مدخل منهجي:
كلما وقعت على أسماع الناس كلمة التشيع ولوازمها، ثارت النفوس وعم
الصخب والسباب والافتراء وما هنالك من ثقافة الظلم والتخلف والجهل
والحمق والتكفير، لكن لا شك أن لهذا الواقع أسباب وعلل تلتقي بالكلمة
التي وردت عن أمير المؤمنين عليه السلام:" الناس أعداء ما جهلوا"...
هذه الكلمة عندما نسمعها أو نحتج بها في وصف مظلومياتنا أو ندرجها
في مقدمات جدالاتنا مع الآخر ككل، نسقط بها من حيث أردنا أن نرتقي
بها إلى مرتبة ولائية عالية، من مراتب الوعي الإيماني بكلمات الأطهار
عليهم السلام، لأننا لم نعها الوعي الإيماني الرسالي ولكن وعيناها وعيا
سطحيا يعوقه المراء الاجتماعي من أن يرقى لدرجة الوعي الإيماني، كما
يثبطه التخمر الثقافي الذي ألفنا سخونته في مجالسنا وبيوتنا، وأصبحنا
نخشى الهواء الطلق من جراء ظاهرة أنفلونزا الطيور، وفي الوقت ذاته
ألفنا أنفلونزا الطائفية رغم خطورة فيروساتها الفكرية والنفسية
والاجتماعية والسياسية، فأقحمنا هذه الكلمة وأخواتها من كلمات الأطهار
عليهم السلام في فضاء إنفعالي مرضي يضفي على حاله بلبوس تمام الصحة
والنعمة بدلا عن الفضاء المقاصدي الإستشفائي في التشريع الإسلامي،
بحيث نمتد بالكلمة في وعينا، لنلتمس الدرر والجواهر الكامنة فيها والتي
بها ننال حق الولاء الفعلي، الذي ينتشل الجاهل والمقهور والظالم لنفسه
من وحل الجهل والاستعباد والتخلف والظلم ككل، برفق ورحمة، لأن مسؤولية
الإنسان الموالي في هذه الحياة ليست الأنين القابع في العادة، بل
الأنين العميق والصادق والرسالي الحقيقي، هو ذلك المنهاج التربوي
الإمامي، الذي يسقط فيه للأسف الكثير من السائرين في سبيل رحلة سفينة
النجاة لمجرد وعكة روحية.
المسؤولية الأصيلة والمصيرية في هذا كله، هي تفعيل الإسلام الرسالي،
والمقدمات التي يحويها (الإسلام) لإنتاج الفجر المهدوي، تلك المقدمات
التي تعطي للحياة ثقافة الإسلام وتفضح المستكبر في جنح الليل
الإستكباري لتوقظ النائمين من سبات الراحة المؤقتة، وترضع الطفل حليب
الحقيقة والصدق والعلم والإخلاص والتوحيد.
المسؤولية التي تجعلنا نحزن على أهل البيت عليهم السلام الحزن
الرشيد الذي يوقظ فينا همة الإقتداء بهم في مضمار الإصلاح الإسلامي،
ولا نبكي عليهم بكاء المعتادين على البكاء ولكن بكاء الفاقدين لأحباب
الله، وندنو من سيرتهم دنو المشتاقين،ونحيي أمرهم بعقل وقلب وروح تتطلع
لرحمة الله لا لكي نختلف عن الآخرين فقط، لعل قضيتنا الولائية في هذا
كله صعبة جدا أكثر مما نتصوره حاليا، لأننا نفتقد عناوين عديدة تحرك
الروح الولائية فينا وتترجمها في واقع إسلامي يستيقظ من سبات الإستحمار
الذي أنهك أهله وعتى في بلاد ه فسادا...
قد يبدو كلامي دوغمائيا واسعا شاملا، لكنه إرهاصي ثقافي مقتضب لو
ربطنا كلمة أمير المؤمنين عليه السلام التي أوردناها في بداية المقال
مع كلمة أخرى يقول فيها عليه السلام: "لا تخرج نفسك من حد التقصير"،
وعليه يمكن أن نلتمس بؤرة الانحراف والخلاف والتخلف التي يعاني منها
الواقع الإسلامي بجميع جوانبه، ومحل إعراب حراكنا الإسلامي الراهن هل
هو منصوب أم مرفوع (الفاعل والمفعول به)، ونستوحي أيضا كلمة الرسول
الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم الإستيحاء الرسالي المسؤول:" إن أعظم
الناس منزلة عند الله يوم القيامة أمشاهم في أرضه بالنصيحة لخلقه".
والحديث المتواتر عند أئمة الهدى عليهم السلام: " إن الناس لو علموا
محاسن كلامنا لاتبعونا"...
في الختام وضمن المجال الإستقصائي لواقعنا الإسلامي المأزوم، أثير
إشكال جد مهم بالنسبة لنشاطات مجالات الإعلام والتربية والسياسة
والاقتصاد والإجتماع والصحة وما هنالك من مجالات الحياة، قد يبدو
تساؤلا بسيطا في ظاهره، لكنه مصيري وصحي للعديد من العقد
الباراسيكولوجية التي نعاني منها في حراكنا الإسلامي العام سواء
الجواني أو الخارجي...
والأجوبة عليه، تستنهض لدينا البعد الستراتيجي الحضاري بشكل أعمق
وأتقى وتفتق لدى الدعاة والفقهاء والمثقفين والنبهاء والساسة
الإسلاميين ورجال الأعمال الإسلاميين،العقول الإيمانية التي توجههم إلى
دفع مجتمعاتهم الإسلامية الخامدة نحودورة حضارية إسلامية عالمية جديدة
وراشدة روحها فلسفة الإنتظار الرسالي المسؤول...ما الفرق بين مفهومي
الإتصال والتواصل وما العلاقة بينهما؟
(*)كاتب وباحث إسلامي جزائري
islamo04@hotmail.com |