أحترقت قلوب الغيورين من أبناء هذه الأمة بسبب ذلك الحادث الأليم
الذي شهده العالم عندما خُربت مادة مقام العسكريين عليهما الصلاة
والسلام، فكانت ردود الإفعال متوهجة بلهيب الولاء.
ولكن ياترى ... هل حوادث الإغتيال الفكري ستتوقف في سامراء أم أنها
قد بدأت من هناك؟
هل ستأتي المسيرات والمظاهرات وكتب الشجب والإستنكار بثمار التغيير
أم لا؟
هل يكفي التحرك بدافع العاطفة لوقف نزيف الفكر الإسلامي ام لا؟
إنني هنا أيها الأخوة والأخوات بودي لو أنكم تساعدوني في فهم الموقف
وتحليل ما جرى بشكل موضوعي لكي نضع أصابعنا على الجرح ونتمكن من إيجاد
الحلول المناسبة بهدف التغيير الفعلي لحالنا الذي أصبح مدعاة لفرح
الإستكبار وسرور الأعداء.
أتصور أيها الأحبة بان من أقدم على ذلك الفعل الشنيع إن كان هو وكما
تشير أصابع الإتهام من الوهابيين التكفيريين فهو قد انطلق في فعلته من
منطلق شرعي (حسب مفهومه) وهو تغيير المنكر باليد، على اعتبار أنهم
يقولون بعدم شرعية وحرمة بناء الأضرحة والمقامات، فهو يرى بان ما فعله
يمثل واجبا شرعيا يتقرب به إلى الله سبحانه وتعالى وهذا بحد ذاته يجعل
تفاعله مع ردود الأفعال الشيعية (والسنية مع تحفظي تفاعلا إيجابيا في
ساحة إعداة الكرة والترتيب لتفجيرات أخرى.
لذا فإنني أرى وجوب العمل على أساس ترك القيادة لحكمة العقل والتعقل
وتغليبها على قيادة العاطفة.
إنني أتسائل كثيرا عن مدى جدوائية إعلان الحرب بالمثل على الوهابية،
ولكنني في واقع الأمر لم أتوصل إلى إحتمالية مقنعة تدعونا للإقدام على
هذه الخطوة، وما يؤيد كلامي هو الموقف المتعقل جدا من مرجعيتنا
المباركة والمتمثلة في فقهائنا الأكارم.
فإن ما أدو إليه هو العمل التوعوي، ولكنه إذا كان من الجانب الشيعي
فقط فإنه لا يأتي بالثمار المطلوبة، فالحل من وجهة نظري القاصر هو
التحرك نحو علماء الطرف المقابل من معتدلي الأزهر والزيتونة ومن يسير
على نهجهم المعارض لفكر الرأي الواحد ومسلك إلغاء الآخر الذي ينتهجه
خوارج هذا العصر من الوهابية التكفيريين، فلابد من التنظيم للقاءات
مكثفة على المستوى العلمائي بين الفريقين، كما أنه من الضروري جدا أن
يتفرغ جمهرة من مثقفي الشيعة للكتابة وبشكل مركز حول موضوع العقيدة
وعلى وجه الخصوص المعنى الحقيقي لمسألة التوسل بأهل البيت عليهم الصلاة
والسلام مع اشتراط تفعيل صناعة المحاججة والمجادلة بالتي هي أحسن، حيث
إن كثيرا من الوهابية قد ترعرعوا في أحضان مدارس الفكر التعسفي والذي
يوجه العقل نحو حفظ النص والأخذ بظاهره حتى لو كان مخالفا للمعقول.
إننا ومن خلال حواراتنا الكثيرة جدا مع الوهابية سواء في منتديات
الإنترنت او في غرف المحادثة الصوتية قد وجدنا بما لا يدع مجالا للشك
أن القوم قد اغلقت في دواخلهم دواعي الفهم أصلا، فباتوا كالببغاوات
يرددون ألفية ابن مالك ويتحدثون العربية بكل فصاحة وإتقان ولكنهم لا
يتمكنون من إسقاط قوانينها على أرض الواقع عندما يكون النص في حاجة إلى
ذلك، كما أنهم يحفظون القرآن الكريم ويرتلونه ويجودونه على أكمل وجه،
ولكنهم لا يتمكنون من التفريق بين عطف البيان وعطف النسق..... وهكذا هم
في فكرهم وممارساتهم الحياتية.
لذا فإن الدعوة هنا للتركيز على من نجد في قلوبهم طينة أهل البيت
عليهم الصلاة والسلام من علماء الأزهر والشام والمغرب العربي، بل وحتى
شبه الجزيرة العربية، وسنجد إن شاء الله سبحانه وتعالى، فلا طريق (في
تصوري) لحل المشكلة إلا من خلال إثارة الغيرة الإسلامية في نفوس من
يمتلكونها.
أما المواجهة بالمثل فعواقبها لا تحمد، حيث إن الخط الوهابي سيبقى
أداة فاعلة في يد الإستكبار العالمي حتى ولو ظهر اليوم خلاف ذلك...
إن الغرب لن يتوقف عن تغذية الوهابية لأنهم على يقين من قدوم ذلك
اليوم الذي سيستخدمونهم فيه لمحاربة صاحب العصر -أرواحنا لتراب مقدم
خدامه الفداء-...
لذا فإن العمل المتعقل والحكيم هو الطريق لإبقاء قافلة الولاية على
تمام عنفوانها، وذلك بتحقيق الإنتصارات الحوارية والفتوحات الفكرية
التي ستكون لنا حجة على كل ظالم في يوم لا ينفع فيه لا مال ولا بنون...
وليكن في العلم أن الحق حقيق بان يبقى، اما الزبد فهو إلى زوال بلا
شك ولا ريب.
أكرر بأنه لابد لنا من رحابة الصدر وسعة الأفق كي نتمكن من مواجهة
هذا التيار الخارجي التخريبي، وليكن في علمهم وعلم الجميع بانهم مهما
فجروا ومهما دمروا فإن أقصى ما يمكنهم الوصول إليه هو النيل من المادة
والصورة، اما المعنى فهو في صدورنا يمدنا بالإيمان ويجذر في نفوسنا
حقيقة الولاء لمن أمرنا الله سبحانه وتعالى بموالاتهم إلى يوم الدين،
فهم أحياء فينا وإنما الموت هو لأبناء السقيفة ومن سار على دربهم من
تلاميذ معاوية ويزيد.
إننا أيها الأحبة في أمس الحاجة لاستنفار طاقات العطاء من أجل نشر
مفاهيم الإسلام المحمدي المستقيم عن طريق الإستغلال الصحيح لكافة وسائل
الإعلام وطرق الإتصال.....
إننا في أمس الحاجة لآلة تسويق إعلامي نظهر من خلالها عقيدتنا
المحمدية وعزمنا العلوي وروحنا الفاطمية وحكمتنا الحسنية وعزمنا
الحسيني وأخلاقنا السجادية وعلمنا الباقري ومذهبنا الجعفري وصبرنا
الموسوي وتعقلنا المشهدي ونبوغنا الجوادي وسياستنا النقوية وبأسنا
العسكري وسفينتنا سفينة قائم آل محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
إننا أيها الأخوة والأخوات في حاجة ماسة لتجاوز المحن بكل صبر وثبات
في سبيل الوصول (ولو بعد حين) لمبتغانا وهو التمهيد لدولة القائم
المنتظر -أرواحنا لتراب مقدم خدامه الفداء- بشرط أن نبدأ العمل وندع
عنا التافه من الأمور الممزقة لصفنا الواحد.
كما أننا أيها الأحبة لسنا بحاجة للمزايدة العاطفية، بل ما يجب
التأكيد عليه هو أن كل من يملك ذرة من روح الإنسان سيحترق قلبه ألما
وأسفا ولوعة لما جرى وما هو جار في كل بقعة من بقاع أرض المسلمين وعلى
وجه الخصوص ذلك التجرئ السافر على أماكن العبادة من مساجد وأضرحة.
ولكن...
لابد ان يكون للعقل والتعقل المحل الأبرز في ردود أفعالنا المترتبة
على الأحداث، فلا ندع طوفان الغضب يجرفنا صوب هاوية القتل والتقتيل...
قبل ساعات قليلة كنت قد دخلت في نقاش (ساخن) مع أحد المؤمنين حول
ذات الموضوع، وكان عنوان الحوار (ما الذي يجب علينا فعله؟).
قلت له بأن تكون هناك لجنة خاصة لإعمار ما يدمره التكفيريون قال:
يعني هم يدمرون ونحن نصلح؟
فقلت له نعم.
قال: وماذا بعد؟
فقلت له نركز كل التركيز على نشر ثقافة أهل البيت عليهم الصلاة
والسلام من خلال التفعيل الصحيح لآلتنا الإعلامية ونستنفر كل الجهود في
هذا المجال حتى نتمكن من إيصال الفكر الإسلامي النقي ونشره في كل
الأقطار.
فقال: وحتى نتمكن من جني النتائج سيكون الوهابيون قد دمروا كل
العتبات المقدسة.
فقلت: لا، لأن لجنة الإعمار لن تتوقف عن عملها.
فثار الأخ المؤمن وقال: هذا البرود هو الذي جر علينا المصائب، ومن
ثم غادر المجلس.
أحبتي.....
أكرر بأننا لسنا بحاجة للمزايدة، ولكننا في أمس الحاجة لحوار موضوعي
فيما بيننا نطرح من خلاله وجهات النظر ونناقشها كما ينبغي مع تحكيم
العقل وعدم السماح لأي نوع من العصبيات من الدخول لإفساد ما قد نصل
إليه من نتائج لن تكون إلا الأمثل لحل ما نحن فيه من أزمات قاتلة.
وليكن شعارنا .....
قد يقتل الإنسان وتمزق أوصاله تمزيقا...ولكن الفكر يبقى والمعنى لا
يموت
إن اهل البيت عليهم الصلاة والسلام يمثلون المعنى الحقيقي
لوجودنا...لروحنا...لفكرنا...، فما كان من التكفيري إلا أن عمد لتفجير
قبة العسكريين عليهما الصلاة والسلام لأنه لم ولن يتمكن من إغتيال
أصالة العقيدة الشيعية الراسخة، وهذا ما دعاه للتستر خلف حكمهم الشرعي
والداعي لتدمير الأضرحة على اعتبار أنها من الشركيات المنكرة.
فأي غباء هم يعانون منه، وأي تعقل وحكمة نحن نتمتع بها....... الحمد
لله رب العالمين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته |