خيوط اللعبة: الإستراتيجية الأمريكية في العراق

جواد كاظم البيضاني*

عملية التدخل في الشؤون الداخلية للدول هي لعبة سياسية اعتمدتها الدول العظمى في تنفيذ مأربها وتحقيق ما ينسجم وإستراتيجيتها، وليس خفي على أحد ما قامت به هذه الدول خلال الحرب الباردة من تدخل واضح في شؤون العالم بصورة عامة ودول العالم الثالث بشكل خاص حتى أن التغيرات التي حدثت وتحدث خلال تلك المرحلة كان يخطط لها في دهاليز عواصم الدول العظمى.   والعراق دوله من دول العالم لثالث، مثل حلقة مهمة في هذا الصراع، فتاريخه المعاصر يوضح تلك الصورة حيث شهدت البلاد سلسلة من الانقلابات العسكرية وبصورة منظمه اخفت ورائها بشكل او بأخر دور للقوى الغربية في زعزعة استقرار هذا البلد.

إن ما حدث في العراق لم يعطي الانطباع الواضح للدور الذي لعبته القوى الغربية في عمليات التغير تلك التي تصاحب كل انقلاب عسكري يحدث في العراق والتي بدأت مع اعتلاء الملك غازي بن فيصل لعرش العراق، وأنتهة مع الاجتياح الأمريكي للعراق في 9 / 4 / 2003. ومع ظهور الوثائق التي أزاحت الكثير من الغبار الذي أخفى تحته حقيقة السنين المرة التي عاشها ويعيشها العراق بدأت الصورة تتضح شيء فشيء. فعملية التغير التي رافقة انقلاب شباط / 1963 هي الحلقة المكملة لهذه الاستراتيجية والتي بدأت خطوطها مع انقلاب بكر صدقي  إلا إن أغراضها لم تتضح … ولو تخطينا فترة الحكم الملكي ومرحلة الزعيم قاسم والتي أزهب بها كثيراً من الباحثين وتناولنا المرحلة التي رافقة انقلاب 8 / شباط / 1963 لنغطي جانب مهم من اللعبة.

 فما حصل في هذا اليوم هو عملية إقصاء للحزب الشيوعي العراقي أما الهدف الثاني فهو التهديد الذي مثله عبد الكريم قاسم على المصالح الغربية في العراق. في حوار جمعني مع الدكتور مكرم الطلباني القيادي البارز في الحزب الشيوعي العراقي ((سابقاً)) أوضح فيه أن الإدارة الأمريكية كانت قلقة جداً من تصرفات قاسم  وأن صالح مهدي عماش اخبره بأن سفير الولايات المتحدة في لبنان طلب من أحد الضباط العراقيين نقل هذا القلق الى قاسم مع تحذيره بان الولايات المتحدة لا يمكن لها أن تقف مكتوفة الأيدي إزاء التهديد الذي يضر بمصالح الولايات المتحدة الحيوية، وقد أكد القائم بالأعمال الامريكي روي ملسورن في رسالة تبودلت بينه وبين السفير البريطاني في 28 / 1 / 1963 حيث أوضح ذلك بقوله (أن وزارة الخارجية الأمريكية تفكر أنه حان الوقت لترد تهجم قاسم المستمر.... وان الوقت قد حان للبدء ببناء رصيد من معارضي قاسم، من اجل اليوم الذي يحدث فيه تغير في الحكومة في بغداد).  أما طريقة التغيير فقد تحدث عنها الملك الراحل الحسين بن طلال عاهل الأردن خلال لقائه بالصحفي المصري المعروف محمد حسنين هيكل حيث افصح بأن هناك لقاءات واجتماعات بين ممثلين عن حزب البعث والمخابرات الأمريكية، الهدف منها تنسيق جهود الطرفين للإطاحة بقاسم.

ويبدو أن ثمرة هذا التنسيق هو انقلاب 8 /شباط والذي أبدت الولايات المتحدة الأمريكية ترحيبها لعملية التغير التي رافقة هذا الانقلاب الأسود فقد تحدث مدير قسم الشرق الأوسط في الخارجية الأمريكية يوم 8/ 2 / 1963 عن هذا الانقلاب وأبدى ارتياح الولايات المتحدة لوصول حزب البعث الى السلطة في العراق حيث قال (أن انقلاب 8 / شباط لو نتج نظاماً ذا طبيعة بعثيه فأن سياساته سوف تكون مقبولة على الأرجح من قبل الولايات المتحدة). إلا أن البعث لم يستمر طويلاً في الحكم، حيث تمكن المشير عبد السلام عارف من أزاحت البعث وبدأت الصورة اكثر غموض من ذي قبل. فاذا كانت الولايات المتحدة هي التي أوصلت البعث الى السلطة فما هو غرضها من إقصائه وبهذه السرعة؟

ولنترك الحديث عن الأيدلوجيات والمبادئ التي تحملها الأحزاب او القيادات السياسية ونتحدث عن المخططات الاستراتيجية  للدول الغربية في العراق والتي كانت تهدف الى تامين مصالحها الحيوية  والسيطرة على هذه المنطقة.

قلنا أن قاسم وبعض رفاقه قتلوا عقب انقلاب 8/ شباط، وأن قسم من الضباط الأحرار قد سبقوا قاسم حين قتلوا تباعا وبأحداث حملة طابع مأساوي في بعض جوانبها كأحداث الموصل وما رافقها. ولم يتوقف مسلسل القتل بين قيادات الضباط الأحرار بمقتل الزعيم قاسم وتوالت أحداث القتل والتصفيات التي رافقة انقلاب 8 / شباط حيث تم إعدام واغتيال قادة بارزين اتهموا انهم شيوعين أو تهم تخفي ورائها أغراض سياسية وبعد أزاحت البعث بدأت موجة من التصفيات بين بعض الزمر البعثيه (فقتل على صالح السعدي، فؤاد الركابي.... الخ ثم تحطمت طائرة المشير عارف وقل معه عدد من قادة الثورة ولم ينتهي هذا المسلسل الدموي حتى بعد وصول البعث الى السلطة مرة اخرى  عام 1968 م.

قادة انقلاب تموز 1968 حملوا معهم هذه المرة وجوه جديدة ومبادا جديدة غير تلك التي حملها الضباط الأحرار في الجمهورية الأولى او الثانية.

ورغم أننا لا نملك الوثائق التي أن ظهرت فلا حاجة  لدراستنا تلك. صحيح أن الوثائق هي عنصر الحسم الا أن الحكم ينفذ بالادلة والدليل في نظر القضاء هو الوثيقة أو الشاهد كذلك يكتب التاريخ من خلال الاعتماد على الأدلة أو الشهود.... وما أكثر الشهود. ومن هؤلاء أستاذ كيمياء عراقي اكمل دراسته العليا في الولايات المتحده عمل لفترة في كلية الزراعة التابعة الى جامعة بغداد. جاء حديثه بعد الاجتياح العراقي للكويت.يقول التقينا بشخصية امريكية مهمة في وزارة الخارجية والذي تحدث عن سياسات الولايات المتحدة في المنطقة وعن النفط وأهمية الحفاظ على الممرات البحرية.... الخ. اللقاء جمع طلاب عرب إضافة الى صديقنا الدكتور والذي لم يقتنع بكلام السياسي الامريكي بسبب طبيعة تلك المرحلة حيث المد القومي هو المسيطر على الشارع في تلك الفترة. يقول قاطعة المتحدث  متوعد إياه بان الدول العربيه سوف تحذو حذوا العراق في تأميم نفطها، في هذه الحظة والكلام للدكتور اخرج السياسي الامريكي جهاز حاسوب من حقيبته وكان كبير نوعاً ما وتوجه نحوي وقد رسم على شفتيه ابتسامه أخفت ورائها إسرار كبيرة وقال ((ان الولايات المتحدة تقدر وبحسابات دقيقة عملها في الشرق الأوسط وهي تسير وفق هذه الاستراتيجية......)) ثم قال ((انكم مؤتمنون على النفط)).

صديقي الدكتور قال لي.... هل أمم العراق حقاً نفطه يا جواد؟؟؟   هل كان القرار موجه لشركات النفط الاحتكارية بصورة عامة؟؟  ربما ما حدث هو عملية إقصاء للشركات البريطانية؟؟ واستمر وهو يردد أسئلة متلاحقة وكثيرة ويكاد يعطي بعضها جواب للسؤال الذي سبقه. ورغم أن هذه الرواية ينتابها الغموض إلا أنها تعطي إجابة لكثير من الأسئلة التي قد تواجهنا في هذا البحث.

ولنترك ذلك ونعود الى العلاقة التي تظهر بأنها متوترة والتي جمعة قيادات البعث الجديد مع الولايات المتحدة.. ما هو سبب هذا التوتر؟ هل هو مصطنع كما يوصف؟

يرى البعض أن موقف الولايات المتحدة ودعمها للكيان الصهيوني كان سبب في توتر هذه العلاقة، كذلك بسبب الدعم الأمريكي المطلق للجمهورية الإسلامية الإيرانية في حرب الثمان سنوات، وأن للولايات المتحدة مواقف سابقة تمثلت بدعم أمريكي للحركة المسلحة الكردية في شمال العراق. هذه العوامل ساهمة في تأزم هذه العلاقة وتوترها.إلا ان الولايات المتحدة تقيم علاقات طيبة مع الدول العربية وهناك مواقف تكاد لا تختلف عن تلك التي يمر بها العراق والتي تناولناها سابقاً لا ان هذه الدول لم تقطع علاقاتها مع أمريكة بل ان هناك تحاور وتشاور بين الطرفين وفي أصعب الظروف.... هل العراق استثناء؟ ولو صححنا العبارة.هل البعث ونظامه الجديد استثناء؟

ولنراجع جانب من العلاقة بين البعث والولايات المتحدة. الولايات المتحدة تغاضت عن ما يتعرض لة الشعب العراقي من قتل وتشريد إبان حكم البعث، الولايات المتحدة دعمت العراق في حربه ضد إيران من خلال تزويد القوات الجوية العراقية بعدد من الطائرات السمتية. الولايات المتحدة لم تعلق عما تعرضت له أحد مدمراتها الحربية في الخليج من قبل القوة الجوية العراقية وهي قادرة على الرد، عدد كبير من المسؤولين الأمريكان كانوا يقومون بزيارات بين الآونة والأخرى الى العراق رغم الحملات   الاعلام المتبادلة بين الجانبين  فرامسفيلد قام بزيارات عديدة الى العـراق كذلك قام وفد من الكونجرس الامريكي بزيارة للعراق ومنها ذاك الذي ضم السناتور روبرت دول والذي يقول عن هذه الزيارة ((أنها ودية وإيجابية))،هناك تبادل تجاري كبير بين الجانبين ويمكن الاطلاع على العقود التي كانت تبرم بين الجانبين، لم تعلق الولايات المتحدة عما حدث في اهوار جنوب العراق خلال الحرب العراقية الإيرانية، تغاضت الولايات المتحدة عما حدث للاكراد في حلبجة وفي معارك لأنفال، قام السلاح الجوي الامريكي بتقديم دعم واضح للجيش العراقي خلال انتفاضة 1991 م.

  هناك العديد من الأسئلة التي تطرح نفسها. أذا كان العراق لا يمثل ذاك التهديد للمصالح الأمريكية، وأن قيادة العراق هي حليف يسير على النهج الأمريكي، فما الداعي اذاً لتغير هذا النظام؟

من الواضح أن الولايات المتحدة أعلنت أنها ترغب في وضع قواتها بصفة دائمة في منطقة الخليج، فلم تكن زيارات وزير الدفاع الامريكي ريشتارد تشييني الى الرياض والتي أعلن فيها ان هناك ترتيبات ضرورية يجري الاعداد لها لتهيئة دخول القوات الامريكية المنطقة لم تكن الزيارة الاولى التي يجري فيها التباحث حول آلية بقاء القوات الامريكية في الخليج.

 ولنتحدث عن بعض الجذور التاريخية لهذه العلاقة، ففي عام 1950 تم ابرام اتفاق امريكي سعودي لبناء قاعدة الدمام بجهد ومال امريكي، حيث اعدة هذه القاعدة لاستقبال القوات الامريكية عند الضرورة، وقد كلفت هذه القاعدة الخزينة الامريكية خمسين مليون دولار في ذلك الوقت، ولم تكن القاعدة الوحيدة التي تم تشيدها فهناك قاعدة تبوك، وقاعدة مشيط وقاعدة جدة والتي بنيت لاغراض تجسسه خلال الحرب الباردة وهناك قاعدة الباطن.... الخ. كان الغرض المعلن لوجود مثل هذه القواعد في الاراضي السعودية يرتبط بما يسما الوقوف بوجه المد الشيوعي، وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي بدأت هذه القواعد تفقد شرعيتها فتواجد القوات الامريكية اصبح لا يمثل ضرورة كما كان سابقاً.

إلا ان تنامي قوات العراق الخارقة وكما صورها الاعلام وخطره الكبير جداً على جيرانه تطلب إعادة النظر بتواجد هذه القوات. جيمس بيكر وزير الخارجية الامريكي السابق اعلن اكثر من مرة عن عزم الولايات المتحدة على البقاء في منطقة الخليج،، او أن تواجد القوات الامريكية في هذه المنطقة الحيوية هو ضروري لتامين مصالح الولايات المتحدة ودعم حلفائها العرب ودعى بيكر الى أقامت نظام أمني جديد في الشرق الاوسط.

ويبدو أن الولايات المتحدة تعلم جيداً ان شعوب هذه المنطقة غير راضية من تواجد القوات الاجنبية على الارضهم بمعنا اخر أن القوات الاجنبية لم تكتسب الشرعية التي تتيح لها التواجد في هذه المنطقة فلم يكن هناك مصوغ قانوني او حتى خطر حقيقي يهدد تلك الدولة. ولكي تكسب الولايات المتحدة الشرعه والتي تتيح لها التواجد في هذه المنطقة ذات الاهمية الاستراتيجية بدات بأقامة تحالفات مع بعض الدول العربية، حيث عرض جيمس بيكر على بعض الدول العربية مشروع للتحالف الامني على غرار حلف الاطلسي، مهمة هذا التحالف أنشاء نظام حماية امني عربي امريكي يهدف الى حماية منطقة الخليج، بمعنى اخر غطاء للتواجد الامريكي في منطقة الخليج.

وبدأت الادارة الامرييكية تمهد لتواجدها حيث عرض وزير الخارجية الامريكي جميس بيكر على مصر دعماً مالياً مغرياً على أن تساند توجدها في الخليج من خلال تقديم دعم عسكري لدول الخليج العربية للوقوف بوجه الخطر المفتعل. اذا فهناك خطر حقيقي مثله العراق؟

لقد إشارة الصحافة الغربية للقوى العسكرية الهائلة التي يمتلكها العراق، حيث أخذت تحذر من ذلك، ثم ان السياسيين والعسكرين على سواء أوضحوا حجم التهديد الذي يمثله العراق سيماً وانه يمتلك ترسانة كبيرة من اسلحة الدمار الشامل، هذا الاعتقاد عززته تصريحات الرئيس المخلوع والذي تحدث بصراحة بان العلماء العراقيين وصلوا الى حلقات متقدمة في مجال تطوير اسلحة الدمار الشامل وان هناك تطوير لحلقات متقدمة في التقنية العراقية يشهدها العراق، كما انه حذر وبوضوح أسرئيل من مغبة أي عمل عدواني يوجه ضد أي دولة عربية، الرد العراق سوف يكون قاسي ومدمر وبدْ يتحدث عن المزدوج وغيرة. أذا العراق يمتلك اسلحة دمار شامل من خلال التصريحات التي أطلقها الرئيس المخلوع. وبدء الاعلام الغربي يستذكر حلبجة والشيعة  الاهوار.... الخ ثم قام العراق باجتياح الكويت.

وعليه أصبح الاجتياح العراقي للكويت مبرر قانوني لامريكا من دخول المنطقة وبكل قوة، حيث بداء تحصل على التغطية الشرعية من خلال القرارات العربية  فصدر القرار 4983 عن مجلس الوزراء المصري الخليجي والذي بموجبه تم استدعاء القوات الامريكية للمنطقة لتكتسب الشرعية في تواجدها. وتم تشكيل قوة عربية اوربية لتحرير الكويت وتم لهم ذلك حيث وصلت القوات المصرية الى مشارف مدينة الناصرية وتركت أثر سلبي في نفوس الناس

المهم في الامر  أن قرار اجتياح العراق وتواجد القوات الأمريكية هو قرار عربي وخليجي قبل ان يكون قرار امريكي كما يسميه البعض. وهناك أسئله تطرح نفسه وبإلحاح، ألم يدرك صدام حسين حجم الخطر الذي يمثله هذا التحـدي؟ هل يعقل ان تواجه دولة مثل العراق غير مصنعه للسلاح يشكو جيشها من الولائات المتشعبة والمختلفة دول مثل استرالية وبريطانية الولايات المتحدة إيطالية مصر السعودية الدانمارك اليابان كورية وإسرائيل …. الخ؟

هل الجندي العراقي مؤهل ومدرب بالشكل الذي يمكنه من الوقوف بوجه كل هذه الجيوش؟  الم يدرك صدام خطورة الخطوة التي يقوم بها سيما وأن الجيش العراقي لا يمتلك الغطاء الجوي الذي يعطي مظلة تحمي خطوط الجيـش العراقي؟  هل نحن مؤمنون حقاً بالقضية التي نقاتل من اجلها؟  ما هي هذه القضية؟ هناك قسم من الباحثين يتهم صدام بأنه عميل تمرد على اسيادة. فاذا كان ذلك ذلك شيئ حقيقي كما يحلو لبعض البحثين تأكيده، فهل خفي على صدام خيوط اللعبة التي اوصلته الى الحكم؟

يقول الدكتور يوسف حمدان استاذ حركات التحرر في كلية العلوم السياسية بالجامعة المستنصرية " أن صدام حسين لم يكن عميل الا انه وطني من النوع (الارعن) فسياسته تقوم على أساس الانفراد بالرأي والتخبط والمجازفة، وقد تحول نتيجة تلك السياسة الى دكتاتور من الطراز الأول، فاعتقد البعض أنه عميل ينفذ سياسة الغرب، وربما لو كان عميل لكان ارحم "، للدكتور يوسف حمدان دراية كبيرة في هذا الجانب فهو متخصص في ذلك.

المهم في الامر أن عمليت التطهير التي حدثت في العراق اخفت وراءها خيوط كثيرة فمنهم من اعتقد أن الولايات المتحدة قامت بعملية التغيير تلك او انها إزاحة صدام للتمهيد في ازاحة القيادات  التقليدية في المنطقة للتمهيد في بناء شرق اوسط جديد يتفق والمتغيرات الدولية. ثم أن هذه القيادة تثير الاشمئزاز لدى شعوب المنطقة بسبب الشعارات الرنانة والبيروقراطية والسياسات الغير منطقية والتي  تنم على عدم المسئولية   لذلك قامت الولايات المتحدة بعمليات استبدال لهذه القيادة والتي عمرت طويلاً وقد مهدت لذلك من خلال تهيئة شعوب هذه المنطقة ودفعها لاستنكار أعمال هذه القيادة.

فريق اخر من الباحثين يرى ان الولايات المتحدة بدات تدرك انها بدعمها للانظمة المستبدة يفقدها ثقة العالم. فهي تدعو  الى المساواة والتحرر والديمقراطية الا انها تقدم الدعم للانظمة المستبدة الدكتاتورية والم تقدم أي دعم لشعوب هذه الدول التي تتعرض لشتى انواع الاضطهاد والظلم على يد قادتها المرتبطين بعلاقات ودية مع الدول الغربية. من ذلك بدأت الأدارة الامريكية تغير منهاجها في التعامل مع هذه الأنظمة.

وهناك راي يعتمده بعض الباحثين يخالف ذلك ويرى أن نظرية  التغير بدات مع المشروع الامريكي "الشرق الاوسط الكبير " والهدف منها القضاء على النفس القومي او الديني الذي ينتشر وبشكل كبير في هذه المنطقة، وتمثل افكار حاملي هذا النهج خطر على مصالح الغرب في هذه المنطقة الحيوية وربما تكون أراء الباحثين قد أعطت بعض من الاسباب المقبولة لعملية التغير التي أقامتها امريكا في المنطقة، ألا أن الصورة الحقيقية يمكن أن تكون اكثر وضوحا من خلال مراجعة لطبيعة العلاقة البريطانية الامريكية.

من الواضح ان الولايات المتحدة وجدة نفسها بعد الحرب العالمية الثانية قوة عظما بديلة لبريطانية التي أدركت هي الاخرى هذا التحول في ميزان القوى العالمية ولكي يكتمل لدى الولايات المتحدة عناصر القوة لا بد لها من تأمين مصادر الطاقة والتي تمكنها من الحفاض على قوتها او الاستمرار في الاحتفاض بهذه القوى. ومن المعلوم ان الولايات المتحدة حليف قديم لبريطانية ولا يمكن للولايات المتحدة ان تخسرحليفها التقليدي، فما يزال التهديد السوفيتي يمثل خطر كبير على مصالح الغرب ثم ان بريطانيا لا تزال تحتفض بقوتها، وهذا يعني أن على الولايات المتحدة ان تتعامل باساليب اكثر حكمة في السيطرة على مصادر الطاقة. منها المساهمة في عملية التغير والتي اجتاحت الشرق الاوسط، فمن الممكن ان تكون الولايات المتحدة قد ساهمة في وصول البعث الى السلطة كما تشير الى ذلك معظم المصادر، ومن الممكن أن يكون صدام حسين قدم الى الحكم بدعم امريكي. ربما تكون أمريكا قد استخدمت صدام أدات للوصول الى الاهداف الاستراتيجية دون علمه كما يرى ذلك الدكتور يوسف حمدان. أو انه تصرف وفق سياسة خططت له من قبل الولايات المتحدة ومهما يكن من أمر فان صدام حسين اختط سياسة مهدت لدور كبير للولايات المتحدة في منطقة الشرق الاوسط. فمثلاً تاميم النفط عام 1973 اقصى الشركات الغربية من العمل في العراق، فلم تجد الشركات الامريكية بعد الاحتلال الامريكي للعراق أي مشكلة في السيطرة على منابع النفط في هذه المنطقة الحيوية. كذلك حروبه مع ايران ساهمت في احداث شرخ كبير في العالم العربي والاسلامي ثم جاءت حربه مع الكويت والتي اضعفت الصف العربي والذي لم يتمكن منذ ذلك التاريخ من أتخاذ أي موقف مهم أزاء قضايا امتنا العربية.

اذاً هذه الأحداث لم تزعج بريطانيا رغم ادراك فرنسا للخطر الذي لعبته امريكا حيث بدأت تعرض هذه التوجهات مخدرة الدول الاوربية من المخطط الخطير الذي قد تتعرض له اوربا لو تمكنت امريكا من السيطرة على المنابع النفط. وسواء أدركت بريطانيا هذا المخطط أو انه يجري بعلم منها أو انها ساهمت في وضع لبناته الاولى فهي لم تعارض التوجه الامريكي بل انها وقفة بكل قوة الى جانب الولايات المتحدة.

الولايات المتحدة عرضت اهدافها وبشكل واضح من خلال ما قاله الرئيس بوش أن المثلث الكوري الشمالة الايراني العراقي يمثل محور الشر، وبدأت اللعبة من أفغانستان ثم العراق والانظار تتجه نحو أيران ثم كوريا، اذاً الخيوط واضحة فنفط الخليج لا بد من ان يكون اهله امناء عليه وقد تحقق ذلك من خلال القضاء على الانظمة الثورية التقليدية والتي لا تنسجم والتوجهات الجديدة للسياسة الامريكية.

وعليه فازالة صدام ما هو الا سيناريو أمريكي تخفي وراءها مآرب كثيرة وكبيرة. فالسيطرة على العراق يمكنها مراقبة تحركات ايران العسكرية والسياسية وتقطع عليها الطريق لأقامة أي تحالف مع العالمين العربي أو الإسلامي وتتمكن من عزل سوريا او إجبارها على توقيع معاهدة مع اسرائيل كتلك التي وقعت مع مصر أو الأردن.. كذلك مراقبة النشاط النووية التي تجري في المنطقة ولا شك أن تواجد الولايات المتحدة في هذه المنطقة يمكنها من احتواء تلك النشاطات.

يصف البعض السياسة بأنها لعبة قذرة يمارسها السياسيون وغالباً  يكون لهذه اللعبة ضحايا وطبيعي فان اللعبة السياسية في العراق يكون ضحيتها الشعب.     

*باحث ومؤرخ عراقي

مركز سومر للدراسات والبحوث

شبكة النبأ المعلوماتية-الخميس 30/اذار/2006 -29/صفر/1427