مجلس جديد لقيادة الثورة في العـراق

فـؤاد عـباس

مجلس جديد لقيادة الثورة على الديمقراطية أمْ مجلس إسـتـشـاري تنفيذي !! للأمن الوطني؟ !

وصلني عتاب ونـقـد منذ كتابتي لمقال:

حكومة وحدة وطنيّة أم تاج من الشوك؟

وذلك في 19-1-2006

اي قبل اكثر من شهرين.

رغم اني مهدت له بمقال سابق تحت عنوان:

اوقفوا الزهد في المعارضة... نحو حكومة ظلّ ائتلافية

و ذلك في 6-1-2006

اي قبل اكثرمن شهرين ونصف تقريبا.

لا أعرف كيف تم فهم وتفسيرالمقال على أنه هجوم على الوحدة الوطنية وعدم إكتراث بمخاطر المرحلة وضررواتها لكن وقبل يومين استلمت اكثر من رسالة مؤيدة تضمنت رسالة وردت هذا اليوم من صديق في العراق يقول فيها:

وصفتك بمنْ يغني خارج السرب لكن يبدو ان هناك منْ بدأ يخاطر بالغناء خارج السرب بعد اكثر من شهرين من المفاوضات الماراثونية وشد الحبال فالدكتور مهدي الحافظ مثلا قال:ان الصحيح هو تشكيل حكومة برلمانية، فلا داعي لتشكيل حكومة وحدة وطنية من شأنها الاستغناء عن المعارضة، وقال: المصلحة الان تستدعي ان تكون في البلد حكومة الاغلبية. ووافقه في الرأي عبد الخالق زنكنة عضو التحالف الكردستاني الذي قال: ان اتفاقا ابرم على توزيع الحقائب الوزارية اعتمادا على الاستحقاق الانتخابي فان الاستحقاق الوطني بحسب قوله سيكون محصورا بالمناصب الرئاسية طبقا لجريدة الصباح العراقية – 24-3-2006.

ويضيف مستبشرا الصديق كدليل اخر لإنقلاب موقفه:

اتصور هناك إحتمال لبداية حركة تمرد في مجلس النواب العراقي و ذلك على زعماء كتلهم البرلمانية عبرتأسيس كتلة برلمانية جديدة تمثل ثقلا يستندون إليه لفرض أرائهم السياسية على مجلس النواب وأن النواب المتمردين بلغ عددهم لحد الآن 16 نائبا، قابل للزيادة، أعلنوا بأنهم مستغربون بان ما يطرح خلال جلسات الزعماء السياسيين المغلقة حول مساع تشكيل حكومة الوحدة الوطنية لا يتطابق مع ما يتم الاعلان عنه إعلاميا. وهؤلاء الأعضاء لا يعدون تصرفهم بمثابة حركة تمرد، الا انهم يسعون لإيقاف المشاورات التي وصفوها بالهزيلة والتي لن تنجح في تشكيل سوى حكومة لا تمثل طموحات البلاد بعد اكتشافهم ان المشاورات التي تجري بين الزعامات السياسية لا تتعدى كونها جلسات مجاملة ومآدب طعام ومحاصصات طائفية للمناصب، ولا تتطابق مع التصريحات الإعلامية التي يدلون بها لوسائل الإعلام طبقا لـ  اكي في  25-3-2006.

والرسالة طويلة اكتفي بذكر هذا القدر منها وهنا اغتنم الفرصة لتسجيل بعض الملاحظات وعطفا على ما سبق:

مفهوم حكومة وحدة وطنية فضفاض وذو وجوه يسمح لكل طرف أن يفسره كما يشاء وحسبما يشتهي ويواصل الضغط الى ما لانهاية لتحقيق مكاسب شخصية او فئوية او حزبية معرقلا العملية السياسية ومتسترا بذريعة مقدسة الا وهي الوحدة الوطنية !! ولذلك فلا بد من تحديد المفهوم لسد الأبواب امام الإستخدام السيء للمصطلح. هناك تفسيران والأول يراد منه إشراك جميع الأطراف الفائزة برلمانيا  في الحكومة بغض النظر عن نسب المقاعد البرلمانية والقواعد والقوانين الدستورية وهذا فساده واضح لأنه:

 يلغي الدستور فنفتقد المرجعية القانونية للوحدة الوطنية ويسخر بأراء المقترعين فنفتقد تفاعل الرأي العام مع الديمقراطية كوسيلة لحل النزاعات والخلافات سلميا ليرجع الكثيرون الى الوراء فيفكروا في العنف والبندقية فتذبح الوحدة الوطنية كما يلغي المعارضة و الديمقراطية دون وجود معارضة قوية فاعلة  تصبح عقيمة وكالنفخ في القربة المثقوبة...

نعم ذلك التفسير يلغي المعارضة البرلمانية والحكومية المتمثلة بحكومة ظل ومانحو ذلك والتي لا مناص منها لترشيد الأداء الحكومي والبرلماني وإعداد قادة المستقبل ونجوم الدورات الإنتخابية القادمة برصد ونقد وتقييم أداء الحكومة والكتلة البرلمانية غير المعارضة يراد منه  كما ان هذا التفسير لحكومة الوحدة الوطنية  يقتل التنافس ولاينعش التعددية بتطبيقاتها الإيجابية فكل الأطراف والكتل ترى نفسها مشتركة في الحكومة في كل الأحوال والظروف فتنعدم دوافع وحوافز السياسيين للتمسك بترشيد الأداء والسياسات المواطنية والديمقراطية والإكتفاء بالتحالفات والتوافقات والصفقات والمحاصصات والإجراءات والخطوات الترقعية المحدودة كي يحافظ كل على حصته من الكعكة إن لم يعمل على زيادتها مع كل أزمة طبيعية اومختلقة خصيصا لهذا الغرض وتدريجيا تتحول حكومة الوحدة الوطنية بالتفسير المتقدم الى اداة لإنتاج طبقة إقطاعية سياسية تقاوم اي تغير اوتداول حقيقي مؤثر للسلطة فتصبح هي في واد والشعب في اخر حتى تتخندق الطبقة هذه في خندق واحد غالبا والشعب في خنادق وخنادق متصارعة وربما متقاتلة لتنهمك تلك الطبقة في صب الزيت على النار كلما اوشكت على الخمول لتقارب الإنطفاء فتفتح الأبواب الموصدة بأقفال الديمقراطية وعلى مصراعيها لتدخلات وتدخلات فتهرب السيادة من نفس الباب و....

اما التفسيرالاخر لحكومة الوحدة الوطنية فيراد منه تشكيل الحكومة دون محاصصة او طائفية او قبلية او فئوية او حزبية لأن كل منها يناقض الغرض لضربها فرص الدمج والإندماج لبناء صرح الوحدة الوطنية وذلك بالإنفتاح على جميع مكونات الشعب دون إقصاء اوحذف وعلى أساس الكفاءة والخبرة والإختصاص والنزاهة وما الى ذلك وبالقدر الذي يسمح به الدستورلأنه المرجع والرابط الذي يجمع الشعب ويوحده وبالمقدار الذي تجيزه نتائج الإنتخابات لأنه ينعش التفاف الشعب بالديمقراطية ويوحده حول محورها ويكرس مكتسباتها التي لا تظهر ولا تنمو الا بالأداء الذي تكفل الديمقراطية بترشيده وحين تصبح فرص الترشيد المذكور اكثر ويصبح الوزراء والمسؤولين مجبرين على إلتزام السياسات المواطنية وجعلها ملموسة لضمان الإستمرارية في الدورة الحالية والدورات الإنتخابية المستقبلية.

طبعا لا طريق لخدمات مواطنية مستدامة دون معدلات عالية للنمو الإقتصادي. إذن لا بد من تحقيق النمو الإقتصادي، وحين يرى النمو الإقتصادي النور ويرتفع الإنتاج فالدخل فينتشر الرفاه العام الذي لا مناص منه لإنعاش وإنتعاش الديمقراطية الدستورية الحقيقية في مجتمعاتنا مما مبحوث في دور الطبقة المتوسطة في زراعة وتكريس الديمقراطية والأهم من ذلك ما يرتبط ببحثنا واعني الوحدة الوطنية فعندما نبتعد عن الديمقراطية المشوهة بالتفسير الشمولي لحكومة الوحدة الوطنية ونسمح للديمقراطية بترشيد الأداء يتحقق النمو الإقتصادي ويرتفع الإنتاج وبصورة مستدامة وحقيقية  لما تقدم من أسباب فتبدأ الحاجة الى السوق ولا سيما الوطنية القريبة بالبزوغ فتتفعل جملة من العوامل الإقتصادية والمادية المشتركة في تدعيم اللحمة الوطنية والوحدة الوطنية والولاء الى الوطن الواحد.

البعض عند تعريفه للشعب اوللأمة على مابينهما من إختلاف  لايورد العنصر المادي الإقتصادي في التعريف وكأن هذا العنصر لايشكل جزءاً من اجزاء تكوين الشعب او الأمة وهذا بعيد عن الصواب وفي ضوء كل ماتقدم فان الديمقراطية الدستورية الحقيقية هي التي تضمن الوحدة الوطنية وتخلق عوامل تكريسها وتدعيمها لو نبذنا التفسير الشمولي المصلحي للوحدة الوطنية وتمسكنا بالتفسير الديمقراطي للوحدة الوطنية في الإطار المتقدم ودفعنا الثمن للتحول الى الديمقراطية... نعم احيانا ولفترة محددة ومحدودة يتم اللجوء الى حكومة وحدة وطنية وبما لايكرس الإنقسامات العمودية السلبية في المجتمع لتسهيل التخلص منها ومن اثارها الكارثية في اول فرصة ممكنة لكن متى؟

حين لايكون هناك دستور ولايمكن إجراء إنتخابات ولايمكن ولايمكن ولذلك لا تسمى بحكومة وحدة وطنية وإنْ كان الإطار واحدا تقريبا بل تسمى بحكومة الأمر الواقع التي تشكل في الطواريء والظروف الإستثنائية الحادة و... الـخ لكن هذه مرحلة تجاوزها العراق في مرحلة مجلس الحكم والحكومة المؤقتة وحاليا للعراق دستور دائم وإنتخابات اجريت وشاركت جميع المكونات فيها وبمعدلات اكبر بما عليها مما نتفق اونختلف عليه ولا يبلغ حد المقامرة بالعودة الى نقطة الصفر وربما جزء كبير من هذا الإصرار يعود الى صعوبة التخلص من حكومة الأمر الواقع فبعد اللجوء اليها لقد تعود البعض عليها وترهل.

لذلك كله نقول:

حكومة الوحدة الوطنية بالتفسير الشمولي المصلحي ربما تقود الى تهدئة لكنها هشة ومؤقتة ومفروضة تصلح في احسن الأحوال لوقف إطلاق النار فقط وهي لا تمهد لبناء دولة ديمقراطية دستورية فلا تمثل حلا بحال من الأحوال لأزمة تشكيل الحكومة العراقية الدائمة وهي بأسم الوحدة الوطنية تذبح الوحدة الوطنية والديمقراطية الدستورية في العراق معا وستصبح وبالا على العراقيين ووحدة العراق وجيرانه واصدقائه وحلفائه وكفانا جريا وراء الحلول الأنية الترقيعية التي لا تزيد الطين الا بلة وخير دليل على ذلك النتائج المتناقضة الغريبة التي ترتبت على المفاوضات الطويلة العريضة وما قيل ويقال عنها وعلى رأسها الإتفاق على تشكيل مايسمى بمجلس الأمن الوطني الإستشاري التنفيذي !! الذي اقل ما يقال فيه انه: مجلس جديد لقيادة الثورة على الديمقراطية الفتية.

فلا وألف لا لـحكـومـة الصفقات غير النظيفة... المشلولة وغير الديمقراطية المسماة بحكومة وحدة وطنية.

ولا لـمجلس جديد لقيادة الثورة على الديمقراطية الفـتية بأسم مجلس الأمن الوطني الإسـتـشـاري التنفيذي !!!...الإسـتـشـاري لتمرير تشكيله دستوريا... التنفيذي لإلغاء الدستورالدائم.

معهد الإمام الشيرازي الدولي للدراسات – واشنطن

www.siironline.org

شبكة النبأ المعلوماتية-الخميس 30/اذار/2006 -29/صفر/1427