المياه وذاكرة العطش من بني أمية الى البعثيين الجدد

بقلم: د. وليد سعيد البياتي

الماء والانسان علاقة سببية وفق السنن الالهية:

        الماء ذلك المخلوق البديع الذي جعله الله احد مصادر الحياة على سطح البسيطة فقال: " وجعلنا من الماء كل شيء حي افلا يؤمنون" الانبياء/30 مما يؤكد طبيعة العلاقة بين الماء والانسان، بكونها علاقة سببية تتشكل عند حدود النشأة الاولى للجنس البشري الذي صار الماء عامل اساسي من عوامل استمراريته في الحياة، وتترتب هذه العلاقة عند مفاهيم السنن الالهية في تسخير كافة المخلوقات لبني الانسان في قوله تعالى شأنه: " ألم تروا إن الله سخر لكم ما في السموات وما في الارض" لقمان/20 فتسخير الماء للانسان اذن من السنن الالهية الثابتة التي تنتظم قيمتها في تسهيل حياة الانسان عبر توظيف هذه المسخرات لخدمة تطور الحياة، انسانية كانت اوغير انسانية، فلا ديمومة للحياة على الارض بدون الماء، ومن هنا  كانت نشأة كل الحضارات القديمة عند سواحل الانهار في بلاد ما بين النهرين، وهذا الترابط السببي بين الانسان والماء يعطي لعملية منع الماء عن الانسان او بقية المخلوقات قيمة الجريمة العظمى لاهمية الماء في الحياة، وإذا  قدمت لنا حركة التاريخ نماذج بشرية تعاملت مع الماء كعنصر من عناصر القهر والاضطهاد كما في واقعة الطف حين منع ماء الفرات عن الامام الحسين وآله واصحابه صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين، فان هذا العمل ماهو الا نتاج عن الانحطاط النفسي والفساد العقلي في فهم العلاقة السببية باعتبارها سنة الهية، وهو عمل يمثل نهاية الجهل والخروج عن الحس العقلي قبل ان يكون خروجا على التشريع الاسلامي، مما يؤشر عدم خروج بني امية من ربقة الجاهلية وظلامية منهجها الى حضيرة الاسلام ونور الحق الالهي، ولم يتم كل ذلك الا للحقد المتوارث عبر اجيال الشجرة الخبيثة، ذلك الحقد الموجه ضد الرسالة الخاتم وصاحبها الرسول الاعظم صلوات الله عليه وأله الاطهار ومن بعدهم شيعتهم، السائرين على نهجهم والمتبعين سنتهم التي هي سنة الرسول الكريم، وليس غريبا ان يتحول هذا الحقد، وتلك الكراهية للرسول واله وشيعتهم الى صبغة وراثية تتناقلها الاجيال لتزداد مع كل جيل امعانا في الانحراف عن النهج السوي، وتجاوزا على السنن الالهية في تسخير كل شيء لحياة الانسان، وعلى رأس المسخرات الماء، وكما سن بني امية سنة الاضطهاد والقهر بمنع الماء، هاهم ورثتهم من نكرات البعث وخوارج العصر يابون الا الانحراف عن السنن الالهية عبر الارهاب المستمر سواء بالذبح والتفجير والاختطاف وهتك الاعراض، وانتهاءا بمنع المياه او على الاقل تهديدهم بمنع المياه عن بني الانسان، وهيئة علماء السوء والتي ما هي في الواقع الا شكلا جديدا من اشكال البعث، بل يمكن اعتبارها الجيل الثالث للبعث العفلقي بعد ان تلبس بلباس رجال الدين، هذه الهيئة تنظم الى جوقة الناعقين باطلاق التهديدات والتلميحات التي سبق وان اطلقها بعض قادة الاكراد بمقايضة الماء بالنفط, ليعلنوا عن امكانية تخريب الحياة بهدر المياه، واستعمالها سلاحا للقهر ولتمرير مصالحهم الضيقة على حساب الشعب، ورسالة الهيئة التي تهدد بها اهل الوسط والجنوب من شيعة العراق تحمل اكثر من معنى مبطنا اذ تقول :  ( فإذا كان النفط في الجنوب مثلاً فالماء في الوسط والشمال يمكن حبسه حتى يُبادَل برميلٌ من النفط ببرميلٍ من الماء، ويمكن أن ينفرِط عقده فيغرق الجنوب كله ) . وهذا يكشف مدى انغماس هؤلاء في جاهليتهم، وتوارثهم الحقد القديم على آل بيت النبوة، فالمنهج المنحرف هو المنهج، والاساليب المتدنية هي نفسها في خروجها عن الذوق الانساني والعقل السوي، قبل ان يكون خروجها عن الشرع الالهي المتمثل في استمرارية السنن، باعتبار ان الماء مسخر من الله عزوجل وان هذه التسخير من السنن المستمرة، ولكن هيهات، فكيف لمثل هؤلاء ان يتحلى بالفهم وعلى القلوب اقفالها، وقد توارثوا ثقافة القتل وحبس المياه في جيناتهم جيلا بعد جيل، وحتى ان سموا كل ذلك العهر مقاومة، فان الشمس لا تخفيها غرابيلهم المهترئة، فهل تفجير الاطفال واحراق مدارسهم مقاومة؟! أم هتك اعراض الفتيات مقاومة؟! او ربما كان في عرفهم وشريعتهم تفجير مراقد آل الرسول مقاومة؟! واي فرق بين افعالهم وما قام به بني امية من قتل الحسين عليه السلام بعد ان منع وأله واصحابه من الماء، او ما اقترفه بني العباس بحرث قبر الحسين عليه السلام على عهد المتوكل، ثم تدمير كل التراث الرسالي على يد ابن عبد الوهاب واتباعة من بدو الجاهلية الثانية، بالتأكيد لا فرق، فهؤلاء من نسل أؤلئك والحقد كما اللعنة يتوارث.

الارهاب منهج البعث الجديد:

    تعتبر رسالة هيئة علماء السوء تطورا نوعيا في اساليب الارهاب الحديث، بل تكشف عن التمادي الخطير في استعمال احقر الاساليب تجاه الحياة والانسان، كما تكشف عن التحالف الشاذ بين الاكراد والهيئة، فالاولين قد اعلنوها صريحة، إما كركوك( اي النفط) او ان نمنع عنكم المياه، ثم دخلت جماعة البعث الجديد على الخط لتكشف عن ورقة التوت الاخيرة، فاما الحكم وعودة البعثين وان تلبسوا بلباس اتباع عبد الوهاب، او ان الدماء ستضل تسيل والاعراض ستضل تنتهك والاجساد ستضل تتفجر والمياه ستمنع عنكم، أن الرسالة الاخيرة للهيئة تتجلى عن مؤآمرة خطيرة يشكل اطرافها جماعات كردية وبعثية من الاتجاهين القديم والجديد، واطراف عربية واقليمية، والا فما معنى ذهاب الضاري الى موسكو؟! وما هي تلك الصفة السياسية التي يمثلها في الحكومة؟؟ فعندما ذهب السيد رئيس الوزراء ابراهيم الجعفري الى انقرة بصفته رئيسا للوزراء اقام جلال الطالباني الدنيا ولم يقعدها ووجدها فرصة للطعن في ترشيح الجعفري من قبل اكبر واقوى القوائم الانتخابية، ولكن ابى الله الا ان يرده خائبا، والان هل يستطيع الطالباني ان يحاسب الضاري؟؟ او ان يسائله عن ذهابه الغريب الى موسكو؟؟ ثم ما نوعية العلاقة التي تربطه بموسكو؟؟ هنا من حقنا ان نتسائل، من حقنا ان نوجه الانظارالى ما تنسجة الاصابع الكريهة من مؤآمرات ودسائس ضد الشيعة وما هذه التصريحات الغبية من جماعة هيئة علماء السوء الا بداية الامر، فالهيئة تدرك انه في حال قيام فدرالية للشيعة تمتد من سامراء الى البصرة، تتمتع بكل مقومات الدولة من مصادر الاقتصاد ومنافذ دولية ونفط واراضي زراعية الى أخرة( وهي التي عرفت اصلا بارض السواد لكثافة زراعتها)، وقيام فدرالية في الشمال تتمتع هي الاخرى بقومات الحياة، فهذا يعني حصرالسنة في المناطق الغربية التي عاشوا فيها والتي يغلب عليها الطابع الصحراوي والحياة البدوية، حيث قلة وندرة المصادر الاولية الا من جانب من ماء الفرات، وبعض المفردات الاخرى، وهذا يعني الانغماس في المزيد من التخلف، والضاري يبحث عن الورقة الروسية للضغط على حكومة الجعفري بعد ان افلس هو والطالباني في تحركاتهما لازاحة الجعفري الذي سيشكل الحكومة، ولكن يبقى التساؤل قائما حول الزيارة الغريبة لموسكو التي الرغم من كل شيء تدرك ان لامصلحة لها في العراق الا عبر الحكومة المنتخبة الحالية، وان الشيعة في العراق اقدر على التعامل مع الحدث اليومي بكل الصبر والشدة في نفس الوقت، كما ان كل الحسابات الاقليمية والدولية تدرك خطورة اي تحول جديد خارج العلاقات والمصالح، فالمرحلة التاريخية الحالية لم تعد تسمح بالكثير من المجازفات، والدول تحافظ على مصالحها مع دول مثلها، اما التعامل مع الافراد كالضاري فلا يعني شيئا حتى وان جاء ممثلا للبعث برداء أخر، فالعراق الشيعي بولاءه لآل البيت الاطهار عليهم السلام( بحساب الاغلبية الشيعية) والمنضبط بعقيدته ابعد من ان يسقط بيد فقهاء السوء من البعثيين الجدد، والشيعة قد ادركوا منذ زمن قواعد اللعبة، والقطار الشيعي قد سار على الخط مندفعا بعزم الولاء، محتكما لقوة العقل متسلحا بحكمة الصبر ولن يخطو خطوة الا لتليها اخرى وصولا لتحقيق المصلحة العليا.       

 albayatiws@hotmail.com

شبكة النبأ المعلوماتية-الثلاثاء 28/اذار/2006 -27/صفر/1427