من وحي التفكر: نحو منظومة سوسيوثقافية إسلامية رشيدة

بقلم المهندس: غريبي مراد عبد الملك(*)

كثيرة هي المواضيع التي أصبحت تقلق العامة والخاصة في عالم الفكر والثقافة والدين والاجتماع، كما السياسة والاقتصاد، ومحل إعراب هذا كله، يبرز وكأنه مجهول إلا أن حقيقته تجول بين ظهرانينا، لكن عمى القلوب أركسنا عن وعي مناشئ ذلك كله، وجعل من واقعنا العام  مسرحا لقصة الموت البطيء، كما هو عنوان من عناوين الكسوف والخسوف الإنسانيين...

قد يبدو الحديث عن الحدث الإسلامي اليومي، كلاما يعتريه الإطناب والتكرار لآهات ينتجها التخلف والجهل والجبن والاستبداد، إلا أن الأمور لا تنفرج إلا إذا ضاقت، وإنسان بلاد المسلمين لا ينتبه ولا يستقيم إلا إذا زادت وطأة الابتلاء عليه، وهذا ما يندرج تحت عنوان:

"عسى أن تكرهوا شيئا وهو خيرا لكم، وعسى أن تحبوا شيئا وهوشر لكم "

صحيح أن الآخر، يتربصنا في كل تفاعلاتنا وحراكاتنا، لكن هذه الحقيقة التي احتلت كل فضاء القلق لدينا، أغفلتنا عن حقيقة الذات ومحل الأزمة  فينا، كون الآخر احتلنا نفسيا قبل أن يستعمرنا واقعيا وبتعبير آخر سيطر علينا موضوعيا قبل أن يتحكم فينا واقعيا، مما أنسانا أنفسنا، فبدل أن نحلل  أنفسنا وفق منهجية تحديد مواطن الخلل فينا ومواطن الرشاد بالتوازي مع مناقشة الآخر، نصبنا كل جهدنا نحو الآخر بحجة معرفته، بينما لم يكن الآخر ليحلم بأن يستقطب وعينا لأفعاله بهذا المستوى...

من هنا يتحدد المعيار الإصلاحي  للواقع الإسلامي، على أنه  ليس معيارا سياسيا كلية أو اقتصاديا عموما، بل  ثقافيا بحتا وسيكولوجيا صرفا، لأن الدور المسيطر على الحراك الإسلامي العام، نواته النفس المريضة والتي تعاني  الانفصام في شخصيتها من جراء الثنائيات المبهمة التي شوهت الوعي الإسلامي بدلا عن تنميته وإضفاء العمق  الشمولي عليه، لأن أغلب العاملين في المجال الثقافي، الأساس المفاهيمي لديهم متناثر الأجزاء لذلك الموضوعية في التغيير لدينا معوقة من أول وهلة للتفكير في المسائل الشائكة وهذا عماد محوري  من أعمدة  البناء المنهجي.

وعندما نركز على كون المعيار الإصلاحي في الأزمة الحضارية للعالم الإسلامي هو البعد الثقافي والبعد السيكولوجي، فهذا يعني كل الميادين الأخرى لا تبلغ درجة الإصلاح سوى بمقدار صلاح وتكامل  هاذين البعدين المصيريين، ودورهما الرئيسي هو إنتاج مطالب فنية  أساسية: الإدارة، التخطيط والفعالية أو ما يمكن تسميته بالمنظومة السوسيوثقافية الراشدة.

هذه المنظومة السوسيوثقافية في الإسلام ذات وحدة خاصة من حيث أسسها الفلسفية وأبعادها الحضارية، وميكانيزمات حركيتها، لأن طبيعتها تعمل على إنتاج روابط صحية بين الثنائيات الشائكة في المعادلة الحضارية (الدين- العلم، الأصالة- المعاصرة، الفكر-الروح وما الى ذلك من ثنائيات ) بالإضافة إلى دور الإرشاد الحضاري في خضم التفاعلات الإنسانية (فيها) معها.

أما مصدر هذه المنظومة فهو العودة إلى الإسلام الأصيل الذي تركه لنا النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم (كتاب الله وعترته أهل بيته الطاهرين المعصومين) وفق حكمة بالغة ومنطق رصين وخلق كريم في مراجعة هذا التراث الإسلامي الضخم والعظيم، لنكون المسلمين الصادقين...

ونبقى مع الكلمة العلوية الخالدة والآية الكريمة العظيمة: "من عرف نفسه عرف ربه ومن عرف ربه استغنى بعبادته عمن سواه"

وقوله تبارك وتعالى:"لايغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" (سورة الرعد/11)

(*) كاتب وباحث إسلامي جزائري

islamo04@hotmail.com

شبكة النبأ المعلوماتية-الثلاثاء 14/اذار/2006 -13/صفر/1427