يحتل عيد النيروز أو الربيع مقاماً كبيراً في بعض الدول،حيث لايزال
امره كذلك من اقدم العهود الى يومنا هذا. ومن عراقته هذه تبرز اهميته،
كما أن هذا الاخلاص الشديد لتقاليده اكبر دليل على اصالته، حتى ليبدو
من العجب أن نراه مازال يثبت وجوده في القرن الواحد والعشرين، اي في
هذه الفترة المضطربة من التاريخ الروحي للانسانية.
والى ايامنا هذه بقيت تلك التقاليد على حالها، لم يتغير منها الا
شيء طفيف، بل انها لتؤدىبكثير من الاحترام والاجلال ,
يعود تاريخ الأحتفال بهذا العيد إلى الحضارة البابلية والسومرية
حيث ظل العراقيين يحتفلون بهذا العيد لحوالي ثلاثة آلاف عام حتى
انتشار المسيحية. فقد سماه السومريون(زكموك) وفي بابل ونينوى(اجيتو -
الحج) أي عيد رأس السنة.
ويبدأ في اول يوم من السنة حسب التقويم العراقي الذي يعتبر يوم
المنقلب الربيعي ويصادف الآن(21 آذار) حيث تنبثق الحياة ويظهر الربيع,
فقد كان الكاهن العراقي الأعظم يصلي للأله(مردوخ) أي اله النور ويقوم
الكهنة الآخرون بالطقوس الدينية الأخرى لأيام متتالية. ويستمر العيد
لعشرة ايام تتلى خلاله أسطورة الخليقة وتقدم الصلوات والقرابين كما كان
الملك يقدم تقريرا عن إنجازاته في السنة المنصرمة، ويطلب من الإله
المغفرة لذنوبه وآثامه. ويذبح ثور أبيض رمز الفحولة ليسقي دمه الارض و
تنظم مسيرة ضخمة في شارع الموكب حيث يتم إحراق دمى ملونة بعد الانتهاء
من المراسيم الرسمية. وفي اليوم العاشر يتم الاعتراف بشرعية حكم الملك
من قبل الإله مردوخ.. وخلال ايام العيد يعم الفرح بين الناس وتباح
الكثير من الممنوعات.
انتقلت تقاليد الاحتفال بهذا العيد إلى الشام مع انتقال الميراث
السومري إلى الساميين إلا أنه لا يقتصر تأثير هذا العيد عند هذا الحد
بل يظهر أيضا بشكل واضح في أحتفال المسيحيةبعيد(الفصح ـ أي الطبيعة
التي تفصح وتتفتح في الربيع) الذي يعتبره المسيحيون عيد القيامة، و قد
اعتبره العباسيون عيدا رسميا ولكن مع تبني اسمه الفارسي(نوروز) أصبح
الاحتفال بهذا العيد أمرا شائعا ورسميا
يعني أسمه بالفارسية: "اليوم الجديد"، وهو يجسد على بساطة لفظه
مدلول "التجدد" بمعناه الواسع المطلق، اذ زيادة عن كونه العيد الرسمي
لرأس السنة، فانه اليوم الاول من شهر "فروردين" اول شهور السنة، ويصادف
حلوله حدوث الاعتدال الربيعي (21مارس)، اي في نفس الوقت الذي تتم فيه
الارض دورتها السنوية حول الشمس، لتبدأ دورة جديدة. كما يقال في ايران،
فتبدأ الافراح استبشاراً بحلول عهد جديد تتحول فيه الطبيعة ـ ومعها
الانسان ـ من فترة الفاصل الذي يمحو الزمن ويضع حداً للماضي، ولكن يعلن
في آن واحد عن " العودة ".. عودة الحياة وتجددها
و حسب التقويم القمري الصيني ? يصادف الاول من فبراير اول يوم من
العام الجديد المعروف أيضا لدى الشعب الصيني باسم: عيد الربيع.و يعود
تاريخه الى حوالي الفي عام وهو اهم اعياد الصين تمامافهو حسب
الاسطورة.. ان عفريتا يدعى " عام " يأتي في بداية السنة القمرية
الجديدة ? ويجلب سوء الحظ للعالم. و خلال هذا الوقت يشعل الناس الالعاب
النارية لتخويف العفريت ليذهب بعيدا. وقد انتقلت هذه العادة من جيل الى
جيل
تأخذ الأحتفالات بهذا العيد أشكالا مختلفة قلما يقع السهو عن احدى
جزئياتها، ففي إيران تبدأ الأستعدادات له قبل شهر, بل انهم ليهتموا
بالبسائط اهتماماً لم يحد من غلوائه سوى ما ادخلته المدنية الحديثة من
تطور في الحياة اليومية، فمثلاً على ربات المنازل اعداد الحلويات
وتنظيف المنازل كلياً، تهيئة ملابس جديدة لكل فرد في العائلة وشراء
المكسرات وتبادل الزيارات بين العوائل.
إلا أنه أثرى هذه التقاليد معاني ودلالات في يوم النيروز هي زرع بعض
الحبوب في صحن، حتى اذا انبتت واورقت وضعت هذه الباقة الخضراء على
الخوان المخصص للسينات السبعة، او" هفت سين " كما تدعى، وهي أشياء تبدأ
اسماؤها جميعاً بحرف السين: سابزي (خضرة)، سيب (تفاح)، سركة (خل)، سير
(ثوم)، سكة (قطعة نقود)، سمانو (حلويات)، سماغ (صمّاق).
وعلى بساط أبيض فوق نفس المائدة كثيراً ما يوضع مصحف القرآن الكريم،
ومرآة، وصور مقدسة للامام علي عليه السلام، او للامام الشهيد الحسين
عليه السلام. وانما الغرض من جمع هذه الامور كلها في ابرز مكان بالمنزل
هو ان تقع عليها العيون في نفس الوقت الذي يحدث فيه التحول الطبيعي،
وان يجتمع افراد العائلة حول هذه المائدة العامرة، لتلاوة الدعوات
الخاصة بهذه المناسبة، وعلى اثر ذلك يتبادل الجميع العناق والتهاني
والازهار والهدايا، ويأخذ رب الاسرة في توزيع قطع النقود على صغاره
واهل بيته، وقد يعتني بتقديمه لهم بين صفحات المصحف الكريم تبركاً.
وفي النيروز يخفف عن المساجين، ويصطلح الخصوم، ويطعم البائس، ويزار
الموتى وتكرم ارواحهم، وما ذلك الا ليكون هذا العيد مناسبة لتهدئة
الوجدان، وايقاظ عواطف الرحمة في القلوب، فيغمر الناس عندئذ هذا الشعور
ـ الذي ابدع الفردوسي وصفه (الشاعر الايراني الكبير) بان:
" الروح تحررت من اوصابها، والقلب تخلّص من احقاده".
واما "السيزده بيدار" هو اجمل الاعياد. هذا هو الاسم الذي يطلق على
آخر ايام النيروز، ويوافق اليوم الثالث عشر من كل سنة جديدة.
وتختتم الأحتفالات بنزهة خلوية عامة لا يتخلف فيها احد عن ابداء
الفرح. وتغتنم العائلات الفرصة في ذلك اليوم لتأخذ نبات الحبوب التي
زرعتها فزينت بها خوان "هفت سين"، كي تلقي بها في احد الجداول، فتحملها
مياهه مثقلة باماني الخصب والرخاء.
وجاء في كتاب "البحار" للعلامة محمد باقر المجلسي:
قال معلى بن خنيس: دخلت على الصادق جعفربن محمد عليه السلام يوم
النيروز فقال عليه السلام اتعرف هذا اليوم؟ قلت: جعلت فداك، هذا يوم
تعظمه العجم وتتهادى فيه، فقال ابوعبدالله الصادق عليه السلام والبيت
العتيق الذى بمكة ما هذا الامر قديم افسره لك حتى تفهمه. قلت: يا سيدي
ان علم هذا من عندك احب الي من ان يعيش امواتي وتموت اعدائي! فقال: يا
معلى! ان يوم النيروز هو اليوم الذي اخذ الله فيه مواثيق العباد ان
يعبدوه ولايشركوا به شيئا وان يؤمنوا برسله وحججه، وان يؤمنوا بالائمة
عليهم السلام وهو اول يوم طلعت فيه شمس، وهبت به الرياح، وخلقت فيه
زهرة الارض، وهو اليوم الذي استوت فيه سفينة نوح عليه السلام على
الجودي، وهو اليوم الذي احيى الله فيه الذين خرجوا من ديارهم وهم الوف
حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم احياهم وهو اليوم الذي نزل فيه
جبرئيل على النبي صلى الله عليه وآله وهو اليوم الذي حمل فيه رسول
الله صلى الله عليه وآله امير المؤمنين علي عليه السلام منكبه حتى
رمى اصنام قريش من فوق البيت الحرام فهشمها، وكذلك ابراهيم عليه
السلام وهو اليوم الذي امر النبي صلى الله عليه وآله اصحابه ان
يبايعوا علياً عليه السلام بامرة المؤمنين، وهو الذي وجه النبي صلى
الله عليه وآله علياً الى وادي الجن ياخذ عليهم بالبيعة له، وهو اليوم
الذي بويع لاميرالمؤمنين عليه السلام فيه البيعة الثانية، وهو اليوم
الذي ظفر فيه باهل النهروان وقتل ذا الثدية وهو اليوم الذي يظهر فيه
قائمنا وولاة الامر وهو اليوم الذي يظفر فيه قائمنا بالدجال فيصلبه على
كناسة الكوفة، وما من يوم نيروز الا ونحن نتوقع فيه الفرج، لانه من
ايامنا وايام شيعتنا، حفظته العجم وضيعتموه انتم...
كذلك إهتمت الدولة العثمانية قديما بعيد النيروز,حيث تقرأ فيه
قصائد "النيروزية" للسلطان. وتتضمن مواضيع إخضرار الشجر و تنوير
الزهور و سخونة الهواء. خُلق سيدنا آدم عليه السلام و نزول سفينة سيدنا
نوح علية السلام على اليابسة بالإضافة إلى ولادة سيدنا علي كرم الله
وجهة في هذا اليوم. و يُعتقد أن كل مخلوقات الله تسجد له في هذا
اليوم.
و من العادات المشهورة في هذا اليوم, الخلطة التي تحضر والتي يعتقد
أنها تحمي الإنسان لمدة سنة. و ما زال هذا الخليط يحضر في مدينة مانيصة
بإسم خليط مسير كذلك الإحتفالات التي تقام في منطقة الأناضول "الأربعاء
الأسود" و هو أول يوم أربعاء من شهر مارس.
و المجتمعات التركية في وسط اسيا مازالت تحتفل به حتى يومنا هذا مثل
الازريين و الكزاك و كِرجز و التركمان و أوزبك و التتار بالإضافة إلى
المجتمعات التركية في البلقان.
ويُذكر أن الحكومات التركية كانت تمنع نهائيًّا الاحتفال بيوم
النيروز قبل حوالي 6 سنوات، خاصة أن الأكراد في مناطق الشرق هم الذين
يهتمون بهذا اليوم، ويعتبرونه بداية لسنة جديدة والعيد القومي لهم، وهم
يحتفلون فيه باعتباره ذكرى انتصار(كاوه) الحداد على الملك
الطاغية(الضحاك)، وهي حكاية قد تلتقي مع حكاية الاله تموز الذي يحرر
البشرية من طغيان برد الشتاء وموته وقحطه. وإن احتفال الأكراد في جميع
أماكن وجودهم بعيد النيروز، بإشعال النيران ليلة 21 آذارمن كل عام
والتجمع في ساحات المدن والقرى للغناء والرقص وتناول الطعام طوال
النهار، يعبر عن وحدة ثقافية تعكس الوطنية الكردية.
كذلك لا يزال الاحتفال بهذا العيد في مختلف انحاء العراق باسم "يوم
المحيا" أي احياء الربيع بعد جماد الشتاء. ويسمى ايضا(يوم الكسلة) كما
في البصرة، او(دورة السنة) او(يوم الخضر) وهو الشخصية الاسلامية التي
يرتبط اسمها بالخلود والخصبة والخضرة. في أرياف الجنوب يحتفل بهذه
المناسبة حيث يقومون بشراء الخس والشموع على عدد أفراد الأسرة ثم يضعون
الرز واللبن والسمسم والسكر والحناء في(صينية) كبيرة ويطلقون على هذه
المواد(جوه السلة) وبعد فترة من الهدوء والصمت يبدأون بتناول ما في
الصينية. وفي اليوم الثاني يخرجون للتنزه في البساتين عصرا ومعهم
الأطعمة ثم يعودون بعد الاحتفال إلى بيوتهم.
بينما يأخذ الأحتفال بهذا اليوم شكلا آخرفي بعض دول وسط آسيا ففي
أفغانستان وفيما قرَّرت الحكومة الانتقالية برئاسة "حامد كرزاي" إحياء
الاحتفال بهذا العيد الذي كانت تمنعه طالبان، فإن آلاف الأفغان يحتشدون
منذ فجر الواحد والعشرين من آذار في الساحة الرئيسية لأكبر المساجد في
مدينة مزار الشريف التي تُعد مركز الاحتفال بهذا العيد. كما يتوافد
مئات الأشخاص من مناطق أخرى بالبلاد للمشاركة في هذه الاحتفالات،
إلا أن أحتفال الأفغان بعيد النيروز يستمر لمدة سبعة أيام، حيث
يعتقد البعض منهم أنها أيام يُشفى فيها المرضى.
ويوجد في "مزار الشريف" ضريح يُسمى بنفس اسم المدينة، يعتقد البعض
أنه قبر سيدنا "علي" عليه السلام، يُسمَّى هذا القبر بـ"السخي" الذي
يعطي كل من يسأل حسب ما يعتقد الأفغان!!
وقبل وصول طالبان للحكم كان كل ملك أفغاني جديد يقوم في أول أيام
النيروز برفع راية تُسمى "مزار السخي"، بدعوى أن رفعها وعدم سقوطها
علامة على بقاء الحكم، وكانت تعلن العطلة الرسمية لهذا العيد لمدة
ثلاثة أيام.
أما النيروز في الصين والذي يسمى بعيد الربيع فيعد اهم الأعياد
تماما مثلما عيد الفطر وعيد الاضحى عند المسلمين وعيد الميلاد لدى
المسيحيين.و يصادف اليوم الاول من فبراير وهو حدث ثقافي هام يقوم
بمهمة التوصيل والتعميم للثقافة الصينية التقليدية ويفهم من الاسم انه
عيد يبشر بقدوم الربيع يقود الحياة الى اراضي المزارعين..وهو وقت
الحراثة , وبالنسبة للصينيين فإن هذا اليوم يعد بداية ايضا لعام
جديد.حيث تبدأ احتفالات عيد الربيع التقليدية اليوم الثامن من الشهر
القمري الثاني عشر وتدوم شهرا، يقدمون فيه الاحترامات لاسلافهم من خلال
تقديم القرابين.
وفيه يودع الشعب الصيني عام الحصان ويرحب بعام الخروف – الحيوان
الوديع المبشر بالخير في عيون الصينيين ومن المعروف أن الصينيين
يحترمون العائلة أسمى احترام. وان اهم جزء في احتفالات عيد الربيع هي
الوليمة العائلية الفخمة عشية رأس السنة. هذه العادة تعكس تماما حب
افراد العائلة لبعضهم البعض فتقربهم معا. وان لالتئام شمل العائلة قوة
السحر في تلطيف وتوطيد العلاقات داخلها ,فالكبار وحولهم اولادهم
مسرورون لان يروا جهودهم الكدودة لتربية اولادهم قد اثمرت. وهذا ايضا
وقت يعبر فيه الصغار عن امتنانهم لآبائهم.
وأصوات السكاكين المتضاربة مع خشبات الوضم تنبعث من كل عائلة? مشكلة
مقطوعة موسيقية فرحة ? مع الانفجارات العالية للالعاب النارية في
الشوارع ? واصوات حبات المعدادات تنطلق من المتاجر المحلية.
واحتفالا بعيد الربيع.. تلصق كل عائلة ? مدنية او ريفية ? بيتين (
كوبليه) من الشعر مكتوبين على ورقة حمراء على الابواب.. كوبليه عيد
الربيع، نوع من الادب الصيني يحمل تمنيات الناس الطيبة. وفي شمال
الصين.. يزخرف المواطنون أيضا ابوابهم برسوم عيد الربيع، وهي عبارة عن
بركات وصلوات للسلامة.
وثمة جزء اخر من الاحتفالات يضم تبادل التحيات في العام الجديد.
ويزور الشباب جيرانهم واصدقائهم اما لتبادل التحيات واما للولائم. وفي
الشوارع يحيي المعارف بعضهم بعضا بقول:" أتمنى لك الرخاء "" اتمنى ان
تتحقق أمانيك " عام سعيد " الى غير ذلك من الدعوات المباركة. هذه
التحيات هي الوسيلة الافضل لتعزيز الصداقات ? وان التحية الصادقة قد
تكون ايضا لاصلاح المنازعات التي تفرق بين الناس.
وفيما تختلف عادات عيد الربيع باختلاف المناطق في الصين، نظرا
لاتساع مساحتها، تختلف مأكولات العيد. ففي شمال الصين يأكلون ((
جياوتسي)) وهي فطائر من العجين المحشو باللحم والخضراوات، وفي مناطق
أخرى يأكلون حلوى تسمى ((نيانقاو)) ومعناها ((كل عام وأنتم في
رقي)),كذلك تعرض تمثيليات وبرامج تختلف بحسب المناطق منها المشي على
الطوالات ورقصة فانوس التنين ورقصة الأسد ورقصة التجديف وغيرها من
الطقوس التي يمارسها الصينيين للتعبير عن فرحتهم بالعيد.
نهاية نلاحظ أنه بأختلاف طقوس ومظاهر الأحتفال بهذا العيدعند بعض
الشعوب فإنه يجمعها الإعتقاد المشترك بأنه عيد يجلب الحظ والبركة نظرا
لقدومه بعد أنتهاء موسم البرد وحلول فصل الربيع وما يحمله من معاني
الخصب والعطاء للجميع.
المراجع
إذاعة الجمهورية الإسلامية الإيرانية
شبكة الصين
موضوع: عيد الربيع.. نيروز عيد كل الأمة العراقية
|