في
كل مجتمعات البشر تتفاوت نسب الاقبال على الزواج بين مجتمعٍ وآخر، فقد
تقل في مكان وتزيد في آخر، ولذلك كما هو معروف العديد من الاسباب منها
المادية التي تحول دون اتمام الزواج والنتيجة ارقاماً خيالية لنساءٍ
عوانس احالت الظروف القاسية من زواجهن، او ظروف اجتماعية تتعلق بنظرة
المجتمع لشريك الحياة، كأن تختار الاسرة زوجاً لابنتها وفق مقاييس هي
تحددها مسبقاً من قبيل مثلاً ان يكون صاحب مركز لا بأس به وذا وجاهة
وحسن المنظر واهم شيء مستواه المادي، وقد حرمت هذه القيم الاجتماعية
المرضية العديد من الشباب من بناء اسر حتى ولو كانت بسيطة.
وحقيقة قد دأبت الكثير من المجتمعات على التقيد بهذه المقاسات
الخاطئة، اذ تظن العديد من الاسر ان ضمانة البنت هو المال بالدرجة
الاولى دون الركون الى مضمون قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عندما
قال زوجوا من ارتضيتموه ديناً، وبتلك المعطيات نحن نواجه تناقض شديد
كوننا اصحاب دينٍ اسلامي ونعزوا انفسنا بأننا متقيدين بتعاليمه الحنيفة.
نقول وبشيء مؤسف اننا بعيدين بعض الشيء عن التطبيق لتعاليم ديننا،
فالكثير من تعثرات مجتمعاتنا وازماتها بسب تصرفاتنا القيمية المبنية
على الجهل والتخلف والتي لم تنم عن تفكير منطقي او حتى اتباع نص او سنة
نبوية.
لقد اجريت العديد من الدراسات حول موضوع العنوسة وشخصت اسبابها
في اكثر من مكان وكما اسلفنا منها اقتصادية بالدرجة الاساس واجتماعية
وتفاوتات وغيرها، وحقيقة بعضها وجد لها الحلول وهي ليست بمسألة مستعصية،
فمع توفير سيولة مادية وتسهيلات مقبولة للشباب وتبدل على نحوٍ صحيح في
افق تفكير الاسر والصورة المرسومة عندهم لازواج بناتهم، ممكن ان يبنى
المجتمع على نحوٍ افضل وتجد مشكلة العنوسة لها حلاً بسيطاً ممكن ان
نصفه نحن بأيدينا.
ولا يخفى على احد من ان هذه المشكلة بتراكماتها قد برزت بشكلٍ
واضح في المجتمع، فوجود نسبة من النساء لم تحظى بفرصة الزواج ويقابلها
نسبة اخرى من الشباب العاجزين عن الزواج، معناه عدم نشوء اسر ممكن ان
ينهض بها المجتمع، اضافة الى تازمات نفسية وتقلبات اجتماعية ممكن ان
تلحق هؤلاء وبالتالي ينعكس اثرها بأضرارٍ فادحة على المجتمع وبناءه.
ان كل تلك هي مقدمة مسلم بها لمشكلة مزمنة يوجد لها حل ولكن لا
توجد لها اذان صاغية كما يقولون، الا ان المصيبة اكبر عندما تظهر اسباب
اخرى تدفع بالنساء الى حافة الهاوية اضافة الى الاسباب القاهرة الاخرى.
في المجتمع العراقي الذي اصبح خير مختبر للتجربة والتحليل،
المرأة العراقية اليوم في وضعٍ لا تحسد عليه، اذ كانت الاحصائيات في
الفترات السابقة تشير الى كثرة عدد الاناث قياساً بالذكور في العراق،
وذلك بحد ذاته سيزيد من عدد اللواتي ينتظرن الزواج بالاسباب المذكورة
سابقاً او بعدم التقدم للزواج بهن، الا ان ما زاد من فضاعة الامر هو
امر ملموس وواضح للعيان قد لا ينتبه له الكثيرين وربما قد يزيد من هموم
المجتمع العراقي والمرأة العراقية بالذات، وهو مطحنة الموت الجارفة
التي قد قست كثيراً على الانسان العراقي، وحقيقة ان مجازر الموت
الحاصلة حالياً في العراق لم تستثني صغيراً او كبيراً، انثى او ذكر،
لكن وبشيء لا يقبل الشك وهذه هي الحقيقة المرة، هو ان عدد ضحايا الموت
في العراق هي من الرجال وخصوصاً من الشباب على اكثر تقدير.
فهل لذلك تبعة ومؤثرات اجتماعية؟
من المؤكد ان موت انسان واحد في مجتمعٍ معناه خسارة ذلك المجتمع
له وخسارته لنفسه من ناحية بناء اسرة وكيان، فالعديد من الرجال اليوم
في العراق الذين ذهبوا ضحايا لاسباب معروفة وغير معروفة هم اصحاب اسر
او افراد في اسر ومسؤولون عن اخوة ولديهم كياناتهم الخاصة، فنهاية
حياتهم معناها تهديم روابط المجتمع القائمة عليهم.
ان سنة الحياة تقول ان الرجال يتزوجوا بالنساء، فما مصير الالاف
من نساؤنا اليوم وهي تواجه خطر اسمه شحة العنصر الرجالي الذي ذهب البعض
منه بسبب القتل والاعتقالات والتفجيرات وما الى ذلك.
هل هذه مصيبة اخرى قد اضيفت لازمات المجتمع العراقي؟
ان المتفحص جيداً لهذه المشكلة يرى انها مدروسة مسبقاً لزعزعة
المجتمع العراقي، فالهدف من افقار العراق من رجاله هو لتهميش المجتمع
بالقضاء على فرص اقامة الحياة المستقلة والمتمثلة بأقامة الاسر والتي
تعد اللبنى الاولى للمجتمع.
فهل من حلول، ربما المستقبل سيفصح عن ذلك؟ |