حتى اسابيع قادمة سيتضح ما اذ كان بامكان العراق الخروج من المأزق
الذي اصبح صراعا بين الديمقراطية الدستورية ونفوذ الاحزاب والرغبات
السياسية للقادة الحزبيين, ونفوذ ميليشيات ترتفع مطالب بحلها دون ان
يعرف احد متى, واية ميليشيات: السرية ام العلنية؟الدينية ام الكردية؟
في وضع تتصاعد فيه موجة الاغتيالات والقتل على الهوية المذهبية وتغيب
فيه قوى الحرس الوطني والشرطة ليلا لتصبح القوة بيد اشباح تخطف وتقتل
وتسلب وتنهب وتقتحم البيوت ثم يتم اتهام الشرطة والحرس الوطني بذلك,
ووقت يدخل فيه السفير الامريكي في بغداد على اجتماع مجلس الامن القومي
ليطلب بحسم من مستشار الامن القومي ووزيري الداخلية والدفاع الافراج عن
خمسة وعشرين محكوما فورا مشككا بقدرة القضاء العراقي وتنشأ مشكلة بين
الامريكان وحلفائهم العراقيين على هذه الخلفية وخلفيات كثيرة مثل
النزاع حول حكومة الاستخقاق الانتخابي وحكومة الاستحقاق الوطني.
هذه الصورة يخفف منها كثيرا توم ويريك مستشار الخارجية الامريكية
ويعتقد ان حكومة وطنية تمثل كل الاطراف سيكون حلا , وهو يعبر عن مازق
المشروع الامريكي للديمقراطية في العراق, هذا المشروع الذي مهد للقوى
الدينية ان تكون صاحبة القرار في وقت يضرب الفساد المالي والاداري
العراق بحيث يهدد بنسف الدولة بعد اضعفها وهمشها بساعدة تراث النظام
السابق وانهيار مركزية الدولة وتجزأتها من قبل قانون ادارة الدولة
والدستور المستفتى عليه والخاص بفدراليات المحافظات.
صورة قاتمة يستطيع أي مواطن عراقي في داخل العراق ان يضيف اليها
معاناته اليومية من شحة الوقود وانقطاع الكهرباء واضطراب الخدمات
وانعدام الامن.
فمن يتحمل مسؤولية هذا المازق وكيف يخرج العراق منه في ظل تجاذبات
تسعى واشنطون للامساك بخيوطها عبثا امام نفوذ المرجعية الدينية الممثلة
باية الله السيستاني الذي اصبح زعيما بشكل غير مقصود للمشروع
الديمقراطي في العراق في مفاجأة للامريكان لم يصحوا منها بعد رغم
القاء كامل المسؤولية في ذلك على نفوذ ايراني وصراع امريكي ايراني حول
الملف النووي اصبحت ساحة العراق مكانا له.
تلقى الولايات المتحدة المسؤولية في تدهور الوضع على العراقيين
والنفوذ الايراني وتحاول الابتعاد عن تحمل مسوؤلية علنية.
ليس صحيحا ان الديمقراطية نظام لايليق بالعرب وبالعراق. لكن الصحيح
هو مااشار اليه الفيسلوف الفرنسي المختص بقضايا الديمقراطية آلان
تورين حين قال ان احد خطرين على الديمقراطيات المعاصرة هو نفوذ الاحزاب
وقوتها والثاني هو جبروت رأسمال المال المتمثل بالشركات العملاقة.
اليوم لدى بعض الاحزاب العراقية نفوذ اكبر من الدستور ومن
الانتخابات ومن القانون مضافا لهذا النفوذ دعم الولايات المتحدة والمال
و التحكم بالعملية السياسية من خلال هذا الطرف او ذاك وتحاوزات لحقوق
الانسان اصبح ابو غريب رمزا لها, ففي تقرير نشر بعنوان(ماوراء ابو
غريب: الاعتقال والتعذيب في العراق) وتداولته وسائل الاعلام البريطانية
والامريكية كشفت وقائع جديدة واساليب قد تؤدي إلى اغلاق السجن. اذ يدعو
التقرير المنظمات الدولية والدستور العراقي وحكومتي الولايات المتحدو
وبريطانيا لبذل المزيد لحماية حقوق الانسان في العراق. والى جانب هذا
التقرير اصدرت مجموعة الازمات الدولية من مقرها في بروكسل تقريرا بعد
التطورات التي نتجت عن تفجير مرقدي الامامين الهادي والعسكري في
سامراء وتعثر العملية السياسية اقترحت فيه عددا من(الوصفات) التي
اعتادت مثل هذه المعاهد وغرف التفكير التي تهتم بالسياسة على تقديمها
في جرع صغيرة من الدواء لاتحل الازمات بقدر ماتعبر عن انعطافات سياسية
اذ تقترح الوصفة التالية : تشكيل حكومة وطنية واجراء تعديلات على
الدستور وحل الميليشيات وتشجيع الدول المانحة على تشجيع بناء مؤسسات
غير طائفية وان تعلن واشنطون ان انسحابها سيكون تدريجيا وليس دفعة
واحدة وعلى دول الجوار التعامل مع واقع تفكك العراق)
تبدو هذه الوصفة تلافيا للحرب الاهلية كما يقول التقرير. والحرب
الاهلية اطروحة تناولتها وسائل الاعلام البريطانية والامريكية التي
تعبر غالبا عن (توقعات)بدت في وسائل الاعلام وكانها مشروع واقع لامحالة
على مدى اسبوعين بعد تفجيرات سامراء, زادتها التصفيات الجسدية التي
طالت المواطنين العراقيين على الهوية والتهجيرات التي شهدتها مناطق
مختلطة بين السنة والشيعة في العراق.
ان المازق يكمن ايضا في التجاذب الامني. فالولايات المتحدة تثير بين
فترة واخرى قضية الملف الامني التي تسعى ان يبقى بيدها على الرغم من
التصريحات التي تطلقها بضرورة نقل الامن إلى العراقيين الذين يواجهون
نقدا امريكيا بشا، انتهاكات لحقوق الانسان يمارسها الجميع.
ويكرس المازق فساد اداري ومالي جعل منظمة الشفافية الدولية تدعو منذ
فترة طويلة لإجراءات صارمة وفورية لمكافحة الفساد قبل ان تبدأ النفقات
الحقيقية لاعادة الأعمار محذرة في الوقت نفسه من انه في حالة العكس فان
العراق «لن يصبح يوماً منارا للديمقراطية كما تريد له إدارة بوش بل
اضخم فضيحة فساد في التاريخ) ويكشف تقرير عن الفساد اعدته لجنة مستقلة
عن أنه حين سقط النظام العراقي توفر مبلغ في حساب النفط مقابل الغذاء
تجاوز (21) مليار دولار، إضافة لمبالغ تم السيطرة عليها من البنك
المركزي العراقي والبنوك الأخرى والتي عثرت عليها قوات الاحتلال في
أنحاء مختلفة من العراق تتجاوز 7مليارات دولار، إضافة لمبالغ بيع النفط
العراقي التي تجاوزت (31) مليار دولار، أي توفر أكثر من (59) مليار
دولار أمريكي خلال سنتين من تاريخ سقوط نظام صدام حسين. وتساءل معدو
التقرير»، أين ذهبت هذه الاموال, متهمة الجميع بما فيها الأحزاب
العراقية العربية والكردية الاسلامية والعلمانية بالاستيلاء على
ممتلكات الدولة المنهارة.
وكتب جيمس غلانر في نيويورك تايمز عن تقرير محاسبي يكشف خروقات
واسعة النطاق في استخدام اموال اعادة الاعمار في العراق اعده مكتب
المفتش العام لاعادة الاعمار في العراق يكشف عن تلاعبات خطيرة.
وعلى الجانب السياسي, وللاشارة إلى نفوذ قوى دينية غير شيعية كتب
رول ميجر عن هيئة علماء المسلمين ناقلا عن الشيخ الكبيسي ان الهيئة
ليست حزبا سياسيا, ويشير الكاتب إلى التعاون السني الشيعي الذي يمكن ان
يمنع حربا اهلية ويشيد بمشاركة السنة في الانتخابات التي وجدت صدى
لاجرائها في تصريحات الامين العام للامم المتحدة الذي دعا مثب واشنطون
ولندن إلى تشكيل حكومة باسرع وقت واصفا ان الانتخابات بانها حدث
تاريخي.
لكن هذا الحدث التاريخي بدأ يتعثر ليكون حدثا تاريخيا باتجاه
معاكس.اذ طلب جون بولتون رئيس مجلس الامن ان تشكل حكومة من جميع
الاطراف.في وقت صرح وزير الدفاع الامريكي رامز فيلد ان القوات
الايرانية تتدخل وتتوغل في العراق .وان هذه القوات تدفع بعض العراقيين
لايذاء مستقبل العراق. مشيرا إلى توفر احتمالات الحرب الاهلية.
وكتب ديريك هوبوود عن العلاقات البريطانية العراقية مشيرا إلى ان(
بريطانيا شكلت في عاصمة الف ليلة وليلة الدولة العراقية الحديثة) في
اشارة إلى مسؤولية بريطانيا لمتابعة الاشراف على تشكيلها من جديد خاصة
وان جنوب العراق يشهد هدوء نسبيا افضل من الوسط الملتهب. في خضم هذه
الصورة المتعددة الاجزاء والمتشظية مثل مرأة يمكن ان يقود إلى خيبة
بشا، اعتماد العراق كنموذج ديمقراطي في المنطقة . فالنموذج الامريكي
للديمقراطية سمح للنفوذ الديني في العراق ان يجني ثماره وليست القوى
الموالية للولايات المتحدة, ولذلك فان الاصوات التي قالت ان واشنطون
اسقطت صدام لتقدم العراق هدية لايران تحاول التستر على حقيقة ان القوى
الاسلامية هي التي استفادت من نظام ديمقراطي انتخابي جاء بها إلى
السلطة.ولتعديل هذه المعادلة شرع الامريكان في حوار مع قيادات المسلحين
لاسباب عديدة منها ضمهم للعملية السياسية وتقليص نفوذ ايران في العراق
واعادة دمج العراق مع المنظومة العربية, مما يعني ان النموذج العراقي
سيسوق إلى الدول العربية باعتباره مثيلا لها وليس مغايرا . وهذا يعني
ان الولايات المتحدة قد تعمد إلى نظلم تقليدي يكون في افضل حالاته
مشابها للنموذج الباكستاني, أي حكومة مدنية منتخبة يعقبها انقلاب عسكري
لتسلم الجيش مقاليد الحكم وهذا مرتهن بالمراهنة على اكمال عدة الجيش في
العراق.
|