عندما نستعرض بعض المفاهيم التي تشير الى الحديث والاخرى الى
القديم، قد نلاحظ او نحاول ان نسبغ على كل هذه المفاهيم معانٍ نحن
نغرسها فيها.
فنظرتنا قد تكون مشوشة الى الآن حول القديم والحديث، فربما نعد
القديم في كل شيء هو ما اكل عليه الدهر وشرب والحديث هو ما يواكب
العصرنة والتقدم.
وقد تكون افكارنا وتصوراتنا في بعض ذلك صائبة في جزءٍ كير منها،
ولكنها قدلا تركن الى الحقيقة في احيانٍ اخرى، المسألة هو اننا قد نحطم
اساسات صحيحة بمحاولة تحديثها وجعلها تابعة للعصري والمتمدن، حيث ان
الكثير من قضايا حياتنا ربما لو بقيت على القديم لكان افضل بكثير، فلا
نكاد نفرق بين التمسك بالمنطقي ونسفه بالاشياء الحديثة.
لقد ترامت الكثير من الطروحات حول الفجوة ( gab ) بين شكل الاسرة
في القديم والاسرة العصرية، وهناك من عدها مرحلة متطورة تمر بها الاسرة
من الرتابة والانحطاط الى الازدهار.
حقيقة ان تلك تبقى نظرة مشوشة، فمرور الوقت على ظاهرة او كيان
معين ليس بالضرورة ان يطوره، ربما يقوض عمله ويجعله يعود القهقرى.
لقد التزمت الكثير من اسرنا العربية في بدايات حياتها التقليدية
بمحصلة قيمية وثقافية تربت عليها ونشأت أبناؤها وفقها، وبدخول تطورات
العصر قد ذاب جزء كبير من هذه القيم تحت مظلة العصرية والتمدن.
صحيح ان هناك انماط اسرية حياتية غير مرغوب بها قد تلاشت بدخول
الاسرة العربية في اغلبها في اطار الاسرة النووية وما قد يعني ذلك من
استقلالية في الاداء والوظائف والبنى، متجاوزة الاندماج مع الاسرة
الممتدة وما تفرضه من سلطات وغيرها.
الا ان ذلك لا يعني ان الاسرة اليوم وفق هذه الصورة قد وصلت الى
نوعٍ من الرقي، فالتطورات والتحديث والعصرنة قد لا تكون كافية لنقل
الاسرة الى نضوجٍ مشهود بمجرد مواكبتها للتطور والجديد.
فكثير اليوم من هذه الاشكال الجديدة من الاسر تعاني ازماتٍ عديدة
ربما لو كانت بمعية اسرها التقليدية لما حدثت لها تلك الارتباكات.
وعليه فنحن ننظر الى القضية بما ينبغي ان يكون وما يجب على
الاسرة ان تواكبه وتفعله.
اذا كانت الاسرة الحديثة قد تخطت كل الانماط القديمة وتريد فعلاً
الدخول لما يسمى بـ (الاسرة العصرية)، عليها ان تفهم كيف تقولب نفسها
لذلك من خلال عدم الانجرار وراء الحديث بلهفةٍ دون الاستناد على
الاصول، أي التمسك بالجذور ومحاولة الاتكاء عليها لتجنب عثرات موجة
العصرنة.
اننا نلاحظ ان الكثير من اسرنا النووية في الوقت الحالي قد
جرفتها اشكال التغريب وباتت عبارة عن اسر مستوردة من ناحية الشكل وما
تقوم به من وظائف، والمشكلة ان بقاء تلك الاسر بهذه الصورة هو عرضة
للتفكك، لان ما يصلح للغرب قد لا يصلح لنا.
فيجب ان نختط لانفسنا قوالب اسرية قادرة على المزاوجة بين القديم
وعدم نسف الجذور، بالرجوع الى معتقداتنا والاستفادة منها قدر الامكان
وعدم هجرها نهائياً، مع اخذ التطور كمعين في الحياة لغرض التقدم
والمواكبة دون الانكفاء، وحتى لا نعاني من مزالق متمثلة بتفكك اسرنا
الحديثة وتحطم اساساتها التي بنيت عليها.
فالمقارنة يجب ان تكون بما تفعله الاسرة وليس القول بأن تلك قديمة
تقليدية وهذه حديثة نووية، فتوجد لحد هذه اللحظة الكثير من الاسر
التقليدية الناجحة في حياتها وقد تكيفت للجو التي تعيش فيه وانجبت
اجيالٍ متوازنة لا يوجد فيها خلل، وهناك اسر حديثة قد ارتبكت حياتها
كثيرا لانها لم تنظر للحياة بتعقل ومنطق.
فالشيء المهم هو ما يجب ان نفعله بهذه المرحلة الحديثة من جني
ثمار وفوائد الاسر التقليدية واضافتها على مزايا وحسنات نوع الاسر
النووية، لخروج بقالبٍ جديد قادر على التوافق مع كل حدثٍ ومواكب لكل
تطورٍ وعصري.
|