برنامج امريكي لمحو الأمية يغير حياة المتزوجين الأفغان جذرياً

 

في غرف حطمت الحرب نوافذها وأسقفها في أكواخ أحياء الفقراء المنتشرة في كابول وحولها، يتلقى العمال الأفغان الأميون، من عمال البناء بالآجر والبائعين المتجولين على عربات اليد وحتى المتسولين المحترفين، مع زوجاتهم، دروساً في القراءة والكتابة والجمع والطرح في برنامج لمحو الأمية يغير حياتهم جذريا.

وقالت نسرين أبو بكر غروس، وهي ناشطة أفغانية-أميركية في مجال حقوق المرأة: "لأول مرة في حياتهم، يلتقي عشرة رجال وعشر نساء لا تربط بينهم صلة قربى في غرفة واحدة. هذه أول مرة يرى فيها هؤلاء الأزواج صديقات زوجاتهم، وهي أول مرة تلتقي فيها الزوجات ويجلسن معاً مع أصدقاء أزواجهن. إن التعاون الذي يولده ذلك هائل يكاد لا يصدق."

ويجمع مشروع محو أمية الزوجين، الذي أطلقته غروس في العام 2002، بين عشرة أزواج في كل دورة من الدورات الدراسية التي تستمر اثني عشر شهرا. ويتعلم الأزواج والزوجات خلال ذلك العام ما يتعلمه الأطفال خلال ثلاث سنوات من مبادئ القراءة والكتابة والحساب في المدارس الأفغانية الابتدائية.

وقالت غروس إن حوالى 80 بالمئة من الرجال الأفغان أميون، في حين تصل نسبة الأمية بين النساء في أفغانستان إلى حوالى تسعين بالمئة. 

ووصفت غروس ما يحدث في الدورة بالقول: "عندما يأتون في البداية تجلس النساء معاً في جهة من الغرفة في حين يجلس الرجال معاً في الجهة الأخرى. وبعد مرور أشهر قليلة، يبدأ الأزواج والزوجات بالجلوس جنباً إلى جنب. إنه منظر رائع، الزوج والزوجة يتعلمان من بعضهما بعضا."

وكانت غروس قد بدأت مشروع محو أمية الزوجين في العام 2002 من خلال الذهاب إلى أحياء كابول الفقيرة والقرع على أبواب سكانها سائلة الأزواج والزوجات إن كانوا راغبين في تعلم مبادئ القراءة والكتابة والحساب. وقالت إنها أطلقت المشروع رغم نصيحة المنظمة الأفغانية الخاصة بشؤون المجموعات العرقية (الإثنيات) التي قالت لها بأن الأزواج لن يسمحوا به.

واستطردت واصفة ما حدث: "يا سلام!! أعرف أن الرجال سيسمحون به. إنهم يعرفون أنه أمر حسن. وهكذا فإننا نقوم بدراساتنا بأنفسنا ونتلقى طلبات من عدد كبير جداً للدراسة معنا وهم يريدون دائماً تمديد الدورة. إنهم يتوسلون إلينا كي نمدد الدورة."

وتقام الصفوف في أحياء التلاميذ في مبان مهدّمة يمكنهم الوصول إليها بسهولة سيراً على الأقدام.

وقالت غروس: "إن غرفة الصف دائماً شيء متهدم. إنها ليست غرفة حقيقية إطلاقا. بعضها لا سقف له. وبعضها بدون جدارين. ولا يوجد أبداً أي زجاج للنوافذ، إن النافذة مجرد ثقب في الجدار نغطيه بستار من البلاستيك أو الروطان في الصيف.

وقدم مركز غروس في عامي 2002 و2003 ثلاثة صفوف؛ في حين قدم في عامي 2004 و2005 ستة صفوف. وهي تقول إنها تهدف إلى المحافظة على هذا المعدل من التوسع في السنوات القادمة إن تمكنت من تأمين التمويل اللازم. وتتراوح أعمار التلاميذ ما بين 15 و75 سنة، وهم ينتمون إلى مجموعات عرقية مختلفة كالبشتون والهزارة والطاجيك والأوزبك.

وروت غروس كيف أدى ظهورها بدون حجاب في أول صف تعلمه إلى ثورة صغيرة بين الأهالي الذين اعتقدوا أنها مبشرة مسيحية لظهورها حاسرة الرأس.

ونقلت عن أحد الأعيان المحليين قوله: "هناك امرأة مسيحية جاءت لتحولنا عن ديننا إلى المسيحية!"

وقالت إنها سارعت إلى وأد هذه الفكرة الخاطئة وأن الاهتمام بالدورات التي تقدمها ازداد منذ ذلك الحين. 

وقالت غروس: "تعرضت أفغانستان والأفغان للأذى الشديد مرات عديدة في الثلاثين عاماً الماضية، ويدرك هؤلاء الناس أن أحد أسباب ذلك هو كونهم لا يعرفون القراءة والكتابة. إنهم يعون كونهم متخلفين. إنهم يأتون إلي شاكين، "نعرف أنه يتم التلاعب بنا. ولكننا لا نعرف كيف نرد على ذلك بالشكل الملائم وذلك لأننا لا نعرف مبادئ القراءة والكتابة والحساب."

وميزانية غروس لهذا المشروع محدودة جداً، يأتي معظمها كتمويل من زوجها، وهو موظف متقاعد في الحكومة الأميركية، يضاف إليه بعض التبرعات من منظمة الإغاثة الأميركية الخاصة "مع محو الأمية."

كان مشروع غروس أحد المواضيع التي تم التطرق إليها في نشرة أخبار في محطة سي إن إن. ولفت نبأ المشروع انتباه أستاذة علم النفس الاجتماعي في جامعة نيويورك، سوزان آندرسن، فما كان منها إلا أن توجهت إلى أفغانستان لدراسة المشروع عن قرب.

وقامت آندرسن، على حسابها الخاص، بتصوير ساعات من المقابلات مع التلاميذ، حولتها إلى فيلم وثائقي طوله 25 دقيقة بعنوان "رسائل حب من كابول." وتعتزم الآن إطالة الفيلم الوثائقي بحيث يصبح بطول ساعة كاملة ويحتوي على المزيد من السياق التاريخي والثقافي ليوضح تماماً التغييرات الهائلة التي يحدثها البرنامج في حياة سكان كابول الفقراء هؤلاء الذين تتناثر أكواخهم على التلال المحيطة بها.

وقالت آندرسن: "رأيي هو أن أكبر تأثير للدورة على الزوجين كان في تغييرها العلاقة بينهما بشكل جذري."

وأضافت: "لقد أشار عدد منهم بصورة عفوية إلى أمر لم أكن لأفكر به لولا ذلك، هو تقلص الشجار. تقلص تشاجرهما مع أولادهما، وتقلص الشجار بينهما. وبعبارة أخرى، أصبحوا يستعملون الكلام أكثر والإشارات أو الحركات المهددة إلى حد أقل. إنهم يتباحثون أكثر بالشؤون المختلفة. إنهم يقرأون الصحف معاً ويتحدثون عما يقرأون. إنهم يدرسون معا. إنهم يقيمون علاقات تعاونية."

وأتاح تعلم القراءة والكتابة إمكانية التراسل لأفراد العائلة الواحدة المنفصلين عن بعضهم بعضاً، وهو ما قالت آندرسن إنه كان حافزاً كبيراً على الاشتراك في البرنامج. وقد اختارت آندرسن اسم فيلمها الوثائقي، "رسائل حب من كابول،" على أساس ما سمعته من بعض الأزواج الذين قالوا إنهم تمكنوا من التعبير عن حبهم لبعضهم بعضاً من خلال الرسائل لأول مرة في حياتهم.

وقالت النساء إن تعلم مبادئ القراءة والكتابة والحساب مكنهن من قراءة اللافتات التي تحمل أسماء الشوارع ومحطات الأوتوبيس مما منحهن لأول مرة في حياتهن فرصة المغامرة بالخروج من حيّهن ومساعدة عائلاتهن. كما قالت الزوجات إنه أصبح بإمكانهن مساعدة أطفالهن في دروسهم وتلقي المساعدة منهم في دروسهن.

وأضافت آندرسن أنه كان لمحو الأمية تأثير اقتصادي على الرجال العاملين.

فقد قالت: "إن الكثيرين منهم يعملون في دكاكين تصليح السيارات أو الآلات. وإن كانوا لا يعرفون قراءة نوع الآلة أو السيارة، أو كانوا لا يعرفون قطعة الغيار الملائمة، قد يتعين عليهم الذهاب وإحضار جميع القطع لتجربتها واختيار المناسبة منها. وقد يكون هناك رقم على قطعة الغيار."

كما ذكرت أن الباعة في الحوانيت استفادوا هم أيضاً من معرفة القراءة والكتابة وأصول الحساب.

وروت أن "هناك صاحب حانوت أخبرني أنه كان يسمح لسكان حيه بالشراء على الحساب، ولكنه كان ينسى من يدين له بأي مبلغ، مما كان سبباً للكثير من التوتر مع الزبائن ولخسارته بعض المال."

وقالت آندرسن إن الكثيرين قالوا إن معرفتهم للقراءة والكتابة والحساب جعلتهم محترمين إلى حد أكبر في نظر مجتمعاتهم المحلية وأصبحوا الآن يساعدون جيرانهم وأحباءهم في الشتات الأفغاني على القراءة والكتابة.

* خطط للمستقبل

قالت غروس إنها تريد أن تدخل مفاهيم الصحة التناسلية وحقوق وواجبات المواطن الصالح في دوراتها التعليمية في المستقبل.

وأضافت: "بالنسبة للصحة التناسلية، اخترنا 15 كلمة مثل الزواج والأولاد وأمور من هذا النوع. وأرغب في إدخال حقوق الإنسان والحقوق الدستورية وحقوق المرأة وسيادة القانون، والمزيد من علوم التربية المدنية (على الدروس)."

وأشارت غروس إلى أن المجتمع الدولي أغفل أهمية محو الأمية بين الراشدين بالنسبة لمستقبل أفغانستان، وصب جل اهتمامه على تعليم الأطفال والأحداث.

وقالت: "إن هؤلاء الراشدين هم الذين سيتخذون جميع القرارات المتعلقة بمستقبل أفغانستان في السنوات العشرين القادمة، لمن سيصوتون، وأين يشترون منزلا، ونوع التجارة (التي سيمارسونها)، ولمن سيزوجون أولادهم، وإلى أين يذهبون للحصول على الرعاية الصحية، وأين يضعون نقودهم." 

وأضافت: "إن كل جهة مانحة للمساعدات تطلب من الحكومة الأفغانية تحسين آليات الحكم. فهل فكر أحد في يوم ما كيف يمكنهم تحسين آليات الحكم إن كان 80 بالمئة من الشعب أمياً؟ إن الأميين لا يستطيعون فك الحرف وقراءة الكلمات، ناهيك بقراءة استمارة ضريبة الدخل. إن الحوكمة معرضة للخطر نتيجة لمعدل الأمية المرتفع هذا."

يمكن الحصول على مزيد من التقارير والمقالات عن سياسة الولايات المتحدة حيال أفغانستان، بالرجوع إلى صفحة "إعادة بناء أفغانستان" على موقع مكتب برامج الإعلام الخارجي، باللغة الإنجليزية. 

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد  5 /اذار/2006 -4 /صفر/1427