مستقبل التشيع بين وقع الأهواء: فتنة على نار هادئة (*)

-الجزائر نموذجا-

د. محمد جواد حيدر الجزائري

ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام: "لا تخرج نفسك من حد التقصير"

في هذه الكلمة العظيمة الدقيقة التربوية الإستراتيجية في الحراك الإسلامي عموما والولائي خصوصا ، يمكننا أن نرصد مواطن القصور لدى إنساننا المسلم الموالي، في تعاطيه  مع المنظومة الإسلامية عامة والإمامية خاصة .

من الجدير بالمسلم المتبع لنهج آل بيت النبوة عليهم الصلاة والسلام أن يحمل وعيا شموليا لقضية الإمامة من جهة ، ومنهجا استيعابيا دقيقا في التناغم معها، لأنها أمر تعب مستتعب ، تتطلب جهدا بالغا ، على جميع الأصعدة ويأتي في الصدارة الجانب الفكري من جهة ومن أخرى الجانب النفسي اللذان يتعلقان بكل جوانب الحياة الإنسانية.

 وبالتالي يمكننا أن نستوعب لماذا جاءت كلمة أمير المؤمنين عليه السلام مقتضبة وكافية وصحية في شكلها العام، حيث حدد عليه السلام المكون الرئيسي والأساسي في عنوان  الإنسان ألا وهي النفس مخاطبا الفكر الذي يحمله هذا الإنسان، كما قارب  سلام الله عليه العلة والمعلول في هذا كله  في بضع كلمات...

وهنا نلمس البلاغة  العلوية والبيداغوجية الإسلامية في كلام الأئمة عليهم السلام، إذ جاء الخطاب دقيق ورقيق جدا بحيث يشمل كل مناحي النفس في هذه الدنيا وينفذ في كل العقول الباحثة  والنفوس المتعطشة لماء الموعظة الحسنة، كما جاء هندسيا رائعا يضبط النفس في حدود الوعي من أجل الارتقاء بها في مدارج الكمال الإنساني والقرب من اللطف الإلهي.

وعليه يمكننا أن نتوسع نوعا ما لنطل بشكل مقتضب  على نموذج  في عالمنا الإسلامي، غفل عن هذا المطلب العلوي  في نشدانه لشهادة التشيع العلوي الإسلامي(1) ، وهو نسخة من عدة نسخ في عالمنا الشيعي الإسلامي ، بيد أن نصيبه من آفة التقصير في الحراك الإسلامي عظيم في إطار معطيات واقعه الاجتماعي والثقافي ناهيك عن السياسي والإستراتيجي الإقليمي ضمن الخطة الإستكبارية، إنه الواقع الشيعي الجزائري ، قلما تجد له وقع في الحراكات الرسالية السليمة التي نلمسها في المغرب جارته ، كونه مثله كمثل بذرة طيبة زرعت في أرض لم تطهر من براثين الجهل الحراكي  والعقد الباراطائفية، فتجد الطقوس المذهبية حاضرة بتربتها وسبحتها وصحيفتها ومجالسها لكن روحيتها مبنية للمجهول، لا لشيء لأن فلسفة التشيع لم تكن حاضرة عندما سردت المؤامرة التاريخية ضد آل بيت النبوة عليهم السلام  على مسامع الحاضرين من النبهاء والمستحمرين، بل أيضا من حمل رسائل الغدير وعاشوراء  والعصمة والإمامة والانتظار ليقرأها على الباحثين عن الحقيقة الإسلامية ،أبتلي بعدوى(حب الزعامة والعجب والتعصب المقيت) التي لمسناها لدى زعماء الحركة الإسلامية في الجزائر أيام التسعينات ومفاوضات الوزارات وأنفال التوبة مع مطلع الألفية الثالثة وإلى يومنا هذا...

 لقد دخل سيناريو التشيع في الجزائر أستوديو القناة الأولى ليسجل حلقات بداية النهاية،  مع إدخال تعديلات على العمل السينمائي الحركي الإسلامي من مؤثرات صوتية ومرطبات ديموقراطية وأفكار ثيوقراطية، ومهدآت أمنية  معالجة  في مخابر .... للحراك الشيعي في العالم.

على كل، قد يعترض البعض وقد يلعن البعض الآخر، وقد يراهن الطرف الثالث، لكن ثلة هم من يدخلوا أنفسهم في حد التقصير، قد يتساءل القارئ الجزائري، أي تقصير تقصد ؟

إن التقصير هي تلك الزعامات الوهمية والوصايات القبلية على خط لا يقبل  التوظيف للمصالح الذاتية لأنه جاء ليحرر الناس من عبودية الزعيم والشيطان والحزب والقبيلة وغيرها من عناوين التخندق والتحزب والطائفية والجاهلية والتخلف، جاء ليفتح النوافذ المغلوقة على الهواء الطلق، جاء لينبه الغافل للمزاد العلني بحاسي الرمل وحاسي مسعود ، جاء ليوقظ النائم من سبات الراحة والمطالعة للكتب والعالم من حوله يحترق، جاء ليغير الثقافة من الرقص إلى الفحص. وكل هذه الأمراض منشؤها النفس الأمارة بالسوء ، البعيدة عن حدود التقصير، النفس الجزائرية المريضة بمرض أساتذة علم النفس وعلم الإجتماع والإعلام والعلوم السياسية وكل العلوم الإنسانية الذي ألفوا المحاضرات والسهرات والرحلات العلمية وباعوا المبادئ في أسواق باريس والقاهرة ودمشق والمسكوت عنه في هذا كله أعظم .

وما التطورات الأخيرة سوى إرهاصات نفسية لهؤولاء وغيرهم ممن يحسبون أنهم مسؤولون عن خط أهل البيت عليهم السلام بالجزائر، بينما الخط في العالم كله، مسؤولية المنتمين إليه تبقى في حدود استيعاب عمق الخط من تزويد النفس بالتقوى والورع، مع لم الشمل والصبر الجميل والوعي بالانتظار وعيا إستراتيجيا لا يدخل النفس في متاهات التقصير،وإنهاض الهمم لمواجهة الاستكبار بكل أشكاله ... 

نافلة القول، أين أنتم من سير الصالحين أمثال الشهيد الصدر الأول قدس سره   والشهيد الثاني السيد محمد صادق الصدر قدس سره،  اعتبروا يا أولي الأبصار، وانتظروا إنا منتظرون، الانتظار الذي يبقي للخط روحيته ويحرك  الخط الحركة  السليمة على حساب الرهانات  الإستكبارية والإستحمار السياسي، الحراك الذي يضفي على العقل نباهة بدل الإستحمار ويعطي القلب سلامة بدل العجب والغرور ،والجزائر صحة بدلا فتنة، كونوا زينا لأهل البيت عليهم السلام، لأنكم أيها العابثون في ميادين المبادرين، لستم في التشيع العلوي من شيء  بثقافة الوصاية  والوشاية التي هي من الذنوب الكبيرة التي تفسد النفس كما يفسد الخل العسل.

عذرا، لمن لم يعجبه رأيي ولكن أقول وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر، وإياكم أن تكونوا كمثل ابن الحلوب، ضرعا فيحلب أوظهرا فيركب...

(يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون .واتقوا فتنة لاتصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب )) سورة الأنفال آية ( 24 - 25 )

...اللهم إنا نسألك بحق سيدنا محمد وآله الأتقياء: " يا من تحل به عقد المكاره ويا من يفثأ به حد الشدائد، ويا من يلتمس منه المخرج إلى روح الفرج، ذلت لقدرتك الصعاب، وتسببت بلطفك الأسباب وجرى بقدرتك القضاء ومضت على إرادتك الأشياء، فهي بمشيتك دون قولك مؤتمرة، وبإرادتك دون نهيك منزجرة "أن تهدي إخواننا بالجزائر إلى سبيل الرشاد.

(1) لأن بعض المتشيعين أراد الإمام علي عليه السلام والأئمة عليهم السلام لنفسه ولأهوائه بينما الأصالة في هذا كله والحقيقة الناصعة أيضا، أنهم عليهم السلام أرادونا للإسلام، وهذا ما نلحظه جيدا في كلمة الإمام السجاد عليه السلام: أحبونا حب الإسلام.

 (*) كاتب وباحث إسلامي –علم إجتماع الإسلام-

برلين ألمانيا

ali214500@yahoo.fr

شبكة النبأ المعلوماتية-الاربعاء 15/اذار/2006 -14/صفر/1427