الشهرستاني ان "تركيبة الهيئة ستكون من مجلس الرئاسة (الرئيس ونوابه) وهيئة رئاسة البرلمان وهيئة رئاسة الوزراء ورؤساء الكتل والاحزاب في البرلمان مع مراعاة نسبة المقاعد النيابية".

- من جهته قال الهاشمي ان "الجبهة (التوافق) تنظر الى تشكيل هيئة الامن الوطني كواحدة من المشاريع التي تدعمها.

صحيح ان ليس هناك في الدستور ما يلحظ ذلك !! لكننا نعتقد ان خلاص العراق في الوقت الحاضر يكمن في ابداء قدر عالي من المرونة".

واعتبر ان المرونة تكون "في تشكيل مرجعيات جديدة سياسية يمكن ان تضم كل اطياف الشعب العراقي وتشارك مشاركة حقيقة في اتخاذ القرار في القضايا الامنية والسياسية والاقتصادية". وتابع "اعتقد ان المشروع يحظى بقبول مختلف الفرقاء السياسيين والجدل كان حول تشكيلة هذا المجلس ومهامه والزامية القرار الذي سيصدر عنه (...) اليوم كان هناك تطابق في وجهات النظر المتختلف عليها". (1)

- قال الفلوجي عضو البرلمان العراقي وعضو جبهة التوافق العراقية ان الفرقاء السياسيين المعنيين بتشكيل الحكومة العراقية اتفقوا مؤخرا "ومن حيث المبدأ على تشكيل هيئة عليا للامن الوطني العراقي تكون مسؤولة عن المؤسسات الحكومية المهمة للدولة العراقية."!!

واضاف الفلوجي لرويترز ان الاطراف المشتركة بالمناقشات اتفقت على ان تكون هذه الهيئة "ومن ضمن صلاحياتها مسؤولة عن اعلان حالة الطواريء وحالة الحرب واعلان حالة الازمات التي ممكن ان تتعرض اليها الدولة."

واشار الفلوجي الى ان العقبات التي يواجهها الفرقاء السياسيون الان هي الصلاحيات التي ستوكل الى هذه الهيئة "حيث تصر اطراف على ضرورة منح هذه الهيئة صلاحيات واسعة وان تكون قراراتها ملزمة التطبيق بينما ابدت اطراف اخرى تخوفا من ان تؤدي سلطة هذه الهيئة الى مصادرة سلطة الحكومة."

وقال الفلوجي "الاتفاق تم على الا يتجاوز عدد اعضاء الهيئة التسعة عشر عضوا مكونين من رئيس الجمهورية ونائبيه ورئيس الحكومة ونائبيه ورئيس البرلمان ورئيس مجلس القضاء ورؤساء الكتل البرلمانية...وان تتخذ قراراتها باغلبية الثلثين."

وقال الفلوجي "محور الحديث الان بين الفرقاء السياسيين اضافة الى الصلاحيات هو ضمان عدم تعارض تشكيل هذه الهيئة مع الدستور العراقي."

ومن جانب اخر قال طارق الهاشمي العضو البارز في جبهة التوافق العراقية السنية في المؤتمر الصحفي يوم الأحد ان جبهة التوافق "تسعى الى تشكيل الهيئة هذه رغم عدم وجود اشارة واضحة في الدستور" لتشكيل مثل هذه الهيئة.

واضاف الهاشمي "خلاص العراق في الوقت الحاضر هو في ارساء قدر عالي من المرونة لتأسيس مرجعيات سياسية جديدة يمكن ان تضم كل الأطراف.(2)

- أبدت قائمة الائتلاف العراقي الموحد مرونة في موقفها الرافض لفكرة تشكيل مجلس للأمن الوطني. (3)

- بدوره أعلن حسين الشهرستاني عضو قائمة الائتلاف أن عمل المجلس سيقتصر على تقديم التوصيات.(4)

- أعلن عدنان الدليمي رئيس جبهة التوافق العراقية أنه تمّ الإتفاق بين قادة الكتل السياسية على تشكيل مجلس للأمن الوطني في العراق. (5)

من كل ماتقدم يبدو ان الاطراف التي تبحث في تشكيل الحكومة العراقية اتفقت مؤخرا من حيث المبدأ على تشكيل هيئة للامن الوطني العراقي تكون مسؤولة عن الاجهزة المؤسساتية الحيوية للدولة لكنها مختلفة في صلاحية الهيئة المذكورة وحائرة تبحث عن مخرج وربما أي مخرج كي لا يتعارض وجودها مع احكام الدستور العراقي!!!

والغريب ان الاتفاق على تشكيل هيئة للامن الوطني يوصف بتطوريشكل بداية  انفراج سياسي في العراق.

نعم لو اتفقت الكتل على مسألة الصلاحيات فهي ربما تفضي الى الاتفاق على مرشح لرئاسة الجمهورية والحكومة على حد سواء والخروج بالتالي بالعملية السياسية برمتها من عنق الزجاجة لكن الإتفاق لايخرج عن أحد حالتين:

1- عدم مخالفة الدستور: وهو غير متاح إلا:

أ- بالتفسير والتأويل والإجتهاد المناقض لنص الدستور وروحه وحيرة المتفقين الواضحة في التصريحات المتقدمة على كيفية إخراج الإتفاق على تشكيل المجلس اوالهيئة المذكورة خير دليل على ذلك. وهذا يضيف على أداء الدولة المزيد من التعقيد والتداخل وينمي الفراغ ويشرعن إنتهاك الدستوروالإلتفاف عليه منذ الأيام الأولى لدخوله حيز التنفيذ.

ب- اوبجعل مجلس الأمن الوطني في العراق الذي اتفقوا مبدئيا على تشكيله مجلسا صوريا تنحصر مهامه في تقديم التوصيات فقط، وهذا ما لا يقبل به المصرون على مثل هذه الحلول علاوة الى انه لا يشكل إلا خطوة بيروقراطية عبثية لا تستحق كل هذه المفاوضات المارثونية الطويلة العريضة لتشكيل الحكومة العراقية ومن شأنها وفقط تدعيم البيروقراطية وأمراضها كخطوة على طريق التعقيد وتضعيف أداء الدولة لإستكمال الفراغ تمهيدا لضرب الدولة الديمقراطية الدستورية الحقيقية.

2- مخالفة الدستور: وهذا يضيف على أداء الدولة المزيد من التعقيد والتداخل وهي مثقلة به أساسا بحسب الدستور وينمي الفراغ ويشرعن الإنتهاك الصريح للدستور منذ الأيام الأولى لدخوله حيز التنفيذ. وهذا لايعني إلا هدما لما تمَّ بنائه على تواضعه من مرجعيات ومؤسسات على طريق بناء العراق الديمقراطي الدستوري والعودة الى نقطة الصفر او المربع الأول وهذا خطير بل في غاية الخطورة ولا يتحمله العراق وشعبه كما لاتتحمله المنطقة التي باتت على فوهة بركان يهدد العالم بأسره  لتعثر العملية السياسية العراقية المفروض المصطنع.

إذن الثمن الذي يراد فرض دفعه لإخراج العملية السياسية من عنق الزجاجة باهظ وأكثر من الباهظ للإتفاق على مرشح لرئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء فحتى لو نظرنا الى  ذلك الإتفاق على أساس حسن النوايا  لأنه وحسب الفقه الدستوري المعمول به في العالم:

ليس هناك مجال لفعـل حكومي إجتـهادي او لفعـل برلماني إجتـهادي لا تحدده الإرادة الشعبية والقيود الدستورية معاً، فالقيود الدستورية هي الإطار الذي يحدد إتخاذ القرار الديمقراطي وشرعيته.

الـم يشارك الشعب و بجميع مكوناته في الأسـتـفـتاء على الدستور وتم ّ إقـراره؟

فـلِـمَ كل هذه المحاولات المستميتة المتواصلة لخرق الدستور وإنتهاكه وتفريغه من محتواه ونحن على بداية الطريق؟

يبدو ان المحاولات متواصلة لمنع العراق من إرساء دولته الديمقراطية الدستورية الحقيقية بدفعه نحو ما يسمى بالديمقراطية الميكافلية التي لا تمت بصلة الى الديمقراطية والسر في ذلك يعود الى الإنغماس في استراتيجية تهدد مستقبل الديمقراطية برمته وتتلخص في:

الرهان على جذب الأقلية من تلك النخبة المعارضة للديمقراطية العراقية جملة وتفصيلا و ذلك للإنخراط في العملية السياسية وبأي ثمن وكيف ما كان وأيا كانت النتائج على المدى القريب والبعيد. وهذا يجعل الديمقراطية والدستور رهن المصالح الذاتية والفئوية والحزبية والمواقف الأنية التي لاتقود إلا الى حرب أهلية غير عراقية على ارض العراق فتقسيم العراق.

نعم ذلك الجذب والإستقطاب يجب أن يستمر لكن في إطار الإلتزام بالديمقراطية والدستور وإذا كانت ثمة تحفظات وثغرات على الدستور فيجب أن تتم معالجة ذلك لاحقا ومعالجة دستورية تماما اي بالمقدار والكم والكيف والتوقيت والإتجاه الذي حدده الدستور ولابد من تقديس الدستور والرجوع الى المحكمة الدستورية العليا بعيدا عن التأويل والتفسير والإجتهاد المتعارض مع النص لإخراج تشكيل الحكومة من المأزق وتسريع إنبثاقها في أقرب وقت وإذا كانت هناك خروقات وتعثرات للجهات الأمنية في الحكومة السابقة فيجب الوقاية من ذلك في إطار الدستور فـقـط كما يجب محاسبة ومقاضاة المتسببين في ذلك بحياد ونزاهة وشقافية وفي إطار الدستور ايضا و..... لأنه لاطريق لخلاص العراق من أزمته إلا بالديمقراطية الدستورية وأول ما تمليه هو تقديس الدستور قولا وعملا في كل خطوة.


المصادر:

(1) المصدر: فالح خيبر - بغداد (اف ب)- 19-3-2006

(2)المصدر: بغداد (رويترز) – Mon Mar 20, 2006

(3) المصدر: سوا- 19/03/2006  

(4) المصدر: سوا- 20/03/2006 

(5) المصدر: سوا- 20/03/2006 

معهد الإمام الشيرازي الدولي للدراسات – واشنطن

www.siironline.org

شبكة النبأ المعلوماتية-الجمعة 31/اذار/2006 -1/ربيع الاول/1427