نهاية إيمان فرانسيس فوكوياما بالمحافظين الجدد في كتابه الجديد

اصدر المفكر الامريكي المعروف فرانسيس فوكوياما مطلع هذا الشهر كتابه الجديد (امريكا على مفترق طرق - الديمقراطية والقوة وتركة المحافظين الجدد) ليسجل اوج المعركة التى دارت رحاها منذ اكثر من عامين مع اصدقاء الامس .

ويأتي كتاب فوكوياما الصادر عن جامعة (ييل) الامريكية المرموقة والذي يأتي تفصيلا لمحاضرته المشهورة التى القاها فى الجامعة عام 2005 حول السياسة الخارجية الامريكية واخطاء رؤى المحافظين الجدد وخاصة ازاء التعامل مع الملف العراقي بمثابة اعلان القطيعة التامة فى المواقف مع تيار كان فوكوياما الى عهد قريب يعتبر نفسه احد المحسوبين عليه والمدافعين عنه والمنظرين له .

ويؤكد فوكوياما الذي اشتهر قبل اكثر من عشر سنوات بكتابه ونظريته الشهيرة والمثيرة للجدل ( نهاية التاريخ ) فى مقدمة كتابه الجديد خلفيته الفكرية والسياسية كاحد المقربين او المحسوبين على تيار المحافظين الجدد حيث يشير الى الافكار المشتركة بينه وبين بول وولفويتز على سبيل المثال والذي عمل معه سابقا مرتين اولا في وكالة مراقبة ونزع التسلح الامريكية ولاحقا في وزارة الخارجية.

ويذكر فوكوياما القراء بعمله مع وولفويتز ايضا فى مؤسسة ( راند ) وهي احدى اهم دور الدراسات الاستراتيجية الامريكية كما يذكر بتلمذته على يد ألان بلوم الذي كان بدوره تلميذا لليو شتراوس احد اهم من اقتفى تيار المحافظين الجدد فلسفته وافكاره ابان عقد الخمسينات من القرن الماضي .

ويوضح فوكوياما الذي دأب على الكتابة الدورية في اهم منشورات تيار المحافظين الجدد كمجلة ( ناشيونال انترست ) و ( ببليك انترست ) و ( كومنتري ) كيفية وصوله الى نقطة اللاعودة مع المحافظين الجدد ورؤيتهم ازاء السياسة الخارجية الامريكية وخاصة ما يتعلق بملف العراق .

ويشير الى تلك المحاضرة التي اقيمت في فبراير عام 2004 في معهد ( امريكان انتربرايز) وهو احد مراكز الدراسات الاستراتيجية المحسوبة بقوة على المحافظين الجدد حيث القى تشارلز كروثامر صاحب العمود الشهير في صحيفة نيويورك تايمز محاضرة وصف فيها حرب امريكا في العراق بانها " نجاح منقطع النظير ".

ويقول فوكوياما " لم افهم لماذا كل من حولي فى تلك المحاضرة كانوا يصفقون لخطاب كروثامر في ظل عدم نجاحنا في العثور على اسلحة دمار شامل والوقوع في حرب مع المتمردين ووجود انفسنا معزولين عن العالم بسبب هذا النوع من الاستراتيجية الاحادية التي يدافع عنها كروثامر ".

ويقول فوكوياما " خلصت الى ان المحافظين الجدد رموزا وافكارا يدورون حول شيء لا استطيع بعد الان ان اؤيده او اقبله بتاتا " .

ويقدم فوكوياما فى الفصل الثاني من كتابه عرضا تاريخيا مختصرا ومعمقا فى نفس الوقت حول مسيرة تيار المحافظين الجدد منذ البدايات الاولى لنشوءه ابان ثلاثينيات القرن الماضي عندما ظهرت جماعة ( سيتي كوليدج اوف نيويورك ) والتي ضمت شبانا ناشطين كانوا مزيجا من التروتسكيين والستالينيين والاشتراكيين الاجتماعيين وغيرهم مرورا بعقد الخمسينيات وتنظيرات ليو شتراوس وجماعة جامعة شيكاغو وتأثيرهم على جيل قادم من المحافظين الجدد انتهاء بالرموز الحالية للتيار ومفكريهم كروبرت كاغان ووليم كريستول وغيرهم .

وبعد ان يوضح فوكاياما العديد من الاخطاء التي ارتكبتها ادارة الرئيس بوش الموجهة من قبل المحافظين الجدد على حد تعبيره في العراق وافغانستان يقترح وصفة تمزج بين افكار المدارس التقليدية التي قادت السياسة الخارجية الامريكية على مدى عقود ويسمي تلك الوصفة ب (الواقعية الويلسونية) نسبة الى الرئيس الامريكي الاسبق وودرو ويلسون ( 1913 - 1921 ).

ويقول فوكوياما ان تيار المحافظين الجدد هو احد اربعة مدارس وتيارات تشترك حاليا فى طرح بدائل ورؤى فيما يتعلق بالسياسة الخارجية الامريكية وهي اضافة الى المحافظين الجدد تيار ( الواقعيون ) الذين يسيرون تقليديا ضمن منهج هنري كيسنجر الذي يولي مسالة القوة اعتبارا مع التقليل من اهمية الظروف الداخلية لدول العالم ومسائل حقوق الانسان فيها .

ويشير الى ان التيار الثالث يكمن فى ( الليبراليون الدوليون ) الذين يهمشون استخدام القوة العسكرية ويدفعون بتجاه تنشيط وتعزيز المؤسسات الدولية والعمل الدولي الجماعي مع مراعاة المصالح الامريكية بالتاكيد .

اما التيار الرابع والاخير فهو ( الجاكسونيون الوطنيون ) - نسبة الى الرئيس الامريكي الاسبق اندرو جاكسون ( 1829 - 1837 ) - الذين يميلون الى التضييق من قضايا الامن وارتباطاتها الدولية مع التقليل من اهمية العمل الدولي وتفاعلاته والدفع باتجاه نوع من العزلة والمحلية .

ويرى فوكوياما ان وصفته ( الواقعية الويلسونية ) تاتي كحل وسط مؤكدا ضرورة الاستفادة من نقاط القوة في كل الرؤى والمدارس الموجودة مشيرا الى ان الاعتماد الكلي على القوة العسكرية كما يدعي المحافظون الجدد امرا خاطئا وفي نفس الوقت يؤكد على خط المدرسة الليبرالية الداعية الى تهميش الخيارات العسكرية وثانويتها .

ويضيف ان الاقرار بقصور المؤسسات الدولية وعدم فاعليتها واخطائها امرا مطلوبا لكن تهميش العمل الدولي ومؤسساته بما فيها الامم المتحدة امرا غير مقبولا ايضا .

ولعل اهمية كتاب فوكاياما الجديد تكمن فى نقطتين اولهما انه يعكس تحولا جذريا في افكار فوكوياما وثانيا انها تشكل ضربة اضافية للمحافظين الجدد فى ظل جريان الاحداث فى العراق بطريقة تختلف عن تلك التي رسموها وتوقعوها في البدايات.

ولا يزال فوكوياما ينشط في طرح بدائله ورؤاه المناقضة لتلك التي يبشر بها المحافظون الجدد وخاصة في المجلة الجديدة التي يراس تحريرها (امريكان انترست ) في الوقت الذي لايزال المحافظون الجدد يواصلون نقد افكار فوكوياما والتقليل من اهميتها .

هذا وكتب فرانسيس فوكوياما مقالا في صحيفة الجارديان بعنوان: "على الاوروبيين ان يفكروا قبل تمني الفشل لامريكا في العراق".

حيث قال فيه: "هناك العديد من الامريكيين والاوروبيين المعارضين للحرب في العراق الذين لا يخفون استمتاعهم بالتأزم المتزايد للاوضاع في العراق، رغم كونهم يعبرون بكل عقلانية عن املهم في استتباب الامن والاستقرار في البلاد ويتمنون رؤية حكومة عراقية ديمقراطية."

"ويرى هؤلاء في نجاح الولايات المتحدة في العراق تكريسا لكل الافكار التي انبنى عليها غزو العراق، بما في ذلك قراراتها الاحادية الجانب واستخدام العنف والفشل الذريع على الميدان بعد الغزو، وبالتالي يتمنون فشلها ليكون رادعا لها في المستقبل."

"لكن على المرء الاحتياط فيما يتمناه، فردات الفعل القومية الاوروبية ضد السياسات التي ادت الى الحرب على العراق قد تحدد طريقة تعامل الولايات المتحدة مع اوروبا وبقية العالم. وسواء اردنا او ابينا، فقوة امريكا وتدخلها في شؤون العالم ضروريان لسير النظام العالمي الجديد، والدور الذي قد تلعبه في العالم بعد العراق لم يحدد بعد."

ويقول فوكوياما: "لنأخذ مثالين، اولهما قضية الرسوم الكاريكاتيرية الدانماركية. بعدما قامت مظاهرات واحرقت سفارات، لم تجرؤ اي من كبار الصحف الامريكية على نشر الرسوم، بل اختارت النظر الى نظيراتها الاوروبية شذرا كما لو كانت اكثر وعيا وحكمة."

"ورغم ان البعض قد يتساءل عن الشرعية نشر الرسوم او عدمها، فالذي يهمنا هنا هو ان المظاهرات والعنف كانت بهدف الترهيب، وان الامريكيين لم يفعلوا شيئا للدفاع عن حرية التعبير، بل يظهر انهم شعروا بشيء من الرضا لرؤية غيرهم هدفا لغضب المسلمين."

"والمثال الثاني وهو اكثر وضوحا، نجاح الكونجرس الامريكي في منع صفقة تشتري بموجبها شركة دبي العالمية للموانئ ستة موانئ امريكية، والذي يتنافى مع كل مبادئ الانفتاح والعولمة التي تتخذ منها الولايات المتحدة شعارا لها."

"والمثير للاهتمام هو انه بينما يلوم الجميع جورج بوش على خلق مخاوف من العرب والارهاب، كان الديموقراطيون من اشد المعارضين للصفقة، خاصة تشارلز شومر وهيلاري كلينتون، كبرى مرشحي الحزب الديموقراطي لانتخابات 2008.

"وقالت زوجة الرئيس الامريكي السابق ان اتمام الصفقة سيمس بسيادة الولايات المتحدة، كما لو كانت تجهل ان امريكا بشركاتها المتعددة الجنسيات تمس سيادة كل بلد في العالم ان صح قولها."

شبكة النبأ المعلوماتية-الخميس 23/اذار/2006 -22/صفر/1427