
اعلنت محكمة الجزاء الدولية السبت وفاة الرئيس اليوغوسلافي السابق
سلوبودان ميلوشيفيتش عن سن 64 عاما بعد اكثر من اربع سنوات على بدء
محاكمته بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية وعمليات ابادة.
واعلنت محكمة الجزاء في بيان بعد ان اعلنت الوفاة "عثر اليوم على
سلوبودان ميلوشيفيتش متوفى في سريره داخل زنزانته في معتقل الامم
المتحدة في شيفينينغن" احد احياء لاهاي.
وافادت محكمة الجزاء ان طبيب السجن اكد الوفاة مشيرة الى "اعطاء
اوامر باجراء تشريح تام وتحاليل لرصد اي اثار لسموم" كما امر رئيس
المحكمة بفتح تحقيق في الوفاة.
وفيما سارع شقيق ميلوشيفيتش وسياسيون روس وصربيون الى توجيه
الاتهامات على الفور الى محكمة الجزاء الدولية قبل اعلان اسباب الوفاة
اكدت المحكمة انها "لا تحمل نفسها اي مسؤولية".
وقال المتحدث باسم المحكمة كريستيان شارتييه "ان محكمة الجزاء
الدولية تعتني بشكل فائق بمتهميها وبهذا المتهم على الاخص". وكان
ميلوشيفيتش يعاني من اضطرابات في شرايين القلب.
وقال ستيفن كاي احد محامي الدفاع المكلفين حكما رغم رفض ميلوشيفيتش
الذي اصر على تولي دفاعه بنفسه متحدثا لهيئة الاذاعة البريطانية (بي بي
سي) ان الرئيس اليوغوسلافي السابق اكد له "قبل بضعة اسابيع انه لا
يعتزم اطلاقا الاقدام على الانتحار".
ورفضت محكمة الجزاء في نهاية شباط/فبراير طلبا قدمه محامو
ميلوشيفيتش بالافراج عنه موقتا لتمكينه من تلقي العلاج في روسيا واعربت
موسكو اليوم عن اسفها لهذا القرار.
وكان ميلوشيفيتش يواجه اكثر من ستين تهمة بارتكاب جرائم حرب وجرائم
ضد الانسانية ومجازر بسبب دوره في حروب كرواتيا والبوسنة (1991-1995)
وكوسوفو (1998-1999) وقد علقت محاكمته مرارا لاسباب صحية منذ بدئها في
12 شباط/فبراير 2002.
كما كان متهما بارتكاب عمليات ابادة للاشتباه بمسؤوليته عن مجزرة
وقع ضحيتها عام 1995 نحو ثمانية الاف فتى ورجل مسلم لجأوا الى جيب
سريبرينيتسا.
وعند اعلان وفاته اعربت امهات وارامل مسلمين قتلوا في سريبرينيتسا
(البوسنة) عن اسفها لعدم صدور ادانة بحقه.
وقالت هايرا كاتيتش رئيسة جمعية لنساء سريبرينيتسا والتي فقدت زوجها
وابنها في المجزرة متحدثة لوكالة فرانس برس "امر مؤسف انه لن يدان ولن
نستمع الى الحكم".
كذلك اعتبر وزير خارجية صربيا ومونتينيغرو فوك دراسكوفيتش السبت انه
"امر مؤسف" ان يكون الرئيس اليوغوسلافي السابق سلوبودان ميلوشيفيتش
توفي قبل ان "يمثل امام القضاء في بلغراد".
وفي المقابل اعتبر ايفيكا داسيتش المسؤول الكبير في الحزب الاشتراكي
الصربي (معارضة) متحدثا لوكالة فرانس برس ان وفاة ميلوشيفيتش "خسارة
كبرى لصربيا" معتبرا انه "قتل بشكل منهجي على مدى كل هذه السنوات (في
الاعتقال) في لاهاي".
وفي بلغراد قطعت العديد من الشبكات التلفزيونية برامجها لاعلان
الوفاة.
وكانت اذاعة "بي 92" رمز كفاح المعارضة ضد نظام ميلوشيفيتش السباقة
الى اعلان وفاته فيما بث التلفزيون التابع لها برنامجا خاصا.
وكان من المتوقع ان تنتهي مرحلة الدفاع في محاكمة ميلوشيفيتش خلال
اذار/مارس على ان تنهي محكمة الجزاء المحاكمة في منتصف 2006.
ولد سلوبودان ميلوشيفيتش في بوزاريفاتش شرق صربيا في 20 اب/اغسطس
1941 وكان والده عالم لاهوت ارثوذكسي متحدرا من مونتينيغرو.
وارتقى تدريجيا سلم السلطة الى ان عين عام 1986 رئيسا للحزب الشيوعي
الصربي.
واغتنم تراجع قوة السلطة الفدرالية لشن حملة حقيقية من اجل ضم جميع
الصرب الى ان اصبح رئيسا لصربيا عام 1990.
وبالرغم من اعتباره في الغرب المسؤول الرئيسي عن الحروب التي تلت
تفكك يوغوسلافيا في 1991 و1992 الا انه كان عام 1995 المحاور الوحيد من
الجانب الصربي القادر على خوض المفاوضات لتوقيع اتفاقات دايتون (الولايات
المتحدة) التي ارست السلام في البوسنة والهرسك.
الا ان تصديه لارساء الديموقراطية في بلاده جعله يواجه معارضة
متزايدة غير ان ذلك لم يمنعه من تبوء رئاسة جمهورية يوغوسلافيا
الفدرالية (صربيا ومونتينيغرو) عام 1997.
وفي 1998 شكل ميلوشيفيتش ائتلافا مع القوميين المتشددين واستند الى
دعم الجيش والشرطة لتشديد قبضة سلطته.
وادت سياسة القمع الدامية التي اتبعها في كوسوفو الى تدخل القوات
الجوية التابعة لحلف شمال الاطلسي التي شنت في اذار/مارس 1999 حملة قصف
على جمهورية يوغوسلافيا الفدرالية.
طرد من السلطة على اثر انتفاضة شعبية في الخامس من تشرين
الاول/اكتوبر 2000 واعتقل في الاول من نيسان/ابريل 2001.
وتحدى ميلوشيفيتش على مدى 13 عاما القوى الغربية التي كانت تطالبه
بالتخلي عن سياسته الحربية مهددة بفرض عقوبات على بلاده.
ورفض الرئيس اليوغوسلافي السابق الاقرار باخطائه وظل حتى تشرين
الاول/اكتوبر 2000 يتهم القوات الغربية المعادية للصرب و"اتباعها" من
الداخل بالتسبب بسقوطه.
وواصل طوال محاكمته التي بدأت قبل اكثر من اربع سنوات امام محكمة
الجزاء الدولية هجوما على الغرب معتبرا انه المسؤول الوحيد عن المصاعب
التي واجهتها جمهوريات يوغوسلافيا السابقة بعد استقلالها.
وكان يعاني من ارتفاع في ضغط الشرايين وقد تسبب وضعه الصحي مرارا
بتعليق المحاكمة غير ان بعض التقارير الطبية اشتبهت بانه يتلاعب
بادويته متعمدا اثارة تدهور في وضعه الصحي.
وكان ميلوشيفيتش يعتبر محكمة الجزاء اداة "مؤامرة عالمية" ضد الصرب
ولم يكن يعترف بشرعيتها ويصفها ب"الطرف الاخر".
وكان يعتبر نفسه ضحية محكمة الجزاء نيابة عن صربيا.
وعند تفكك يوغوسلافيا الشيوعية عام 1991 سعى ميلوشيفيتش لجمع الصرب
في دولة اراد اقامتها على حساب كرواتيا والبوسنة غير ان هذا المشروع
تسبب خلال اربع سنوات بمقتل مئتي الف شخص وتهجير مليونين الى ثلاثة
ملايين شخص كما الحق دمارا هائلا ببلاده.
ولد سلوبودان ميلوشيفيتش في بوزاريفاتش شرق صربيا في 20 اب/اغسطس
1941 من والد عالم لاهوت ارثوذكسي ووالدة شيوعية وكان في الثالثة
والاربعين عندما انخرط في السياسة عام 1984 فتمكن بالرغم من شخصيته
الانطوائية والانفعالية ومن افتقاره الى مواصفات الخطيب البارع والزعيم
الشعبي من ارتقاء درجات السلطة بشكل سريع.
وفي 1987 كان رئيسا لرابطة شيوعيي صربيا حين اعلن في كوسوفو متوجها
الى الاف الصربيين المذهولين "لا يحق لاي كان ان يعتدي عليكم".
واعتبر منذ ذلك الحين بمثابة المنقذ وقد تمكن من التغلب على خصومه
وطرد مرشده ايفان ستامبوليتش من رئاسة صربيا للحلول محله.
وفي 1989 الغى ميلوشيفيتش نظام الحكم الذاتي الذي منحه تيتو عام
1974 الى كوسوفو حيث غالبية البانية مكرسا تفوق الصرب في هذا الاقليم
وحظي في ذلك بتاييد واسع.
وشجعت هذه الانتصارات ميلوشيفيتش على دفع صرب "الخارج" الى اعلان
"جمهورية كرايينا ذات الحكم الذاتي" (كرواتيا) و"جمهورية الشعب الصربي
في البوسنة والهرسك" (الجمهورية الصربية اليوم).
وتعاقبت سلسلة الاحداث الدامية فقامت القوات الصربية بتحويل مدينة
فوكوفار الكرواتية الى خراب فيما اوقع حصار ساراييفو (1992-1995) عشرات
الاف القتلى وقتل سبعة الاف مسلم في مجزرة سريبرينيتسا.
وكان ميلوشيفيتش يتمتع بمهارة تكتيكية مكنته من فرض نفسه كمحاور لا
يمكن تخطيه في المفاوضات التي ادت عام 1995 الى توقيع اتفاقات دايتون
التي وضعت حدا للنزاع.
غير انه لم يتخل عن نزعته الحربية فاستعان بآلية قمعية ليواصل هروبه
الى الامام في كوسوفو.
وقامت قوات حلف شمال الاطلسي عام 1999 بحملة قصف جوي عنيفة على
صربيا استمرت 11 اسبوعا لمنع ميلوشيفيتش من تنفيذ سياسة التطهير الاتني
التي دفعت 800 الف الباني الى الهروب من كوسوفو ما اضطر القوات الصربية
الى الانسحاب من الاقليم.
وكانت البلاد على شفير اندلاع حركة تمرد. وفي ايلول/سبتمبر 2000 صوت
الناخبون ضد "بطلهم" السابق وطردوه من السلطة في الشهر التالي.
ولم يسجل الصرب اي رد فعل او بوادر استياء عندما سلم ميلوشيفيتش في
حزيران/يونيو 2001 الى محكمة الجزاء الدولية حيث خاض معركته الاخيرة.
وقت اعلنت محكمة الجزاء الدولية ليوغوسلافيا السابقة ان طبيبا صربيا
سيشارك في تشريح جثة ميلوشفيتش. و قالت المحكمة ان الطبيب سيكون رئيس
قسم الاطباء في المجلس الوطني الصربي للتعاون مع محكمة الجزاء الدولية.
وتبدأ عملية تشريح الجثة صباح الاحد كما اوضح متحدث. ولم تعلن محكمة
الجزاء الدولية قرارا بشان طلب زدنكو تومانوفيتش المستشار القانوني
للرئيس اليوغوسلافي السابق الراحل باجراء التشريح في موسكو. واعلن
تومانوفيتش ان موكله كان يقول ان هناك محاولات لتسميمه.
وقد نقلت جثة ميلوشفيتش مساء الى المعهد الطبي الشرعي الهولندي في
لاهاي.
وكانت محكمة الجزاء الدولية اعلنت ان تشريحا للجثة سيجري اضافة الى
فحص تسمم.
وقال متحدث باسم المحكمة انه لا توجد اي "اشارة الى انه انتحر"
مضيفا "الا اننا لا نستطيع ان نقول انه مات ميتة طبيعية وننتظر
التقرير".
وخصصت صحف بلغراد عناوينها الرئيسية وصفحاتها الاولى لوفاة الرئيس
السابق سلوبودان ميلوشيفيتش في سجنه في لاهاي واتهمت بعضها محكمة
الجزاء الدولية للنظر في جرائم الحرب في يوغوسلافيا السابقة
"باغتياله".
وكتبت كبرى هذه الصحف "بوليتيكا" في عنوانها الرئيسي "مات
ميلوشيفيتش في لاهاي" مشيرة الى ان "محكمته انتهت ولن يدان".
واشارت الصحيفة نفسها الى ان محكمة الجزاء الدولية رفضت السماح
لميلوشيفيتش بالتوجه الى موسكو للعلاج رغم الضمانات التي قدمتها
السلطات الروسية بينما "سمحت قبل يوم واحد لراموش هاراديناي بالالتزام
سياسيا بانتظار محاكمته بتهمة ارتكاب جرائم حرب".
وكان هاراديناي رئيس الوزراء الالباني السابق لاقليم كوسوفو الذي
اطلق سراحه موقتا بانتظار محاكمته امام المحكمة نفسها منع اولا من
ممارسة نشاطات عامة.
وقالت "بوليتيكا" ان "الواقع هو انه ليس هناك اي محكمة في العالم
يمكنها ان تحاكم ايا من قادة يوغوسلافيا السابقة لدورهم في تفكك هذا
البلد".
من جهتها كتبت صحيفة "غلاس يافنوستي" ان "لاهاي قتلت ميلوشيفيتش"
مشيرة الى ان الرئيس السابق كان يعاني من مشاكل في القلب منذ فترة
طويلة.
اما صحيفة "فيتسيرني نوفوستي" فقد ذكرت بان ميلوشيفيتش اشتكى مؤخرا
من آلام في الرأس وبان اطباء في بلغراد حذروا من انه يمكن ان يموت في
لاهاي.
وقال احد هؤلاء الاطباء فوكاسين اندريتش ان "محكمة لاهاي مسؤولة
لانها رفضت تصديق تقارير الاطباء الذين قاموا بفحص ميلوشيفيتش".
واعرب الزعماء الاوروبيون الذين كانوا يبحثون في مستقبل البلقان
لحظة اعلان وفاة الرئيس الصربي السابق سلوبودان ميلوشفيتش عن املهم في
ان يساعد هذا الحدث على طي صفحة الحروب التي مزقت هذه المنطقة.
وقال الممثل الاعلى لسياسة الاتحاد الاوروبي الخارجية خافيير سولانا
"امل كثيرا ان يساعد حدث وفاة ميلوشفيتش صربيا على التوجه نهائيا نحو
المستقبل".
من جانبه قال وزير الخارجية البريطاني جاك سترو اثر اجتماع مع
نظراءه في الاتحاد الاوروبي والبلقان في سالزبورغ (النمسا) "امل ان
تتيح وفاته لشعب صربيا ان يتصالح مع ماضيه لانها الطريقة الوحيدة لكي
يواجه المستقبل بصورة صحيحة".
من جهتها شددت نظيرته النمساوية اورسولا بلاسنيك التي تراس بلادها
حاليا الاتحاد الاوروبي على ضرورة ان تضع صربيا والمنطقة برمتها حدا
لهذا "الارث الماضي".
واضافت الوزيرة التي تعتبر بلادها من مؤيدي دول البلقان ان ذلك "احد
التحديات الاساسية امام المنطقة لكي تتوصل الى الهدف النهائي الذي نطمح
اليه جميعا وهو السلام الدائم والمصالحة".
اما وزير الخارجية الفرنسي فيليب دوست بلازي فقال "اسمحوا لي بتوجيه
تحية خاصة جدا الى جميع الذين عانوا من التطهير العرقي والقومي الذي
نظمه هذا الرجل".
وكان ميلوشفيتش اول رئيس سابق يمثل امام القضاء الدولي وقد اتهم
بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية في كرواتيا وكوسوفو فضلا عن
ارتكاب جريمة ابادة في البوسنة.
واعتبر وزير خارجية صربيا ومونتينيغرو فوك دراسكوفيتش انه "امر
مؤسف" ان يكون سلوبودان ميلوشفيتش توفي قبل ان يدفع ثمن افعاله امام
قضاء بلاده.
من ناحيته صرح وزير الخارجية الاسباني ميغيل انخيل موراتينوس ان
"التاريخ هو الذي سيحاكم ميلوشفيتش".
وقال نظيره الالماني فرانك فالتر شتاينماير ان وفاة "رجل الماضي"
هذا يجب ان "تحفز جهودنا لتامين السلام والاستقرار في البلقان" علما ان
النقاش حول وضع اقليم كوسوفو والاستفتاء بشان استقلال مونتينيغرو يمكن
ان يشعل التوتر مجددا في المنطقة.
وحذر رئيس اقليم كوسوفو فاتمير سيديو من "افكار" الرئيس الصربي
السابق التي ما زالت حية في المنطقة.
وقال "للاسف لا يزال لبعض الناس في صربيا ذهنية مثل ميلوشفيتش
(...). بالنسبة لنا من المهم جدا تخطي ذلك وان نقيم علاقات حسن جوار
مستقبلا (مع صربيا) باعتبارنا امة مستقلة". |